الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصلحة مبتدأ مرفوع.. من ارض الواقع

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2009 / 12 / 22
كتابات ساخرة



المصلحة مفردة ساحرة، تزداد تأثيرا وتألقا إذا حلت مبتدأ لخبر.. يحدد هويتها واتجاهها، ولا تفقد بريقها إذا دخلت بمفردها على أي عبارة أو جملة، لكنها ستكون صريحة جدا إذا تقدمت غيرها من الكلمات، ورغم ذلك كله فان البعض يفضلها محجبة لاسباب تخص المصلحة ذاتها.
ولاشك إن تاريخ ولادة هذه الكلمة، يرتبط بتاريخ الإحساس بالرغبة، والامتلاك، والأنانية، والفردية، لدى الإنسان، منذ الجدل بين مثالية افلاطون وواقعية ارسطو، قبل أن تتحول إلى منهج لبناء الدول وتشييد الحضارات، بعد ان اشتقت منها عناوين وعبارات لازمت تطور الانسانية وتحولاتها على مر العصور.
وفي ذات الوقت يؤسس تضارب المصالح إلى التوتر، والفتن، واختلال التوازن، الذي يدعو إلى العمل من اجل الحفاظ على الوضع الراهن، او تغييره في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والتغيير عادة ياتي بتفجير الثورات الدامية من قبل المتضررين، مقابل تترس الحكام بعساكر، وشرائع وضعية، لحماية مصالحهم، والطبقات المنتفعة منهم.. ومعهم..
واحتاجت الحضارات الإنسانية إلى قرون طويلة، لتتمكن من وضع الخطوط الفاصلة بين المصالح، التي يمكن أن تؤدي إلى انفجارات، بتضاربها وتداخلها، وأصبحت الحضارات المتطورة تقاس بحسن إدارتها للمصالح المختلفة، التي تحولت من المفهوم المجرد القائم على (الصراع من اجل البقاء)، الى مفاهيم اوسع تضج بها قواميس السياسة على شاكلة، مصالح عليا، ومصالح وطنية، ومصالح إستراتيجية، ومصالح ثنائية، ومصالح مشتركة، ومصالح قومية.
وكان الغربيون أكثر صراحة في التعامل مع هذا المفهوم، منذ ان جرده ميكافيلي من التداخل مع القيم الأخلاقية، لكن الحضارة الغربية اختصرت الأمر بعد حين بعبارة كانت الى وقت قريب تثير الجدل في مجالسنا الأدبية والاجتماعية، وكنا نعدها وصمة عار في جبين هذه الحضارة وهي( لاتوجد صداقات دائمة بل توجد مصالح دائمة).
لكن لسان حالنا اليوم يقول انه لا توجد صداقات دائمة ولا توجد مصالح واضحة، لان المصلحة لدينا تبحث عن (الحجاب)، و(النقاب)، وبذلك فنحن لا نريد ان نظهر مصالحنا ورغباتنا (عارية) امام الأجناب او الاحباب، بل نجبرها على عدم مبارحة محرمها و نتفنن لها بألوان الأغطية والستائر، وندعو لها (بالستر)، لان انكشافها سيؤدي إلى هتك عورتنا الاجتماعية، وكشف صراحة ما ندعي، وما نعتنق من آراء وميول واتجاهات.
فبعد سقوط صدام ومن ناصره وأعانه على سياساته، اخذ المتضررون من سقوطه، من غير المنتفعين من الوضع الجديد، اخذوا يبحثون عن (أناجيل) يرفعونها فوق رماح مصالحهم المبرقعة بشعارات المرحلة، ليضفوا صفة القداسة على معركتهم القذرة، وكانت مسألة المقاومة هي الشعار الأكثر رواجا بالشكل الذي يسيل له لعاب دول وقوى وشخصيات تضررت من ولادة نظام ديمقراطي ناجح بين دجلة والفرات.
وشهدنا لسنوات متعاقبة كم أريقت من الدماء البريئة، وكم وقعت من الجرائم، وكم كتبت من شهادات الزور، وكم زيفت من حقائق، وكم أطلقت من أكاذيب، والغريب ان المجرمين كانوا يرفعون شعار المقاومة، والوطنية، وطرد المحتل، وشعارات أخرى، تباع وتشترى وتدار باموال خارجية تتحرك من خزائنها الحصينة في مصارف دول تعم بالرفاهية لتوظف من خلال أصحاب (المصالح المتضررة) إلى شعارات تحرق رفاهية شعبنا المقتولة في مهدها، لتهدم مصالح وتبنى على أنقاضها مصالح أخرى، وفق حسابات مخطط لها بعناية.
وبعد رحلة الآلام التي خاضها العراق، منذ ان تنعم بنسيم الحرية، لم يجروء أي من اللاعبين، أن يصارح الناس بأنه يدافع عن (مصالحه المتضررة)، مقابل من حصل على مصالح اكبر فالأول يريد استعادة مصالحة، والثاني يريد الحفاظ على ما حصل عليه من مصالح، والطرفان لا يريدان دولة قوية، وسلطة مهابة، يمكن أن تضع حدا فاصلا يكشف اللثام عن وجه الحقيقة ويظهر المعادلة التي يحتاج الناس إلى معرفتها تحت عنوان المصلحة الوطنية العليا.
وفي الوقت الذي نحن فيه مقبلون على إجراء انتخابات تتمتع بأهمية استثنائية سوف يزداد الطلب على اقنعة وأغطية وستائر جديدة، تحمل شعارات ورسوم زاهية جميلة خادعة، لتغلف مصالح خاصة، ومصالح دول مجاورة، ومصالح شخصيات متضررة، ومصالح اخرى، وما على أبناء الشعب الا اكتشافها واكتشاف من تفنن في تزييف الحقائق، سواء كانوا سياسيين، او إعلاميين، فالمصلحة دائما مختبئة حول ما يروجون من أكاذيب، وخلف ما يدعون من بطولات وهمية يجب أن لا تنطلي على من يصوتون لمستقبل العراق ووحدته وامنه خلال الانتخابات المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث