الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المالكي ..ورحلة البحث عن حلول واقعية

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2009 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تفتح القاهرة ذراعيها لمن يحكم بغداد، فانها تكون على موعد مع نقطة مفصلية لرسم التاريخ العربي من جديد، لان اللقاء سيكون له شان اقل مايقال عنه انه بالغ الاهمية في هندسة العلاقات الدولية، وفي لغة اهل الاقتصاد هو لقاء بين براميل البترول التي تضمن وفرة المال وبين اليد العاملة الوفيرة، وفي التاريخ السياسي هو امتداد لعمق لامحدود تواصل الى العصر الحديث.
فطالما كانت لقاءات نوري باشا السعيد مع نظيره المصري مصطفى النحاس مطلع الاربعينات من القرن الماضي تحمل بذور المشروع القومي العربي، واثمرت عن تشكيل جامعة الدول العربية الا انها توقفت ولم تتقدم خطوة جديدة بعد ان تحولت مصر الخديوية الى الثورية العسكرية القومية، لتدخل حلبة تنافس مع العراق الملكي الليبرالي.
وتخلخلت العلاقات نتيجة تقاطع مشروع عبد الناصر الطموح، نحو مفهوم جديد هو الحياد الايجابي، ومشروع نوري السعيد المتوازن نحو حلف بغداد، وكل منهما كان يريد لعاصمته ان تكون مركز الاستقطاب في المنطقة، وكل منهما كان يمثل مدرسة سياسية الا ان الثابت الوحيد هو امتلاك العملاقان العربيان لمفاتيح الشرق الاوسط وعمقه الجوهري والسبق في التصدي والتضحية فكم من دماء عراقية اختلطت بدماء مصرية على ارض فلسطين.
اذن فعلاقة بغداد مع القاهرة هي امتزاج الطين السومري، بالبردي الفرعوني، امتزاج اندفاع، وجدية العراقيين، بصبر وفهلوة المصريين، واذا كان الباشا السعيد بعقلية السياسي المحترف، اراد لهذه العلاقات ان تتوازن لما فيه مصلحة العراق اولا، وقد تبعه الزعيم قاسم الذي قدم الوطني على القومي، الا ان من حكموا العراق بعد شباط 1963 لم يكن بجعبتهم الا الطيش الثوري الذي صنع لهم احلاما تبددت فيما بعد على صخرة الثوابت الوطنية للدول.
الامر الذي جاء بلاعب سعودي يحمل المال ويختبيء خلف شرعية دينية عززتها قدسية الارض التي تتكون منها هذه المملكة، فبعد سقوط نظامان ليبراليان في مصر وفي بغداد، كان على المملكة ان تمد يدها الدبلوماسية وتحصد المكاسب، لتدخل فيما بعد لاعبا قويا، حتمت عليه قواعد اللعبة ان يقف مع القاهرة تارة.. ومع بغداد تارة اخرى.. وهذا ماحصل بعد كامب ديفد، وبعد غزو الكويت، ومارافقهما من كر وفر دبلوماسي وسياسي قطع اوصال الجسد العربي دون رحمة.
وبعد قيام العراق الديموقراطي بعد نيسان 2003م كان على قادة بغداد ان يدشنوا عصرا جديدا من العلاقات العراقية مع الجوار العربي، تبعث برسالة تطمين الى ان العراق سيكون ايجابيا وهو يحمل ارثا عظيما من الثقافة والمعرفة، كونه مهبط الرسالات وارض الحضارة، لا ارض الجند ومهبط الطائرات الحربية العائدة من قصف دول آمنة، ومنذ ايام مجلس الحكم اشهر ساسة بغداد اغصان الزيتون ونكسوا البنادق، احتفالا بولادة عراق السلام، ولكنهم لم يسمعوا دوي التصفيق ينطلق من منازل الجوار مثلما توقعوا، ولم يحصل السلام الذي تأملوا انهم سيكونون ابطاله.. لان سلام من هذا النوع في منطقة مثل المحيطة بالعراق تصنعه البندقة التي نكسوها، ولايصنعه غصن الزيتون الذي رفعوه.
لذلك كان المالكي اكثر واقعية وحنكة واقل رومانسية في فلسفة العلاقات الدولية، و هو عندما يقرر ان يحل ضيفا على قاهرة المعز في ظروف معقدة مثل التي يعيشها العراق، سيكون لهذه الزيارة في حساباته شانا، وبالتالي سيكون لها وقعا كبيرا وستكون جزء من حل مشكلة الجدل العراقي بين غصن الزيتون وفوهة البندقية.
يحل المالكي ضيفا على القاهرة وهو محمل ببشائر فرص استثمارية تقدم لمصر منفذا اقتصاديا يوفر لها التقدم خطوة للامام، ويكسر الحاجز الاستثماري الذي حاول البعض ان يحيطوا العراق به ليوقفوا حتمية النمو وبالتالي خطوة عراقية للامام، وكذلك فان لوجود المالكي في القاهرة شان يرتبط بهندسة جديدة للعلاقات العربية مع العراق التي ستنعكس حتما على الشأن الداخلي العراقي، الذي لاتغيب عن اللعب باوراقه قوى ودول لم تعد مخفية، لذلك فان زيارة المالكي لمصر هذه المرة يمكن وصفها بانها زيارة البحث عن الحلول الواقعية.
*نشر في البيان البغدادية










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م