الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعد الحريري رجل الممكن والضروري

اديب طالب

2009 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة تعريف متداول لعلم السياسة، هو أنها فن الممكن. ثمة ساسة يتخلّفون عنه بخطوة حذراً أو تريثاً، وثمة ساسة يسبقونه بخطوة طموحاً أو تسرعاً، وثمة ساسة يلتقون به دون نقص أو زيادة، وفي الزمان والمكان المناسبين، وهؤلاء ينطبق عليهم وصف رجل الدولة الموضوعي، المثقل بالهمّ العام، ان لم نقل المثقل بالهمّ الوطني، وهذا النوع الثالث، يبصر جيداً التغيرات والوقائع والممكنات المحلية والدولية، بعيداً عن الرغبات الذاتية أو الهوى الشخصي أو المصالح الفردية الأضيق كثيراً من مساحة البلد. رئيس وزراء لبنان سعد الحريري بعد لقائه بالرئيس السوري بشار الأسد، دل على انه من النوع الثالث ذاك.
لبنان لا ينفع معه غير الوفاق، فكان اللقاء في مصلحة الوفاق. ولبنان لا ينفع معه إلا احترام العدالة واحترام الشرعية الدولية وقرارات مجلس أمنها، فكان اللقاء قبولاً مشتركاً متساوياً لقيام المحكمة الدولية، وكل ما صدر وسيصدر عنها إحقاقاً للعدالة، في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
كي تدير حكومة لبنان الحريرية شؤون الناس بما ينفع الناس، وكي تستطيع التخفيف من هموم اللبنانيين الخدمية والانتاجية، لا بد لها من أن تستند الى جدار اقليمي مستقر، والى جار متفهم لخصوصيتها ولمصالحه ولمصالحها، وللمشترك معاشياً بينهما وهو الأهم على الغالب.
قد يرى البعض أن ثمة إشكالاً في هذا اللقاء، ونحن نقول إن ثمة مصلحة لبنانية وسورية وعربية وحتى دولية فيه.
دولة العدوان الإسرائيلي لن تكون مرتاحة، ليس للقاء أي دولتين عربيتين فقط، مهما كان شكله أو مضمونه، وانما هي تعمل على تخريب أي وحدة أو وفاق وطني في أي أرض عربية. دولة العدوان تلك لا تعجبها إلا الفوضى والفرقة بين العرب، ولا يريحها إلا العداء بين العرب، وعدم الاستقرار في أي دولة عربية؛ وعدم استقرار العلاقات العربية هدف واستراتيجية ارتكزت عليها في كل سياساتها وكل حروبها ضد الشعوب العربية وحتى ضد حكوماتها، وتسيّدت على المنطقة بفضل الشقاق العربي، وبفضل الانقسام المزمن بين العرب منذ هزمتهم في حرب عام 1948، واغتصبت أرضهم وشردت أبناءهم، وهي مستمرة في عدوانها حتى هذه اللحظة، ومصرّة على رفض السلام والتطبيع معهم، حتى ولو قبلوا بها وفق المبادرة العربية للسلام، المستندة الى الانسحاب التام من أرضهم المحتلة عام 1967مقابل التطبيع التام مع دولة إسرائيلية في حدود عام 1948. لن يعجب إسرائيل أي لقاء بين سوريا ولبنان، وهذا ما يعطي اللقاء أهميته الوطنية اللبنانية والسورية، وأهميته القومية العربية.
القاصي والداني يعرف أن لقاء الحريري مع الأسد، قد تمّ ببركة القمة السعودية السورية في الرياض وفي دمشق. وأحد الأهداف الرئيسة لهذا اللقاء هو أن تدرك دولة العدوان الإسرائيلي أنها لن تتمكن من العدوان على لبنان تحت أي حجة، من دون أن تضع في حسابها وأمام عينيها، أن ثمة تفاهماً بين سوريا ولبنان والسعودية على منع ذاك العدوان. وهذا أمر بحد ذاته قد يلغي العدوان بطريقة وقائية واستباقية. لا أحد يحب الحروب غير إسرائيل، وشكلٌ من توازن القوى قد تحسب إسرائيل له كامل الحساب.
اللقاء السوري اللبناني، وقبله اللقاء السعودي السوري، كلاهما قد يمنعان العربدة الإسرائيلية ضد لبنان، وحرب تموز قد لا تتكرر في حماية لقاءات كهذه، وخاصة أن هذه اللقاءات قد حظيت ببركة الظروف الدولية.
للبنان كامل الحق في الحرية والسيادة والاستقلال، وعلى سوريا أن تدعم هذا الحق ولثلاثة أسباب، الأول تأكيد مصداقيتها الدولية تجاه الحق المذكور، والسبب الثاني تأكيد مصداقيتها أمام اللبنانيين، بالامتناع عن العمل إلا بما تراه الدولتان مناسباً وضرورياً لأمنهما واستقرارهما معاً. والسبب الثالث هو أن يعرف العالم أن العناق الحريري الأسدي صادق وليس أمام الكاميرات فقط.
لا أقوى ولا أضعف، لا أكبر ولا أصغر، لا قائد ولا مقود، كلٌ له نظامه السياسي والاقتصادي، ولا يعني اللقاء ولا يعطي أي مشروعية لأي شكل من التدخل يمس جوهر أي من النظامين، وكلاهما يواجهان همّاً عربياً واحداً، ويواجهان أكثر من عدو في المنطقة يتربص أي شقاق بينهما، ويعمل عليه ويستفيد منه حكماً بغضّ النظر عن تبريراته ودواعيه.
سعد الحريري فعل الممكن والضروري من دون خطوة زائدة، ومن دون خطوة ناقصة، وقادم الأيام لن يحكم إلا في حدود الممكن، وإذا أردت أن تطاع فاطلب على قدر المستطاع.
() كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر