الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب ذو الغلاف الجلدي

ناظم حكمت

2009 / 12 / 25
الادب والفن



في ضوء القمر ليلة البارحة
مثل درويش اختل عقله
مثل درويش انطفأت شمعته، انقلب مقعده رأسا على عقب
قرأت طوال ساعات
في ذلك الكتاب المعروف
ذي الغلاف الجلدي الممزق والمزركش...

كلما قلبت الصفحات الصفراء التي تفوح منها رائحة العفن
لذلك الكتاب النائم في الأحضان الممزقة
للغلاف الجلدي المزركش
تخيلت انني انما أنبش احد القبور.
خطوطه اليدوية الناعمة امتلأت بالحياة
واظهرت الوجوه المرسومة في الاساطير :
تحول ابليس الى افعى، حواء نجحت في اغواء آدم،
شاهدت الروح الملعونة التي قتلت اختها.
ترنحت سفينة خشبية عملاقة في المحيطات،
شاهدت نوحاً ينتظر الحمائم من الآفاق.
عقب اسماعيل استخرجت زمزم من الرمال.
في طور سينا رفع موسى ذراعيه الى السماء.
حين ضرب بعصاه شق بحر القلزم
فاهتدى بنو اسرائيل إلى الطرق المؤدية للقدس.
أطلق زكريا ذكره
مع آهة لا آخر لها
ولد عيسى، اهدت مريم
بكرها الى اللـه.
فتحت المدينة ذراعيها لمحمد القرشي.
تحولت كربلاء الى مقبرة من النار للحسين...
مع تقليب الصفحات
كل هؤلاء انتصبوا ثم سقطوا تباعا
غاب القمر واطلت الشمس
واتقدت النار في قلبي
ثم القيت بالكتاب
ذي الغلاف الجلدي المزركش والممزق
في بئر عمياء
لعله يدفن في نومة أبدية...

أسفي علينا فقد كنا طوال قرون ضحايا للتضليل!
نرى الخطوط المرسومة في الظلام
نراها ونتمسح بها،
اسفي علينا، اسفي فقد احترقنا مثل قنديل...
لم تأتنا النجدة من السماء، ولا لقينا منها ذرة من الرحمة.
ما قدّم موسى وعيسى ومحمد
للعبيد الكادحين الاّ سطراً من الدعاء، وشيئا من عبق البخور،
مع التوجيه الى الطرق المؤدية للجنات الخرافية.
فلا الأذلن المرفوع خمس مرات، ولا اجراس انجيلوس
استطاعت أن تحرر الكادحين المعدمين من قيودهم.
مازلنا عبيداً، ويوجد لنا سادة،
مازالت الجدران ذوات الحجارة الملعونة المغطاة بالفطر
تفصل ابناء الارض إلى جماعتين
العبيد...، والسادة.
مازال السيد يصدر الأوامر، ومازال العبد يكدح.
مازال العبيد محرومين
حتى من فضلات وبقايا مولئد السادة الفضية،
ومن خبزهم الابيض مثل الثلج
من أباريقهم المملوءة بالخمر.
مازلنا نمضي مساء كل يوم في ظل العبودية
نمضي الى بيوتنا حاملين قليلاً من الخبز الحاف،
وحين يتسلل المطر من ثقوب اسطحة منازلنا
نرتجف تحت لحفنا الممزقة
منتظرين الشمس حتى نأخد منها قسطا من الدفء
مثل قطيع من الكلاب المريضة المندسة ببعضها،
محاريثنا ومطارقنا مع كدحنا الطويل،
مع معاولنا الدائبة على الانين منذ قرون،
قد أفرحت قلب التربة السوداء
وتكللت الشجرة المعروفة باسم الدنيا بالأزهار والورود
مثل حسناء فتية طرية تستسلم للعاشق.
نحن نموت جوعاً تحت هذه الشجرة
أما السادة فيجمعون كل ثمراتها واحدة واحدة
وهم يبرزون انيابهم المفعمة بالتهديد ...

السادة، الاغوات، الاولياء، النساك
ليخنقوا جميعاً بين احضان الظلام والفراغ الأبديين،
يكفينا نهج بسيط، قانون واضح، حق جلي
على طريق النور للأرواح الطاهرة هو :
مـــن يعـمــل يــأكـــــل


1921








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف


.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة




.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط