الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان مفروضاً أن يكون مصر حامد أبوزيد.. لاعب كرة؟!

سعد هجرس

2009 / 12 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بسبب مباراة كرة قدم (خاسرة) نجح الإعلام الرياضى وإعلام الاثارة فى اختطاف الوطن لبعضة أيام وشن حملة تهييج وشحن وتحريض على الشعب الجزائرى عن بكرة أبيه، دون تمييز بين صالح وطالح أو تفرقة بين مشجع كروى مهووس ومواطن مسالم لا ناقة له ولا جمل فى هذا المولد الهستيرى.
وكان الشعار الذى رفعه بعض لاعبى الكرة المعتزلين – الذين تحولوا بقدرة قادر إلى جنرالات وخبراء استراتيجيين – هو "الدفاع عن كرامة المصريين"!
حسناً.. نحن نصدقكم، ونصدق أنكم اقترفتم ما اقترفتم من حماقات بسبب غيرتكم على كرامة المصريين عندما رفعتهم هذا الشعار المصاحب لدق طبول الحرب ضد الجزائر. لكن ما يحيرنا هو أننا لم نسمع منكم تعليقا أو نرى لكم موقفاً عندما قامت السلطات الكويتية منذ أسبوع كامل بمنع المفكر المصرى الكبير الدكتور نصر حامد أو بزيد من دخول أراضيها رغم حصوله على تأشيرة دخول صالحة، ورغم تلقيه دعوة من جهات كويتية مرموقة لإلقاء محاضراته فى ندوتين ثقافيتين عن أمور تهم العرب والمسلمين!
ألا يمثل هذا القرار الكويتى الرسمى، الذى استهدف شخصية مصرية عظيمة الشأن، إهداراً لكرامة المصريين أجمعين؟
أم أنه كان من الضرورى أن يكون نصر حامد أبوزيد لاعب كرة لكى يستحق "شرف" دفاعكم عنه، باعتبار كرامته من كرامة المصريين؟!
***
هذه هى ازدواجية المعايير التى لا نكف عن الشكوى منها، لكننا لا نتوقف عن ممارستها دائماً.
والمشكلة أن المتورطين فى ممارسة سياسة الكيل بمكيالين ليسوا هم فقط حفنة من نجوم الاعلام الرياضى وإعلام الاثارة، وإنما هم أيضاً الملايين ممن يسيرون وراءهم مغمضى الأعين، وهم كذلك المسئولون الرسميون الذين يركبون الموجة ويحددون مواقفهم وفقا لـ "اتجاه الريح".
فما معنى سكوت وزارة الخارجية المصرية على هذا القرار الكويتى الرسمى؟!
ولماذا لم يصدر حتى بيان من الدبلوماسية المصرية يندد بهذا القرار الذى يمثل إهانة لجواز السفر المصرى، ولشخصية مصرية رفيعة المستوى، دون مبرر أو سبب؟!
ولماذا لم تتحرك وزارة الثقافة، التى يفترض فيها أنها خادمة المثقفين وحاميتهم لتدافع عن كرامة أحد أبرز أبناء جماعة المبدعين والمفكرين والمثقفين المصريين؟
ولماذا صمتت لجان الشئون العربية بمجلسى الشعب والشورى بينما يقيم أعضاؤها الدنيا ولا يقعدونها بسبب لقطة فى فيلم أو عبارة فى أغنية أو مشهد فى مسلسل درامى؟
ولماذا سكت الجميع فى المنظمات الحكومية والأهلية المعنية عن هذه الاهانة الحقيقية لأحد رموز مصر؟!
***
إن ما حدث مع الدكتور نصر حامد أبوزيد أمر خطير، يدل قبل كل شئ على الاستهانة بمصر، وعدم الاهتمام بعمل حساب لها أو لرد فعلها؟
وليس فيما نقول إساءة للشعب الكويتى من قريب أو بعيد، أو تحريضاً على القطيعة مع الكويت والكويتيين. فتعميم الخطأ هنا يصبح جريمة. ومثلما أن هناك بعض الكويتيين – من الأهالى والحكومة – تورطوا فى هذه الإساءة إلى مصر، فإن هناك كوكبة رائعة من الكويتيين سبقونا فى التنديد بهذا القرار الاستفزازى.
وعلى سبيل المثال فإن "التحالف الوطنى الديموقراطى الكويتى" أصدر بيانا فور منع الدكتور نصر حامد أبوزيد من دخول إمارة الكويت قال فيه أن "منع دخول الدكتور أبو زيد هو محاولة حكومية مكشوفة لضمان أصوات بعض النواب قبل جلسة طرح الثقة من الحكومة" وأضاف البيان أن هذا القرار يعد "انتكاسة جديدة للحريات فى دولة الكويت".
وفى الوقت ذاته "اعتبر المنبر الديموقراطى الكويتى" قرار المنع "خضوعاً كاملاً من السلطة لقوى التطرف بهدف إرضائها بالمخالفة لما نصت عليه حقوق وحريات المواطنين فى الدستور".
كما اعتبرت أمين عام "الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية" منع المفكر نصر حامد أبوزيد "إرهاباً فكريا تمارسه الأحزاب الدينية" وأن المفكر الممنوع من دخول الكويت "عالم مستنير تستضيفه جمعية مستنيرة تؤمن بلغة العقل والثقافة والحوار لا العنف والإرهاب"، ولذلك فإن منعه من دخول الكويت رغم حصوله على تأشيرة دخول ووصوله إلى البلاد بطريقة شرعية يعد "خطوة غير حضارية وإرهابا فكريا تمارسه الأحزاب المتعصبة دينياً فى الكويت".
كذلك قال مركز الحوار للثقافة الكويتى عدم دخول الدكتور نصر حامد أبوزيد للكويت هو سبة للكويت والكويتيين الذين استضافوا دائما المفكرين العرب المستنيرين، لكن التيار الأصولى المتطرف المتخلف يأخذ الكويت من سئ إلى أسوأ"
إذن.. هناك مواطنون كويتيون كثيرون، وهيئات كويتية عديدة، سبقونا فى التنديد بهذه الخطوة وحللوا مغزاها الخطير واستنكروا التفكير فيها أصلاً قبل الاقدام عليها.
وهؤلاء لهم كل التحية والمحبة والتقدير، ولا يمكن أخذهم بوزر حفنة من المتطرفين الذين نجحوا – بدورهم – فى اختطاف الكويت والعمل على تحويلها من ملاذ للاستنارة والديموقراطية فى صحراء الخليج الجدباء إلى "كويتستان" ظلامية ومتخلفة ومعادية للعقل والعقلانية.
الأمر الذى يجعلنا نترحم على الأيام الخوالى التى كانت الكويت تسعى خلالها بجدية إلى اجتذاب كل ما هو تقدمى ومستنير وقومى فى العالم العربى.
والمفارقة العجيبة هى أن الكويت التى كانت تعج بالتيارات التقدمية والتنويرية والقومية قبل الاحتلال العراقى أصبحت واقعة تحت وطأة التيارات السلفية والأصولية المتطرفة فى ظل وجود قاعدة أمريكية مازالت مزروعة فى الكويت حتى بعد سقوط نظام الرئيس العراقى السابق صدام حسين! أى أن الأمريكيين الذين يتغنون برعاية الديموقراطية فى سائر أنحاء العالم لا يدخلون قرية إلا أفسدوها ولا يدخلون مكانا إلا وانتعشت فيه الأصولية والتطرف!!
والمفارقة الثانية هى أن البرلمانات فى معظم أنحاء العالم تكون على "يسار" حكوماتها أو على الأقل تكون هى المطالبة الأكثر إخلاصا بالحريات وتوسيع نطاقها. بعكس البرلمان الكويتى الذى يقف على "يمين" حكومته وينافسها فى السعى إلى تقييد الحريات العامة والخاصة، الأمر الذى يضع علامات استفهام حول طبيعة مثل هذه الممارسة البرلمانية وعلاقتها بالديموقراطية أصلاً!
لكن بصرف النظر عما تثيره هذه المفارقات من تساؤلات فإن ما يهمنا نحن فى مصر هو أنها تدق لنا أجراس الانذار والتحذير من تيارات الاسلام السياسى التى تستخدم الديموقراطية اليوم لتقضى عليها غداً على النحو الذى نراه فى الكويت. ولا نقول هذا من باب الاستعداء على تيارات الاسلام السياسى وإنما بالأحرى من باب وضع هذه التيارات أمام لحظة الحقيقة. فمن حق الرأى العام أن يحصل من هذه التيارات على إجابات شافية تطمئنه إلى أن ديموقراطية المرة الواحدة "ليست الفريضة الغائبة" لهذه التيارات.
ومن واجب التيارات السياسية الحزبية، المدنية، اليسارية والليبرالية التى تسعى إلى إقامة تحالفات مع تيارات الاسلام السياسى أن تطمئن الرأى العام أن تحالفاتها لن تؤدى بنا فى يوم من الأيام إلى استقواء هذا التيار السلفى أو ذاك وعصفه بالحريات العامة والخاصة، وإهدار دماء المعارضين لها، بحجة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة أو غير ذلك من خزعبلات وترهات تحتمى بالدين من أجل تصفية حسابات دنيوية بالمطلق.
وهذا هو خط الدفاع الأول والحقيقى عن كرامة المصريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لو كان كويتيا
سامي الرزاز ( 2009 / 12 / 23 - 17:08 )
الموضوع لا علاقة له بكرامة المصريين أصلا .. فالواقعة عرض من أعراض الصراع الدائر في أنحاء المنطقة كلها بين تيارات الإسلام السياسي وفصائلها السلفية والظلامية وبين التيارات المستنيرة المتقدمة ,, ولو كان ألدكتور نصر حامد أبو زيد كويتيا، لمنعوه أيضا من الدخول (هذا إن سمحوا له بالخروج أصلا!!) . وليت الصديق سعد هجرس يتذكر أن مصر هي التي سبق وأن أصدرت حكما قضائيا نهائيا بتكفير الدكتور أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجته، وهو ما اضطره للعيش في منفاه في هولندا .. وإذا كان السلطات المصرية تسمح له بدخول مصر والبقاء فيها، فإن ذلك يتم بشكل ودي لا يغير شيئا من وضعه القانوني (أو غير القانوني!) .. ثم أن مصر نفسها تمنع من تشاء من دخول أراضيها دون أن يعترض أحد، والمفارقة أن أخرهم كان نائبا في البرلمان الكويتي الشهر الماضي


2 - لقد فعلتها مصر أولاً
marzok ( 2009 / 12 / 23 - 17:25 )
أخلص تحية للأستاذ سعد ، وأتفق معه فيما يقوله لكنى أحب أن أقول أن مصر هى التى أهدرت كرامة الدكتور نصر حامد أبو زيد أولاً عندما سمحت لقضائها المتحالف مع الأصوليين فى التفريق بين الدكتور وزوجته بأعتباره مرتد وكفر بالإسلام .
إذن إنها مصر ورجال مصر المثقفين هم الذين سمحوا بإختطاف العقل المصرى المبدع ووضعه فى أيدى المتأسلمين بشتى أنواعهم ، لذلك يجب أن يصحو رجال الثقافة فى مصر ويعيدوا الأمور إلى أوضاعها الطبيعية ويكون لهم الصوت المسموع وليس صوت الدين والمتأسلمين الذين يصولون ويجولون فى المجتمع المصرى حتى أصابه التخلف والرجعية وكله هذا بأسم الدين .


3 - نتيجة تقصيركم فى حق شعبكم
الصقر العربى ( 2009 / 12 / 24 - 16:59 )
يا أستاذ سعد
الكرامة الأنسانية لا فرق فيها بين وزير وخفير ولا بين مستنير وجاهل ولا رجعى وتقدمى ليتك تدافع عن كرامة المصريين داخل مصر أولا عندئذ ستجدها مصانة داخليا وخارجيا

اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟