الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى المئوية لميلاد الشخصية والمربية الكردية .. روشن بدرخان

محمد سليم سواري

2009 / 12 / 23
سيرة ذاتية


قبل أن نودع سنة 2009 ، لابد من كلمة في الذكرى المئوية لميلاد الكاتبة والشخصية الكردية الأميرة روشن صالح بدرخان حيث كان ولادتها عام 1909.
ومما هو جدير بالذكر أن كل امة من الامم التي تعيش على وجه البسيطة تفتخر وتعتز بمفكريها وشخصياتها ، ويمكن معرفة قيمة ودور هذه الامم بمقدار إعتزازها وإحترامها لهؤلاء المفكرين والمبدعين والشخصيات ، واذا كانت كل امة من الامم تعتز بتلك الشخصيات من مثقفين وفلاسفة ومتنورين ورواد فكر ، نتذكر حينئذ وبدون مناقشة العائلة البدرخانية وهم أُمراء جزيرة بوتان ، ولهذه العائلة مكانة ومنزلة جسدتها مواقف مشهودة وإنتفاضات معهودة وأيام مسطورة ولا يمكن أن يجاريهم فيها أحد ليس من الكرد فقط بل وحتى على نطاق المنطقة والعالم ، وهي حقيقة راسخة رسوخ جبال كردستان ومتينة بمتانة عقيدتهم وحبهم لهذا الوطن.
وإنه من الإعتزاز أن المعنيين من الادباء والوسط الثقافي الكردي احتفلوا في هذه السنة بالذكرى المئوية على ميلاد شخصية نسوية من العائلة البدرخانية ، ألا وهي الاميرة روشن بدرخان.. ألف رحمة على روحها الطاهرة وفي ذكراها العطرة.
وهنا لابد من القول بأن كل كلمة نقولها او نكتبها بحقها سوف تكون قليلة ولا تفي بالغرض لانه ومنذ سنوات كُتب الكثيرعنها، وكل كلمة مني سوف تكون بمثابة قطرة في عالم واسع ومحيط عميق لهذه المرأة الكردية النجيبة.
مضت الذكرى المائة على ميلاد الأميرة الأُم والمربية الكردية.. الاميرة التي لايمكن وصفها فقط بتحديد يوم ولادتها ورحيلها وما فعلته بين التأريخين من الثلاث والثمانون سنة ، ولكن العبرة الكبيرة هي أن يرحل الإنسان عن هذه الحياة وتبقى أعماله هي التي تتحدث وتبقى " فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال".
يا ترى ألم يكن موضع فخر وإعتزاز انه عند رحيلها سنة 1992 أن نقوم في الإذاعة الكردية في بغداد بإعداد وتقديم برنامج خاص عنها لمدة ساعة كاملة وبثه لثلاث فترات ؟؟ ومما أعرفه ، أنه في كل عمر الإذاعة الكردية والذي يضاهي أربع وستون سنة لم يقدم برنامج إذاعي بهذه المدة لأي إمرأة كردية بإستثناء المرحومة روشن بدرخان.
يا ترى ألم يكن موقع فخر وإحترام أن يصف رئيس الجمهورية العراقية مام جلال في 23 نيسان 2004 وفي تجمع ثقافي في مدينة دوكان في ذكرى مهرجان البدرخانيين هذه المرأة بالقول: " عندما كنا في الشام كان بيت روشن بدرخان ملجأ لنا نلجأ اليه عند شعورنا بالخوف والقلق ، وفي أحيان اخرى كنا نلجأ الى بيتها حنيناً للقمة الأهل حيث كان بيتها مسكنناً وأهلاً لكل كردي ".
يا ترى ألم يكن محل فخر وتقدير أن تحتفل النخبة المثقفية في أربيل عاصمة كردستان بالذكرى المئوية لميلادها ؟؟ حيث انها ولدت قبل مائة عام ، وقبل خمسة وسبعين سنة تسلحت بالفكر والقلم وجعلت من ثقتها بنفسها سلاحاً في كل وقفاتها ورحلت عنا قبل سبعة عشر سنة"1".
في تلك الأيام العصيبة كم من الرجال كانوا يستطيعون أن يفعلوا ما فعلته هذه المرأة وأن يتحملوا الأمانة التي حملتها.. وعليه فان الإحتفال بذكراها هو تقدير لكل إمرأة كردية في كردستاننا الكبيرة ، وهنا لابد أن نؤكد بأن ما بلغته هذه المرأة من مقدرة ومكانة لم يكن سهلاً وخاصة وهي من العائلة البدرخانية المشهورة ، تلك العائلة التي كانت الخنادق وساحات الوغى تخجل من صولاتهم وجولاتهم ، حيث لم تعلق البنادق يوماً في مضايفهم ودواوينهم للتحف والزينة بل كانت تلك المضايف مسرحاً لأحاديث الأبطال والمناضلين ومفاخرهم ضد الأعداء من أجل قبلة تمنح لهم من الغد المشرق والقضية العادلة عاجلاً أو آجلاً.
واذا كان الأعداء بحقدهم قد ظنوا بأنهم إستطاعوا أن يُغيبوا شمس حرية البدرخانيين والشعب الكردي فقد خاب فألهم لأن الأبطال البدرخانيين جعلوا من تلك الغروب شروقاً لشمس القلم والفكر المقدس والدواء الشافي لكل الجروح .. ليحل محل صوت البنادق والمدافع صوت الكلمات والمطابع ، وليحل محل ساحات الوغى بشرى صدور أول صحيفة كردية في القاهرة صحيفة كردستان سنة 1898 ليكون الصوت والكلمة والرصاصة ضد الأعداء ، وليصبح كل بدرخاني فارس بدون منازع وليكون كل كردي صاحب قضية وعلى مدى الأيام والأعوام ، وإن نضالهم بالبندقية والقلم مشهود لهم عند كل كردي حيث لم ينافسهم فيها أحد .
وهنا وبهذه المناسبة يحضرني صورة الأمير البدرخاني جلادة بدرخان وهو زوج وإبن عم الأميرة روشن ، عندما ذهب الى موطن آبائه وأجداده في كردستان تركيا بعد غيبة إجبارية طويلة على يد أعداء الكرد ، فنظر بالناظور ووقعت عيناه على مزرعة "جوهيا" وجسر "بافدي" وبرج "به له ك" فتحسر على الأيام الماضية ودمعت عيناه وصاح من أعماقه : " آه منك يا وطني ، إن الجهل سَلَبَكَ منا " ، ثم وضع الناظور جانباً وظهر عليه الآلم والحزن والهم ، وعاد الى مسكن الحاج عبدالكريم أفندي ليسمع من المغني الكردي المشهور سعيد آغا وهو يغني ويمجد بطولات البدرخانيين والكرد ليخفف بذلك هموم الأمير وآلامه.. نعم أيها الأمير المبجل إلى يومنا هذا ونحن نعاني من الجهلاء ، والجهل يأكل من أجسادنا ..نعم يا أيها الأمير حتى إن " بئر القدر" بكل أعماقها لم يتحمل آلامك وآهاتك فأنهار جداره عليك لترحل عنا الى الأبديه .. لكي تكمل المشوار من بعدك الأميرة روشن وتتحمل الأمانه التي ناء عن حملها البشر ، وفي تلك الظروف والأيام عانت الأميرة الكثير فرأت بعينيها مصائباً جمة ، وشربت العلقم جرعات وأمسكت بأصابعها الباردة جمر النار ، وواجهت في طريقها الكثير، ولكنها عقدت العزم على تجاوز كل ذلك لتصبح للفقراء والمعوزين عوناً ، ولشعبها شمعةً لتعوضهم على ما فاتهم من الفرص وفي مختلف المجالات :
أولاً: في مجال النضال السياسي أصبحت الأميره في سنه 1934 عضوة في إتحاد نساء سوريا ومثلت المرأة السورية في مؤتمر القاهرة وأصرت على إلقاء كلمتها بزيها الكردي، وفي سنة 1955 إشتركت مع مثقفين وشخصيات كردية في تأسيس جمعية تنمية الثقافة الكردية وإشتركت في مدينة حلب في تأسيس جمعية المعرفة والتضامن الكردي ، وفي سنة 1957 مثلت الشعب الكردي في مؤتمر أثينا لمناهضة الإمبريالية ورفعت العلم الكردي داخل أروقة المؤتمر وهي المرأة الكردية الأولى التي إشتركت في مؤتمر بهذا المستوى ، وفي سنة 1971 وبدعوة من المرحوم البارزاني زارت كردستان وفي حاج عمران إشتركت في مؤتمر لإتحاد نساء كردستان .
ثانياً: وفي مجال الثقافة والصحافة بدأت في ترجمة العديد من الكتب من اللغتين الكردية والتركية الى اللغة العربية ، وكانت تدرك أهمية أن يتعرف أبناء الشعب العربي على القضيه الكردية من أوسع أبوابها ، وكتبت في مجلة "هاوار" وصحيفة "الحرية " وهي المرأة الكردية الأولى التي كتبت لغتها الكردية بالأحرف اللاتينية .
ثالثاً: وعلى النطاق الإجتماعي كان لها الدور الرائد ، حيث كانت تقوم بزيارة السجون والتحدث مع السجينات لمعرفة مشاكلهن والمساهمة في تخفيف آلامهن لكي تعيد لهن ثقتهن بالحياة ولسان حالها : " سعادة الإنسان مع نفسه وفي قلبه تساوي كل كنوز الدنيا" .
رابعاً : وفي مجال الأسرة وتربية الأطفال فإنها المرأة الكردية الأولى التي ساهمت في إعداد وتقديم برامج إذاعية تخص عالم المرأة والطفولة لأنها كانت تؤمن بأن مستقبل الشعوب مرهون بمدى تربية أطفالها ورعايتهم وتؤمن بأن :
الأم مدرسة إن أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق
وهي تؤمن بأن ما نزرعه من القيم والفضائل في نفوس الأطفال سوف يكون محصوله المستقبل المشرق والسعيد ، وإن ما قامت به في المجال الإعلامي المسموع " الإذاعة " تحتاج إلى دراسات .
وهنا وفي ذكرى ميلادها المائه لنا عتب ، وهو أنه الآن تبث العشرات من الفضائيات باللغه الكردية وفي العراق العشرات من الفضائيات باللغه العربية وحصة الطفل من كل هذا بمثابة الظفر من جسم الإنسان وإن هذا لهو مثار جدل إذا عرفنا بأن دولة كالأردن والتي لا تتعدى عدد قنواتها الكثير تبث منها فضائيتان خاصتان للطفل وعلى مدار الساعة بإسم " طيور الجنة " و" كراميش " .
وختاماً وإذ نحن نودع سنة 2009 والتي كانت الذكرى المئوية لميلاد الأميرة روشن بدرخان حيث كانت تؤمن بالقلم والفكر والصحافه نهجاً للسمو والرقي.. يا ترى كم منا في عائلته ومع أولاده ومحيطه يسعي لتكريس تلك القيم ؟؟ واذا كانت سعيها تربية جيل سليم وصالح من خلال تربية الأطفال تربية مسؤولة .. يا ترى الى اي حد نسعى للإهتمام بعالم الطفولة ورعايتها ، ونحن نشهد بام أعيننا معاناة الطفولة وخاصة في وطننا العراق .
حقا كانت المرحومة روشن بدرخان مدرسة بكل ما تعنيه هذه الكلمة وإذا كان القول الشائع بأنه وراء كل عظيم إمرأة فإني أقول بأنه وراء كل إمرأة عظيمة أم مثالية وكانت روشن هي الأُم المثالية للأميرة سينم خان الإبنة والمستقبل .

"1" قسم من هذا المقال ورد في كلمة باللغة الكردية للكاتب في الإحتفال الكبير الذي أُقيم بمدينة أربيل في 9/11/2009 برعاية السيد نيجيرفان بارزاني في الذكرى المئوية لميلاد الكاتبة والشخصية الكردية روشن بدرخان .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مت صار قطاع الطرق أبطالا؟
شميرام ( 2009 / 12 / 23 - 14:01 )
الكتب التاريخية تؤكد أن أحد البدرخانيين، ربما جدهم، في منتصف القرن التاسع عشر كان من قطاع الطرق إذ حرق عشرات القرى وكما كبيرا من المخطوطات وقتل بالسيف غدرا الآلاف من المواطنين العزل الأبرياء (آشوريين وأرمن ويزيديين) طمعا منه في الاستيلاء على ممتلكاتهم. الشعوب المتحضرة تخجل من شخصيات كهؤلاء والشعوب المتخلفة تمجّدها وترفعها إلى درجة الأبطال

اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة