الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (الأكراد وبناء الأمة)*

غسان سالم

2009 / 12 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



يقدم (مارتن فان بروينسن) في كتابه هذا، تلخيصا موجزا عن الكرد، ويحلل رغبتهم لتأسيس كيان سياسي، والذي يقوم على أساس الأمة الكردية، ويعرض خلال صفحات الكتاب، الذي هو بالأساس بحث نشر في اللغة الفرنسية، الفوارق المناطقية واللهجوية، ويقول في تعريف الكرد "المجتمع الكردي مجتمع مؤلف من عناصر متغايرة، ولا يقتصر الأمر على وجود فوارق ثقافية عميقة بين منطقة وأخرى، بل يتعداه إلى وجود فوارق كبرى داخل المنطقة الواحدة نفسها" لكنه مع ذلك يؤكد ان هذه التجمعات ترتبط بروابط تقود نحو الشعور المشترك بالوجود، وتجعل من هذه الفئات تنظر لنفسها على أنها امة واحدة، وتتفاوت درجات هذا الشعور بحسب الوضع السياسي، وتأثير الدولة التي يتواجد فيها الكرد، ويحلل هذه الفوارق تحليلا تاريخيا ويؤتي أسباب نشوءها.
وينطلق بحثه من اعتبار الاثنية (ليست تعبيرا موضوعيا عن سمات ثقافية) بل يعتبرها نتاج (تفاعل اجتماعي)، وتتعرض للتغيير بفعل النشاط السياسي، ويستعرض سعي الدول التي تتوزع عليها كردستان بتدمير الاثنية الكردية خلال القرن العشرين، وكان لبروز الحركات القومية الكردية في هذه الدول في النصف الثاني من القرن الماضي الأثر الأكبر في ترسيخ الشعور القومي الكردي، واستطاعت خلال فترة نضالها المرير في هذه الدول إلى توحيد الشعور بالمصير المشترك، ومع هذا يؤشر الكاتب على أن صراع الأحزاب الكردية أدى في أحايين كثيرة إلى إيجاد شعور بالانقسام والتمايز في بعض الفترات، ويشخص قائلا "برزت هذه الظاهرة بجلاء ساطع في كردستان العراق".
ويفند الكاتب ادعاءات اللغوي (د.ن. مالينزي) الذي قال "ان الأكراد لا يمتلكون أصولا مشتركة، ولا وحدة ثقافية جوهرية" حيث اعتبر اللهجات الكردية ذات جذور متباينة، ولا ترتبط معا، وان ما يفرقها أكثر من ما يجمعها، ولا يعتقد (مالينزي) بوجود أي ترابط بين اللغة الميدية واللغة الكردية الحالية، في حين يرى (بروينسن) إن جاذبية فكرة التاريخ المشترك ليست عاملا لتحديد الاثنية وهو يقول بهذا الشأن "هناك اتفاق واسع في الدراسات الحديثة عن الاثنيات والهوية القومية تفيد ان الوحدة أو التنوع الثقافيين ليسا، بذاتهما، عاملين حاسمين، رغم جاذبية فكرة التاريخ المشترك والثقافة المشتركة ذات أهمية بالغة في تحريك العاطفة الاثنية أو القومية، فالدول القومية الأوروبية الاولى في عصر صعود القوميات لم تكن متجانسة ثقافيا" ويعتبر الكرد سباقين في الشعور القومي على الرغم من عدم تشكيلهم لدولتهم القومية حيث يؤكد "أما في حالة الكرد، فان من المذهل ان نجد حضور حس مشترك بالهوية وسط القبائل المتنوعة (موضوعيا) في خصائص الثقافة، وهذا الحس المشترك بالهوية سبق بوقت طويل عصر انبثاق القوميات".
كما يطرح مسألة الدين ودوره في تفريق الكرد، وزيادة الفوارق بينهم، ويعده المكون المركزي للثقافة، حيث ينقسم الأكراد بين مسلمين وايزيديين والمسلمون بدورهم ينقسمون إلى طوائف تبتعد أكثر مما تقترب، ويحلل انعكاسات هذا الانقسام المذهبي والطائفي الذي ترسخ بفعل الجغرافية والحدود التي فصلت الكرد بعضهم عن بعض في دول تعمل على زيادة هذه الفوارق وتعميقها، كي تضعف الشعور القومي الكردي المتنامي، خاصة بعد انتشار حركات التحرر القومية واليسارية.
وعلى الرغم من ان عدد صفحات الكتاب لا تتجاوز (56) صفحة إلا انه يحتوي العديد من المعلومات والتحليل الرصين لمشكلة الأكراد، وينطلق في تحليله من الرغبة المستمرة في بناء هذه الأمة المقسمة بين دول تعمل بكل الطرق والإمكانيات على طمس الهوية القومية الكردية، تارة باعتبارهم أتراك الجبل، وأخرى بالاعتراف بهم لكن بعد دفنهم أحياء، وغيرها من الوسائل، التي لن تتوقف ما لم تتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، وتنهار دكتاتوريات القوميات والمذاهب، كما حصل في العراق.

*الكتاب:الأكراد وبناء الأمة
المؤلف: مارتن فان بروينسن
ترجمة: حسين بن حمزة
منشورات: معهد الدراسات الاستراتيجية
الطبعة الاولى: 2006 (بغداد - بيروت)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال