الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم ثقافي .... أسئلة الكبت الجنسي في مجتمعات الممنوع

باسل ديوب

2004 / 6 / 20
العلاقات الجنسية والاسرية


ليس من المناسب كثيراً الحديث عن أفلام مضت سنوات على إنتاجها لكن ل(فيلم ثقافي) للمخرج محمد أمين (بطولة: أحمد عيد و أحمد رزق) خصوصية بسويات متعددة ستتكشف مع قراءة المقالة.
مجوعة شبابية تعاونتْ في تقديم فيلم قد يكون الأبرز ضمن موجة الأفلام الكوميدية التي طغتْ على السينما المصرية في العقد الأخير، يسير الفيلم في طريق وعرة، يفكك خلالها ألغام المحظور سينمائيّا، وما كان يعد حتّى اللحظة تابو لا يمكن المساس به؛ كل ذلك ضمن منحى كوميدي خفيف.
يمكن أن نصف الفيلم بالجريء جداً، ولكن هل عالج قضية الكبت الجنسي برؤية موضوعية ولو نسبياً ؟ سنترك الإجابة لنستعرض قليلاً أجواء الفيلم.
يشرع الفيلم أبواباً مغلقة، كيف يعوض الشاب عن كبته الجنسي ؟ ببساطة وكما هو شائع في مجتمعنا برؤية الآخر مستغرقاً في الجنس عبر أشرطة الفيديو.
بطالة، حرمان، بطريركية، يُستنزف الفرد من خلالها، بيئة لا تقدم للفرد الحد الأدنى من احتياجاته الإنسانية، وتتركه نهباً لواقع كالح مأزوم0
زمن الفيلم هو زمن القصة في الواقع مع اختصار للضرورة الفنية، إنه اليومي منتزع من سياقه ببساطة متقنة، ودونما تقليل من الجدية، هذا اليومي مضحك، ومليء بالمفارقات، وكاشف تماماً لهذا الزيف الذي يعتري علاقاتنا، لأزمة الوعي التي نعيشها، شريط البورنو يٌرمز له تورية ب( فيلم ثقافي ) وهذه التورية التي تتكرّر طوال الفيلم. تعبر تماماً عن عمق أزمة الثقافة أيضاً لدينا0
يرغب الشبان الثلاثة بمشاهدة فيلم بورنو مترجم!!! يستأجرونه بضمانة مرتفعة من صديقهم مالك الفيديو.
مغامرة منهكة لشبانٌ يمنّون النفس بمشاهدة حارة، تليها استمناءات مكثّفة تعيد شيئاً من التوازن إلى ذواتهم ، رحلة طويلة وشاقة، وبين كل إخفاق وإخفاق في المشاهدة يعود الشبّان إلى إنسانيتهم المهمشة، أليس من حقهم أن يعيشوا الفيلم حقيقةً مع امرأة من لحم ودم؟ ولماذا هذا القفز بين عالمين حقيقي وخيالي؟ لماذا تنحرف رغبتهم الجنسية عن مستقرها الحقيقي الجسد، إلى وهم تصعيدي هو المشاهدة والاستمناء‍!!!؟. سرعان ما يتحوّل ذلك إلى إدمان، فالشاب البالغ ستاً وثلاثين سنة و الذي يعلق شهادته الجامعية على الجدار قد أدمن ذلك بالفعل، و تماهتْ رغبته الجنسية مع طقس المشاهدة، وتناسى الشكل الإنساني، والحقيقي للرغبة وتكيف مع واقع البطالة والتهميش، ليجد عزاءه في (البورنو ) بعيداً عن أنظار شقيقته، ينقطع التيار الكهربائي ليحصدوا خيبةً جديدة، يحملون شريطهم، ولم يبق لديهم سوى ما رفضوه مطلقاً في السابق .... الجامع نعم الجامع ففيه مركز فيديو توجيهي، في هذه النقلة يدخل المخرج إلى مرمى نقده دائرة جديدة من الدوائر المحاصرة للإنسان وحقوقه، وتتصاعد جرعات الكوميديا الحارّة، ليجد الشبان أنفسهم خلف الإمام ليستمعوا بعد الصلاة إلى درس توجيهي في آداب العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام!!؟ ترف وعظي هائل، وهل توجد علاقة أصلاً ليتحدث الواعظ عن آدابها!!
يقع المخرج هنا ( وهو المؤلّف) في مطب فهو يوجّه نقداً لاذعاً للمؤسسة الدينية، ولكنه لتحقيق توازن مفترض يزج بالكنيسة زجّاً، فالشٌّبان يتذكرون صديقهم المسيحي، فينتقلون للكنيسة حيث تجري مراسم تأبين والده للحصول على جهاز فيديو، فيحصلون على مفتاح الشقة الخالية أيضاً، ولعل الحسنة الوحيدة لهذا الزج هي إبراز تعددية المجتمع المصري، التي لا نراها في الإعلام، ومدى مصرية أو التقارب الكبير في التفكير بين المسلمين والأقباط، ومدى الوشائج العميقة بين الأفراد.
يجلسون للمشاهدة وقد شهروا سيجاراتهم مجدداً بتوتر، ويعجزون عن توليف التلفزيون على القناة، المخصصة للفيديو، ليستعرض المخرج مقاطع ذكية من محطات التلفزة، وبرامجها البعيدة عن حاجات المواطن، أغاني وطنية مكرورة ... وتمجيد ( لعهده) عهد البناء..!!ورقصات فلكلورية 0في البيت يصادفون الخادمة، الفتاة الجميلة ليكتشف أحدهم أن الحقيقة أجمل بكثير من الفيديو فهو لأول مرة يرى فتاة بثياب النوم!! تبتزهم الخادمة وهم طلبة الجامعة لعرض مفاتنها بما معهم من جنيهات قليلة.
يستمر (سفر الرؤية) والمجموعة تزداد ثلاثة00 سبعة000 عشر00 وهكذا خمسة عشر شاباً يمسحون شوارع القاهرة، وبنها، لمشاهدة فيلم البورنو، والخيبة دوماً أمامهم نتلقاها كصفعة عندما تنتظر المجموعة انتهاء الحمار وصديقته الحمارة من ممارسة الجنس في الزريبة التي سيشاهدون الفيلم فيها.
ينتهون إلى قسم الشرطة حيث الجميع موقوفون لأسباب أخلاقية، اغتصاب أو محاولة اغتصاب أو دعارة.. ويدركون كم هي(شغلتهم) بسيطة، وهي التي تؤنبهم دوماً، والمفاجأة أن الضابط المحقق من محترفي مشاهدة البورنو، ويقص لهم قصته..!! ويخلي سبيلهم ليتابعوا سفرهم الخائب.
هذا النسق الذكوري البحت في العرض والمعالجة، يفرع عنه المخرج تفريعة أنثوية، فعند محاولتهم المشاهدة عند صديقهم الطبيب المقيم في مشفى، تسترق ممرضة النظر ثم تدخل لتشاركهم الطقس منددةً بذكورية المجتمع ومطالبة بحقها في الزواج و الجنس، فما الذي ينقصها وهي البالغة ثمانية وعشرين عاماً من دون زواج، وهم منشغلون عنها بمشاهدة الأفلام لتنطلق بعدها مسيرة احتجاج مطالبة بالزواج.
وفي النهاية يشاهدون عدة دقائق ليظهر بعدها تسجيل لجلسة مجلس الشعب يظهر فيه بؤس الخطاب الرسمي، وتحليقه بعيداً في سماوات التنظير بعيداً عن حقوق الإنسان ومستقبله،لنسمع تعليقاً مراً وعميقاً بدلالته من ذا الذي يسجل الجلسة على هكذا شريط ليصحّح له صديقه ،إنه يسجل شريط البورنو الخاص على تسجيل لجلسة مجلس الشعب !!!
الفيلم يقارب المشكلة نسبيّاً فهو يستعرض أحوال جميع المؤسسات الاجتماعية الأسرة والمؤسسة الدينية والسلطة تنفيذية وتشريعية ، لكن كل تلك المؤسسات العاجزة عن حل مشكلات الشباب والبعيدة كل البعد عن طموحاتهم كجيل وقع فريسة للحرمان والبطالة والكبت. كما أن المشكلة لولا التفريعة الأنثوية تبدو ذكورية بحتة عرضاً ومعالجة ًفطوال الفيلم لا يرى الشبان النساء إلّا بعين الشبق كتلاً لحمية متحركة أرداف.. سيقان .. نهود.. لنسمع حلّاً على لسان أحدهم يقول بأنّ تغطية أولاء النساء يحل المشكلة!!كما أن التبسيط وصل لدرجة الوعظ والمباشرة أكثر بالأخص في عرض علاقة الشقيق الأصغر طالب المعلوماتية بصديقته. ليس مطلوباً من فيلم واحد النفاذ إلى عمق المشكلة إلا أنه يمكن اعتباره فيلماً متميزاً جداً من حيث قوة الكوميديا وخفة الدم التي ظهر عليها الممثلون الشبان ومن حيث مساحة المحرمات التي اجتاحها الفيلم ومن حيث جمالية المفارقات الكوميدية وبالأخص لغوياً.
إنه كشف بزوايا متعددة لواقع شبابي سيئ.. نجد فيه محصلة نظام مؤسساتي كامل أصابه النخر فلم يعد قادراً سوى على إعادة إنتاج الأزمة وهذا ما يلخصه متعهد الشرائط برايز الذي تعرفه مصر كلها... مخاطباً الشبان
العيب ليس فيكم العيب في النظام!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء


.. بعيداً عن التطور... أهالي حويجة الحبش يحافظون على إرثهم الثق




.. عارضات أزياء بملابس البحر في حدث فريد بالسعودية.. الأبرز في


.. مهرجان كان السينمائي: فيلم -رفعت عيني للسما- وثائقي نسوي يسر




.. هبة الزارع من مقاطعة دير الزور