الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحّارة الفاجرة

صبري هاشم

2009 / 12 / 23
الادب والفن


***
زمنُ الخيانةِ .. إلى صاحبي
***
هل كَبَوْتَ ؟
خَسِئ قائلٌ ومِن بعدِهِ خَسِئ بشرٌ حاقدون . لستُ أنا الفارسَ الذي ظلَّ غرّاً ولم أكن . لستُ المُحاربَ الغضيضَ العودِ وقد خَدَعَتْهُم نضارةٌ في صمتي المُبجّلِ . لم أرَ فيَّ غربةً وعزلتي عزلةُ النسرِ في الأعالي فيما الوطنُ أمامي كتابٌ مفتوحٌ .. صحراءُ شاسعةٌ أقرأُ في مداها عثراتِ الرِّيحِ ومداخلَ حَيْرَتِها .. أُتابعُ عاداتِها وتَقَلُّباتِ مزاجِها ثم ببصري أرمي بعيداً لأصيبَ دهشةَ القمرِ أو هالةً فتكت بالليلِ تدلُّني على أسرارِ جمهرةٍ تربّتْ عَبْرَ أجيالٍ على الخنوعِ وتطفّلت على مأدُبةِ السلوكِ الرّديءِ الذي اصطلحْنا على تسميتِه بالانتهازيةِ . أنا ما كبوتُ ولم أتعلّمْ لغةَ مثقفٍ تربّى على أنْ يبيعَ ضميراً بأبخسِ الأثمانِ . كنتُ ولمّا أزل على درايةٍ بأهواءِ الدّهماءِ التي سوف تُخاصمُ أفكاري وربما ستُهاجمُها مثلما يُهاجمُها جمهورُ النُّخبةِ المؤدلجةِ .. ربما كنتُ واهماً .. ربما كنتُ مُتأكداً ، إنما لابدّ مِن مرورِ القاطرةِ في نفقٍ يختزلُ المسافةَ . كيف وأنا لا أملكُ ـ حسب الرؤيا النيتشوية ـ فماً يصلحُ لهذهِ الآذانِ ؟ لابدَّ مِن عبورٍ إجباريٍّ نحو أرضٍ خرابٍ .. لابدَّ مِن مطاردةِ دخانِ الحريقِ فقناعُ المُهرِّجِ سقطَ مِن علٍ وبانَ وجهٌ كان قد أَوْغلَ في الزمنِ الخيانيّ .. في الزمنِ العراقيِّ الأردأ . ما كبوتُ إنما حاصرتني أسئلةٌ عاصفةٌ بعضُها هلاميٌّ وآخرُ في غايةِ الوضوحِ وما عليَّ إلاّ أنْ أدعوَها إلى مدينةِ التناسلِ لكي تخرجَ هادئةً متعافيةً مُبْتَلّةً بالصدقِ أو تخرج مُلتهبةً حائرةً تطرقُ الأبوابَ طرقاتِ المُلتاعِ :
لِمَ لا يدافع العراقيُّ عن أرضِهِ ؟
لم نُخْبَرْ مِن قبلُ عن هذا الأمرِ .. لم يخبرْنا التاريخُ ـ وأزعمُ أنني قلّبتُ وجوهاً لبعضِ تواريخِ الأمم ـ عن مأثرةٍ للعراقيِّ في الدّفاعِ عن أرضِهِ . منذ سقوطِ بابل على يدِ قورش الأخميني حتى سقوطِ بغداد على يد جورج دبليو بوش في التاسع مِن نيسان عام 2003 .. ربما مفهومُ الدّفاعِ عن الوطنِ ـ الأرض والإنسان ـ ليس مِن معاني الشرفِ عند العراقيّ كما هو الحالُ مع المحّارةِ الباهرةِ الضاحكةِ في وسطِ الأنثى والتي ربما تخلّت عنها لجارٍ يثقبها في غفلةِ الأهلِ أو لزميلِ عملٍ لديه مِن الجرأةِ ما يكفي أو حتى لعابرِ سبيلٍ تجدُ فيه مِن الفحولةِ ما يستحق البذلَ سواء رضي حامي حماها أم لم يرضَ ، فمَن يثبتُ لي عفافَ ـ وهنا يأتي العفافُ بمفهومٍ شرقيٍّ ـ امرأتهِ أو ابنتهِ أو قريبةٍ له ؟ الجواب لا أحد كما لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يثبتَ العكس . الأرضُ هي العرضُ الدائمُ أيّها العراقيُّ وما عداها فهو فانٍ .
* احتلالُ إيران لآبارِ النفطِ في الفكّة آخرُ الأدلّةِ لديّ . لو كان ثمّة وطنيون يعملون في الآبارِ لما استطاعتْ إيرانُ احتلالَها بيسرٍ .. ربما دافعوا عنها بصدورٍ عاريةٍ ولو كانت لدينا حكومةٌ وطنيةٌ لأعلنت موقفاً وطنياً ولحُسبَ حسابُها . هل رأيتم كيف خرجَ علينا المسؤولون في الدولةِ ـ الذين ستنتخبُهم الغوغاءُ ثانيةً ـ وهم يُهونون مِن الأمرِ ؟
* مَنْ يُبدد حَيْرَتي ؟
* مَن يمنحُني مثلاً إيجابياً ويطعنُ في قراءتي ؟ لم يُقدِّم التاريخُ واقعةً واحدةً تدعمُ موقفَ العراقيّ .. لم يُقدِّم الحاضرُ دليلاً واحداً فيما الخيانةُ تبدو وراثيةً في بعضِ الأحيان. لذلك فأنا لم أعثرْ حين كتبتُ روايتي " قيثارةُ مَدْيَن " ولم أكبُ حين نشرتُها فلا يتوهم أحدٌ خلوَّ المحّارةِ الفاجرة مِن لؤلؤةٍ فاخرة ، وحين تزحفُ غابةُ بيرنام لا تستغربوا .. نعم هي الغابةُ .. إنّه شجرُ الوادي الذي يأدُو ختلاً وليس وهماً ما رأيتم . ويستمرُ هطولُ الأسئلةِ :
لماذا يبيعُ العراقيُّ بلادَهُ بسنةِ إقامةٍ في أيِّ بلدٍ أوربيٍّ ؟ لماذا يتخلّى عن وطنيتِه مقابل حفنةِ دولاراتٍ وأحياناً بمنصبٍ متواضعٍ ؟ لم يعد العراقُ وطنَ الأزلِ والوطنية ليست كلاماً مجرداً إنما هي سلوكٌ وممارسةٌ . إنْ أردتَ أنْ تحبَّ وطنَك يعني أنْ لا تقتلَ أو تعذِّبَ فرداً فيه . إنْ قررتَ أنْ تحبَّ وطنكَ يعني أنْ لا تلوِّثَ أرضَهُ وتقتلَ زَرْعَهُ وضَرْعَهُ . إنْ عزمتَ على أنْ تحبَّ وطنَكَ يعني أنْ لا تتركَه عرضةً للدمارِ والخرابِ وتغادرَه . إنْ نويتَ على أنْ تكونَ وطنياً قلْ كلمةَ حقٍّ ولا تُدلِّس . لكن العراقيَّ أوقعَ الأذى بكلِّ شيءٍ حتى بنفسِه .
* كيف يُطبقُ جفنُ العراقيّ وعلى أرضِه أكثر مِن مئةٍ وخمسين ألف جنديّ أجنبي بصفةِ مُحتل يدوس رؤوسَ أخوتِه مِن الرجالِ بالأحذية ويضعُها في أكياسٍ سوداء للقمامةِ ثم يعتدي على عرضِه وتخرجُ علينا جموعُ العراقيين تسمي ذلك تحريراً.
* مِن أخطاءِ اليهودِ الكبرى أنهم احتلوا فلسطينَ وطردوا أهلَها ثم عرّضوا أنفسَهم للمقاومةِ منذُ ستين عاماً وكان بوسعِهم احتلالُ العراق دون مقاومةٍ تُذكر مِن شعوبِهِ فهي شعوبٌ طيبةٌ لا تذودُ عن الأرضِ والعرضِ وكان بإمكانِهم استقدام كلّ يهودِ الأرضِ إلى أرضِ السوادِ بلا حرجٍ مِن أهلِها (" الطيبين ").
* لقد فجعتْنا الشعوبُ العراقيةُ بهذه المواقفِ المُتخاذلةِ .
* وما يُثيرُ استغرابي هو صمتُ بعض المثقفين الكبار إزاء القضايا الوطنية العظيمة وهم على درجةٍ مِن الاستقلاليةِ السياسيةِ فأنا لم أقرأْ موقفاً لهم ولم أسمعْ عنهم تنديداً بالاحتلالِ أو بالديكتاتورية مِن قبلُ كأنّ الأمرَ لا يعنيهم وكأنهم يقيمون في جزرٍ نائيةٍ ومِن المعلومِ أنَّ المواقفَ العظيمةَ إزاء الخطوبِ العظيمةِ لا تصدرُ إلاّ عن رجالٍ عظماء فهل نجزمُ بخلوِّ العراقِ منهم ؟
* ثم يتهمون الآخرَ كلّما تكلّم ضد الموتِ والإرهابِ والإحتلالِ والنزفِ الدائمِ للدماءِ البريئةِ بأنه يُطالبُ بعودةِ البعثِ والبعثيين وفي حالاتٍ أشدِّ بالصداميين . لا يوجد صداميون فهذه التهمةُ ألصقتها الأحزابُ الحاكمةُ الجديدةُ بالبعثيين الذين بقوا على مواقفِهم الفكريةِ فعندهم كلُّ بعثيٍّ انتقلَ إلى صفوفِ هذه الأحزابِ القادمةِ مع الدبابةِ هو بريءٌ ولم تُلوّثْ يداهُ بدماءِ العراقيين حتى لو كان مُجرماً وكلُّ بعثيٍّ رفضَ الوضعَ الجديد هو صداميّ . هناك بعثيون أصبحوا الآن وزراء ونوابَ وزراء ومدراء عامين ورؤساء تحرير وضباطاً كباراً في الجيش والشرطةِ الجديدين وبأعدادٍ كبيرةٍ . إنهم تغلغلوا في الوضعِ الجديدِ كتغلغلِ النازيين في الجسدِ الألماني بعد خسارةِ ألمانيا للحربِ وصار مثقفو البعثِ يحصدون الجائزةَ تلو الجائزةِ إمعاناً في إذلالِ خصومِهم السابقين ولنا في كتّابِ ومثقفي الحزب الألماني النازي عبرة .
* هل حدثتَني عن دفاعِ العراقيين في ثورةِ العشرين ؟ أقولُ لا يمكن لثورةٍ ما ، أنْ تقومَ وتنتهي خلال ستةِ أشهر في زمنٍ تنعدمُ فيه وسائلُ الاتصالِ بين المدنِ كالهاتفِ وطرقِ المواصلاتِ السريعة وأجهزةِ الإعلام ثم يكون مِن نتائجِها بقاءُ الاحتلالِ البريطاني ثماني وثلاثين سنة هذه ليست ثورة ربما هي هبّةٌ لبعضِ شيوخِ العشائر وما قام به شعلان أبو الجون أو الشيخ ضاري ما هي إلاّ أفعالٌ فردية تحسبُ لهؤلاءِ الشيوخِ وبعضِ الموالين لهم . أما أنّ عشائرَ العراق اشتركت جميعها فهذه أمرٌ مردودٌ بالكاملِ فثمّة عشائرُ ساندت الاحتلالَ البريطاني ودعمت العمليةَ السياسيةَ كما هو الحالُ الآن مع العشائر التي تصلُ بغدادَ بالعشراتِ تُقدِّمُ للسيدِ المالكي فروضَ الطاعةِ والولاء وتدعمُ العمليةَ السياسيةَ . العشائر تاريخياً لم تجاهدْ مِن أجلِ العراق إنما هناك أفعالٌ شخصيةٌ قام بها رجالُ ربما مِن أجلِ ردِّ إهانةٍ كفعلِ ضاري مع لتشمن . أو هي فورةٌ كفورةِ منتظر الزيدي التي أدانها أغلب العراقيين والذين سيسندونها لأنفسِهم بعد خمسين عاماً ، ربما سيتبناها كلُّ العراقيين في قابلِ الأيامِ وسيقولُ العراقيُّ مستقبلاً : نحن ((العراقيين)) الذين أخرجْنا المحتلَّ الأمريكيَّ " بالقنادر "
* نحن نصنعُ ثوراتٍ بالأهازيجِ وأشعارِ العاميةِ كما تفعلُ العشائر الآن . نحن نصنعُ أوهاماً .
* أنا لم أعثرْ وقراءتُك لروايتي " قيثارةُ مَدْيَن " كانت قراءةً قاصرةً ناقصةً ، فالروايةُ مليئةٌ بالإشاراتِ والرموزِ التي لم تدركها وهي مبنيةٌ على أساسِ الإفادةِ مِن التاريخِ كما أنّها تستحضرُ الأساطيرَ بقوّةٍ بالإضافةِ إلى شعريتِها الطاغيةِ وأظنّ قراءةً واحدةً لا توصلُك إلى مُرادِك إنْ كنتَ ترومُ ذلك . أما أنْ تجتزئَ منها ما يتناسبُ وقَبَلِيّتك فهذا شأنٌ آخر . إنّه عقلٌ مؤدلجٌ لا نفع يأتي منه !
* هي بارانويا ليس إلاّ
يستطيعُ العراقيُّ أنْ يلهجَ بعراقيتهِ ستين مرّةً في الدقيقةِ الواحدةِ :
نحن العراقيين ، نحن أبناء العراق ، نحن الشعب العراقي ،
نحن أصحاب حضارةٍ ، نحن وادي الرافدين ، نحن بلاد مابين نهرين ، نحن أرض السوادِ ، نحن السومريين ، نحن البابليين ، نحن الآكاديين ، نحن الكلدانيين ، نحن الآشوريين ، نحن مَن صنعَ العجلةَ ، نحن مَن صنع القيثارةَ ، نحن مَن ابتنى الجنائنَ المُعلّقة ، نحن أهل الزّقّورة ، نحن ، نحن ، نحن . لكنه لم يُدافعْ عن هذا الانتماءِ مرّةً ولم يَذُد عن الأرضِ مرّةً ولم يشبعْ مرّةً ، ولم يروِ عطشَهُ مرّةً وهو دائمُ الشكوى والبكاء والعذاب ومع هذا لم يكف عن تضخيمِ ذاتِه الخاوية .
*حَيْرَتي ... أسبابي التي تتوالد
أسئلتي التي لا تَنْضُب
يقول السيد الحسني : قال صاحبُ الشذرات وهو يصف دخول تيمورلنك إلى بغداد للمرة الثانية في عام 803 هـ ( 1400م) " ثم ـ سار ـ على بغداد وحصرها أيضاً حتى أخذها عنوة في يوم عيد النحر من السنة ووضع السيف في أهلها ، وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها ، فوقع القتل حتى سالت الدماء أنهاراً ، وقد أتوه بما التزموه ، فبنى من هذه الرؤوس مئة وعشرين مئذنة ، ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خراباً بلقعاً "
* عجبي كيف يقبلُ العراقيُّ أنْ يُنحرَ كما تُنحرُ النعاجُ ولا يأتي حركةً تدلُّ على الدّفاعِ عنِ النّفسِ حتى ولو كانت رميةً لقبضةٍ مِن ترابٍ نحو وجهِ القاتلِ ؟ أعلمُ أنَّ بعضَ الحيواناتِ ومنها بعض الطيور تجمدُ في مكانِها مِن الخوف .
* هل رأيتَ أنني لم أكبُ ولم أعثرْ في كتابةِ روايتي " قيثارة مَدْيَن " ولي عودة أخرى قبل أنْ يحرروا العراقَ بالشعرِ العاميِّ والأهازيجِ الكاذبةِ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا