الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رونالد ريغان..كاوبوي السينما، كاوبوي في السياسة

يوسف محمد

2004 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن غريباً أن نرى المراسم الكبيرة التي أقيمت لتشييع جثمان الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، فقد شكلت الريغانية مرحلة تاريخية لها أثرها الواضح في الحياة السياسية الأمريكية وفي تاريخ اليمين البرجوازي على الصعيد العالمي. وطبعت بطابعها العديد من الأحداث وكانت لها تأثيراتها على مسيرة البشرية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وشكلت مرحلة عصيبة في التاريخ المعاصر. وكان وصول ريغان الى البيت الأبيض بالتزامن مع وجود مارغريت تاتشر على رأس الحكومة البريطانية متزعمة حزب المحافظين البريطاني انطلاقة قوية لليمين على كافة الأصعدة والجوانب، خصوصاً في الميدان السياسي، بحيث صارت الريغانية والتاتشرية علامة فارقة في مسار صعود اليمين مجدداً لأنها بلورت جملة من المفاهيم والممارسات في ما يسمى بالعلاقات الدولية وكانت نذير تحولات أساسية في بنية وهيكل العالم الرأسمالي المعاصر. وتعدى الأمر حدود المراسم الى السعي من قبل الجمهوريين للمطالبة بوضع صورة ريغان على إحدى إصدارات العملة الأمريكية أسوة بالرؤساء واشنطن ولنكولن وغيرهم، كجزء من مساعي الرأسمالية الأمريكية لخلق صنم آخر وتابو آخر تتكسر على أعتابه أية محالة لكسر ومس حدود المقدسات والرموز البرجوازية.
وإذا ما تحدثنا عما ميّز الريغانية والتاتشرية فإن أول ما ميّزهما مناصبة العداء للعامل والشيوعية، بحيث تحول الاتحاد السوفيتي الذي لا تربطه صلة بالشيوعية إلا بالاسم الى ما أطلق عليه ريغان تسمية "إمبراطورية الشر" لا لشيء إلا لأنه يدعي الشيوعية، وليس قمع إضراب عمال المعادن في بريطانيا الذي استمر لأكثر من عام وشكل ملمحاً بارزاً في نضال العمال واستخدام أكثر السياسات وحشية وهمجية ضد العمال من قبل تاتشر إلا جزءاً من ذلك العداء الأعمى. كذلك عرفت الريغانية والتاتشرية أيضاً بالعسكرتارية والتأكيد على دور القوة في حسم النزاعات والصراعات وبالتأكيد لن يغيب عن البال ما أطلق عليه في ذلك الوقت "حرب النجوم" أي البرنامج السيء الصيت لسباق التسلح والمنافسة العسكرية التي بدأتها الإدارة الأمريكية في عهد ريغان. وقد كان دعم أكثر الدكتاتوريات والأنظمة رجعية ودعم الحركات الإرهابية والرجعية على الصعيد العالمي جزءاً من الريغانية والتاتشرية حيث شكل دعم الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية والمساهمة في إجهاض ثورة الجماهير الإيرانية بدعم الأجنحة الإسلامية ومن ثم وصول الخميني الى سدة الحكم هناك وتقديم الدعم اللامحدود للتيارات الإسلامية في أفغانستان واحتضان "المجاهدين الأفغان!" من قبل الولايات المتحدة بهدف تطويق الاتحاد السوفيتي بحزام أخضر في مواجهة خطر الشيوعية ملمحاً بارزاً من ملامح المرحلة الريغانية.
لقد شكلت الريغانية أيضاً بوابة الشروع في انتهاء الحرب الباردة وانهيار العالم الثنائي القطبية، حيث سعت لتثبيت مكانة أمريكا كقوة عظمى ومتفردة على الصعيد العالمي، والى اليوم مازالت الاستراتيجية الأمريكية تسير على خطى ما تبلور في مرحلة الريغانية أي سياسة العسكرتارية والعداء للشيوعية والتحرر وسياسة الغطرسة والتهور وممارسة أشد السياسات يمينية ورجعية في مختلف الصعد والمجالات. وليس خافياً أن ما يسمى بـ"النظام العالمي الجديد" لم يكن إلا امتداداً للاستراتيجية الريغاينة، حيث سعت أمريكا بعد انهيار الكتلة الشرقية ونهاية الحرب الباردة الى فرض أكبر التراجعات على البشرية وعلى نضال الطبقة العاملة ونضال البشرية المتمدنة تحت تسمية "موت الشيوعية" كما سعت لفرض تفردها وسلطتها الوحيدة الجانب على العالم وغطرستها بأشكال مختلفة. فكان العراق ومن ثم يوغسلافيا والبلقان وبعد ذلك أفغانستان فئران التجارب للوصفة الجديدة حول "نضام عالمي جديد"، نظام يجسد تفرد أمريكا بالزعامة ووقوفها شرطياً للعالم.
ربما يبدو عنوان المقال مثيراً للتساؤل، غير أن نظرة على صورة الكاوبوي النزق الجامح والأخرق، الكاوبوي المتغطرس والمتهور الذي لا يتقن غير منطق القوة والسلاح ولا يحتكم الى أية معايير أخلاقية والمعروف بالخبث والمكر والدهاء في المنافسة مع غيره، تلك الصورة التي ألفناها في السينما الهوليودية عن الغرب الأمريكي، الصورة التي جسدها ريغان القادم من هوليود في الكثير من أفلامه، تؤكد لنا الشبه الكبير بين صورة الكاوبوي في السينما وصورة الكاوبوي التي سعى ريغان لبلورة ملامحها في الميدان السياسي. ويحضر الى الذهن هنا، على سبيل المثال، الإيماءة الهوليودية للرئيس الأمريكي الحالي بوش بعد أحداث الحادي عشر من أيلول حيث قال عن بن لادن: "هناك ملصق قديم في الغرب الأمريكي يقول: مطلوب حياً أو ميتاً"!.
وبأية حال مازال بوش يشكل امتداداً للريغانية والثمرة الطبيعية لها. فقد كان تحالفه مع بلير امتداداً للتحالف بين ريغان وتاتشر واستحضاراً لروح ماضي العلاقات بين قطبين من أقطاب الرجعية العالمية. وتشكل سياسات إدارة بوش امتداداً لسياسات إدارة ريغان. فليست الحرب على العراق وتدمير أسس الحياة المدنية في المجتمع العراقي وخلق حالة من الفوضى الشاملة التي فرخت في خظمها مختلف الجماعات العشائرية والقومية الرجعية والجماعات الإرهابية الإسلامية إلا صورة للسيناريوهات السوداء والكوابيس المظلمة التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتصدريها الى العالم باسم الديمقراطية وتحرير الشعوب من الدكتاتورية.
لقد كان مؤسفاً حقاً موت ريغان لسبب بسيط هو أنه مات ولم يرَ بعينه البشرية تضعه في قفص الاتهام الى جانب مجرمي التاريخ من قبيل بوش وبلير وصدام حسين وتاتشر والخميني وبينوشيه وهتلر...وغيرهم وتحاكمهم على جرائمهم التي مارسوها بحقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر