الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما بكى ...

محمد أبوعبيد

2009 / 12 / 21
الصحافة والاعلام


الصورة التي أبكت الملايين ، المذيع الذي بكى ، الطفلة التي أدمعت أعين الجميع ...لعل كثيرنا يستقبل ،مُكرَهاً، رسائل إلكترونية تحوى مقاطع فيديو أو صوراً فوتوغرافية قد تجيش العواطف وتحرك المشاعر ، وقد تدمع أعين البعض ، وقد تمر من دون أي أثرعلى نواظر آخرين .اللافت في سلوك من هذا القبيل هو تحفيز المرء على مشاهدة ما هو مُرْسل من خلال ربطه بالبكاء والتشجيع عليه .

كأننا مجتمعات كُتِبت عليها البكائيات ، ولو نظر الغريب إلينا لحسب أننا نقضي معظم يومنا في البكاء والنحيب وفي الأحزان ، وأن دروس الحساب والجغرافيا واللغة العربية مُبكية في مدارسنا ، وظن أن ثقافتنا مجبول طينها بأدمعنا ،ويتجلى هذا في مناسباتنا الدينية خصوصاً وغيرها ، حيث خلطنا مسألة الخشوع بالدموع ، ومزجنا وجل القلوب بالنحيب ، عِلْما أن الجوارح أصدق من الأعين في سياق الخشوع والتفاعل.
الأنكى في ذلك هو عندما يتعلق الأمر بطفلة ،أو طفل، تتلو شِعرا ،مثلاً، أو خُطبة ثم تبكي ،ليبكي معها ، أو يتباكى ، الحضور شبانا ً وشيباً ، ثم يتم تناقل مقطع مصور للحادثة معنون كالتالي : "الطفلة التي أبكت الملايين". لا يعتقد المرء أن بمقدور تلك الطفلة بسنيّ عمرها القلال أن تبكي من تلقاء نفسها أمام لفيف من الحضور لولا أنها ملقَنة على أن تقوم بهذا الدور، مع أن ثمة حالة قد تبكي فيها بعفويتها إذا تعلق الأمر بفقدان أحد من ذويها في قصف أو كارثة طبيعية حيث لا حاجة للتلقين حينئذ مثلما رأينا في غزة ولبنان والعراق وإندونيسيا والصومال...إلخ .

كان من الأجدى احترام ربيع الأطفال وأن نكون قادرين على جعلهم مبتسمين ضاحكين ، لا باكين ومُبكين، فأمامهم ،حين يكبرون، متسع للبكائيات في ظل أوضاع القهر والفقر والقتل والاضطرابات السياسية والاجتماعية وما ينجم عنها من حالات انفعال في الأصقاع العربية . إنّ سلوكاً من هذا القبيل يعتبر انتهاكا للطفولة البريئة وتجارة بها وأداة لا إنسانية لتهييج العواطف والمشاعر .

ولأن بكائياتنا متعددة ، فلا ضير في أن يُساق مَثل آخر ..."عندما بكى المذيع الفلاني" ، أو المذيعة ، ...فما هي إلا ساعات حتى يصل المقطع المصور للمذيع الباكي إلى ملايين العرب والمسلمين ويشهد (اليوتيوب) تسونامي من الزيارات. قد يكون المذيع بكى حقاً وقد يكون تباكي حتى يصبح هو الحدث بدلاً من نقله للحدث ، لكن بموازاة ذلك ، لا ينتشر مقطع لمذيع ضحك وأضحك معه الملايين ، والمعلوم أن البكاء والضحك حالتان انفعاليتان ناجمتان عن تفاعلات يتفوق فيهما الضحك على البكاء من حيث الفائدة الصحية للعضلات ، ورغم تلك الفائدة ،فإننا انجذبنا إلى البكاء في ظل سطوة التراجيديا على الكوميديا .

صار المرء يخشى أن تصبح بعض الإعلانات التجارية ممزوجة بدمع العين ينهمر، فيرى إعلاناً لمشروب غازي في يد امرأة منتحبة ، وآخر لبطاقة ائتمان يستخدمها رجل وقد اغرورقت عيناه بمائهما ما دامت البكائيات لسان حالنا والجزء الأكبر من أدبياتنا ، مع أننا مجتمعات قابلة للابتسام وصالحة للضحك المهذب والمُسبَّب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج