الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صك براءة من الفكر الليبيرالي لقناة الجزيرة

مفيد مسوح

2004 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ليس من الضروري، لمن شاهد حلقة 15 يونيو 2004 من برنامج الاتجاه المعاكس على شاشة (قناة الجزيرة)، ومحورها المقارنة بين طروحات من سمـَّاهم مقدم البرنامج (الليبيراليين الجدد) و (المحافظين الجدد) في الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون حاد الذكاء وشديد الحذاقة لكي يدرك بأن المنعوتين بـ (الليبيراليين الجدد) هم كتاب موقع (إيلاف) وبأن المنبر المقصود هو (موقع إيلاف)، وقد ذكر أحد الضيفين اسم واحد من الكتاب صراحة دون أن يفوتهما الإشارة الواضحة إلى جميع كتاب الصحافة الإليكترونية المتنورين اليساريين والعلمانيين الذين وصفوا بـ (المستهترين بالثوابت القومية والدينية) وبـ (عملاء الغرب وأمريكا) واتهموا بالتحالف مع (المحافظين الجدد) وبتلقي الدعم المادي من جهات مشبوهة.
وبغض النظر عن صحة أن يكون جميع كتاب الصحافة الإليكترونية و (خاصة كتاب إيلاف) ذوي اتجاهات ليبيرالية أم لا فإن طرح الموضوع للحوار بهذا الشكل واستفتاء مصوِّتي القناة حول سؤال المقارنة الغريب والمغلوط يؤكد على غوغائية القناة وافتقارها لأدنى متطلبات المنبر الإعلامي التقدمي الذي يحتاجه الشارع العربي في هذه المرحلة الحرجة والمعقدة من تاريخه.

بدايةً .. متى كانت كلمة (ليبيرالي) نقيصة أو تهمة؟

فمن بداية اللقاء، وكما يحدث في معظم حلقات البرنامج، حُرم الضيف المتزن الهاديء الأستاذ الدكتور شاكر النابلسي من جو حوار مدني متحضر نظرأ لسرعة تحول الحوار إلى مهاترة ومشادة لم يعد لمنهجية البحث فيه أي مكان. وقد أسعفنا الكاتب الكبير صلاح عيسى باتصاله الهاتفي ليؤكد في مداخلة سريعة لم ترق للدكتور فيصل فبتلرها قبل إتمامها، بأن الليبيراليين في التاريخ أناس ذوو طروحات ومواقف وطنية ثورية بناءة عملية وتقدمية ومن الخطأ النظر إليهم بمنظار القناة ومحور الحلقة.
لم أسمع يوماً في حياتي انتقادات لاذعة للفكر الليبيرالي إلا من قبل الأحزاب الشيوعية في بلدان المعسكر الاشتراكي في معرض الحديث العلمي عن أشكال الديموقراطية ومقارنة الحريَّة الفردية بحرية المجتمع وفق المنظور الماركسي .. لقد عرفت الحياة السياسية في الغرب طيلة العقود الخمسة الأخيرة أوجهاً لنشاط الحركات الليبيرالية استقطبت الشارع ضد الحروب وسباق التسلح وانتهاك حقوق الإنسان واستغلال الشعوب وأطلقت كذلك حملات التضامن مع الشعوب الفقيرة والمحتلة والمهملة وحملات حماية البيئة ومكافحة الأوبئة والأمراض الفتاكة وطالبت بفرض تبني الدول الغنية وتمويلها لخطط مكافحة البطالة والأمية ومساعدة الشعوب المنكوبة ..
فالليبيرالية فكر تقدمي علماني وطني مؤيد لمصالح الأغلبية ولبرامج التعاون السلمي بين الشعوب ويستند إلى الواقع وما يحيط به من أحداث ويحلل الحاضر بطريقة علمية ويرى المستقبل وفق معطياتٍ تقدمها دراسات منهجية تقوم بإعدادها مؤسسات مستقلة لا تخضع لتأثيرات الأفراد أو الأحزاب أو الحكومات.
أما تعبير (الليبيراليين الجدد) فلم أسمع به إلا مما قرأته خلال الشهرين الماضيين في عدة مقالات (أغلبها لمقدم البرنامج الدكتور فيصل القاسم) تغلب على لغتها صفة التهكم وإطلاق الأحكام والاتهامات وتوصيف وفرز كتاب الصحافة الإليكترونية وفق معايير غريبة لم أجد اسم مرجعيتها أو الجهات الناظمة لها. ولا أدري فيما إذا كان (الليبيراليون القدامى) أفضل من (الليبيراليين الجدد) بنظر أصحاب هذه الحملة.

متى كانت كلمة جديد تهمة ؟

إن كان (الليبيراليون الجدد) أصحاب رؤى جديدة متطورة عن رؤى السابقين فكيف تصبح الليبيرالية الجديدة تهمة؟
الكتاب المتهمون يعكسون في معظم كتاباتهم فكرهم الوطني المعادي للاستعمار والاستغلال وللحروب ولتدخل حكوماتٍ معينة بالشؤون الداخلية لحكومات أخرى ويدينون انتهاك حقوق الإنسان وكافة مظاهر القهر والقتل والاحتلال والقمع الفكري والتعذيب الجسدي .. وهم يرون في العلمانية حلاً سليماً وفعالاً للقضاء على النزعات الطائفية والتعصب الديني والقومي وعلى زج الدين في أمور السياسة والتستر وراء الانتماءات الدينية وخطط حماية ثوابت الأمة للحصول على مكاسب فردية ضيقة أو حزبية بعيداً عن مصلحة الوطن .. وهؤلاء الكتاب إذ يتمنون لأوطانهم الحرية ولمجتمعاتهم بكافة أطيافها وجميع أفرادها التقدم والتطور فإنهم يطالبون بالعلمانية منهجاً يتحرر فيه المجتمع المدني من قيود الثوابت الدينية والقومية والعرقية ضماناً للتعايش السلمي ولتجنيد كافة الطاقات خدمة للبناء والتقدم.
وعلى هذا فإن الكتاب الذين يقفون في مواجهة (الليبيراليين الجدد) يختارون لأنفسهم جبهة معادية للتقدم والعلمانية، بحجة الثوابت غير القابلة للتغيير، ومعادية للحريات الديموقراطية، بحجة رفض مجتمعاتنا للعقائد المستوردة من الغرب، ورافضة للنضال السلمي من أجل حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، بحجة فشله ومعارضة كذلك لثقافات الحوار بين الشعوب تحت ستار الحفاظ على الخصوصية إلخ ..
لقد عبر السيد مقدم البرنامج وضيفه الحاقد على من يسمونهم (الليبيراليين الجدد) عن تمترسهما وراء هذه الجبهة مؤكدَين براءة (قناة الجزيرة) من أية مساع سلمية لحل مشاكلنا مع الشعوب المجاورة ومع العالم ومن تطلعات الليبيراليين نحو مجتمع مدني متطور يحترم ويصون الحرية الفكرية للأفراد وحرية التعبير عن الرأي وحرية المواطنين في التجمع والتظاهر واختيار حكوماتهم ومحاسبتها وكذلك حريتهم الثقافية والتعليمية والمهنية والاجتماعية ..

ومن يتابع برامج (قناة الجزيرة) يكتشف بسهولة أنها قناة رجعية ومعادية للتطور الاجتماعي والفكري ومروجة للثقافات الانعزالية والسلفية وهي لذلك بعيدة جداً عن حياة الناس ما عدا برامجها الإخبارية التي تسلط الضوء دوماً على المؤلم والمحرض والمقيت من الأخبار والتحقيقات وفق وجهة نظرها الخاصة (ليس بالأخبار وحدها يحيا الإنسان !!).
إن (شاشة الجزيرة) بافتقارها إلى أية برامج ترفيهية أو فنية أو أدبية تبعد مشاهديها عن الحياة وتجعلهم أسرى لحالات التوتر وأخبارها وللجهاد ومفاهيمه وهي لا تخفي أبدأً تعاطفها مع المتشددين والمتطرفين وحتى الإرهابيين وتشفيها من ضحاياهم وإن هي أظهرت مرةً حياديةً ما فإن هذه الحيادية تأتي مبطنة سرعان ما تتكشف حقيقة أمرها للمشاهد.
لجميع برامج القناة نفس الصفات وذات المنهج .. ما من مرةٍ تابعنا برنامج (للنساء فقط) إلا وكان لسان حال القناة داعماً للمدافعين عن الرجعية والتخلف والسلفية وعن عقلية التمسك بمقولات القرون الأولى والتعصب الأعمى لخصوصياتنا الثقافية التي تفضلنا عن الآخرين. ما من مرة وقفت مقدمة البرنامج إلى جانب صاحبة رأي تقدمي يناصر المرأة في حقوقها الفكرية والسياسية والاجتماعية.
إن قناة الجزيرة جهاز إعلامي معادٍ لحرية المرأة ومساواتها بالرجل فكيف له أن يكون ليبيرالياً أو يساند الفكر الليبيرالي؟ّ

أما (إيلاف)، المنبر المتهم بتبني فكر (الليبيراليين الجدد)، فإنه بالفعل وباعتراف عالمي وبأدلة قاطعة أثبتتها الإحصاءات منبر حر استوعب خلال ثلاث سنوات من عمره آراء وطروحات المئات من الكتاب ذوي الآراء المتنوعة والمتباينة من حيث الانتماء الفكري ومن جنسيات كافة البلدان العربية وأطيافها تجمعهم المواقف الوطنية والإنسانية والموضوعية والنظرة الواقعية إلى الوقائع والأحداث بعيداً عن الشعارات والخطابات والمتاجرة بالمشاعر. بهذا لن يكون مستغرباً أن يشن مروجو السلفية الفكرية والسياسية والمنادون بالشعارات التي أثبتت الأيام والأحداث بطلانها وفشلها وانعدام المنطق في أي منها، حملاتهم ضد الفكر الليبيرالي الذي يجتاح الساحات والذي أصبح البديل الناجح للقوالب والقيود التي كبلت طوال العقود الماضية أيادي المناضلين الوطنيين من أجل التحرر والتقدم والعدالة، حتى ولو وصل الأمر إلى اتهام هؤلاء الكتاب ومنابرهم بالـ (عمالة) و بـ (الاعتماد على تمويل جهات خارجية) كما ذكر مقدم البرنامج وضيفه السيد (أبو شاور) !!
وبخلاف (قناة الجزيرة) صاحبة الشعارات الفاقدة لمصداقيتها منذ بدايات القناة والمتمثلة بـ (منبر من لا منبر له) و (الرأي والرأي الآخر) فإن جميع منابر الفكر العلماني التقدمي الشفاف والليبيرالي ذات أبواب مشرعة للجميع تعتمد الانفتاح على الآخر مبداً لا حياد عنه واحترام جميع الآراء المبنية على رؤى مختلفة انطلاقاً من قناعة علمية تقر بأن الحوار السلمي الجاد والبعيد عن الحقد والكراهية والعنف والقمع الفكري والفوقية والانعزالية وحده الكفيل بالوصول بالساحة العربية إلى أفضل صورها الديمقراطية وبرفدها بخيرة قادة المجتمع. إن صفحات المولقع الفكرية والسياسية تستوعب وترحب بأصحاب الآراء المتباينة ولا تهمل مداخلات ومشاركات المخالفين للرأي الذي يستقطب الغالبية العظمى مهما كانت قليلة أو ذات نسبة ضعيفة بينما لا نجد سلوكا مشابهاً لدى قناة الجزيرة التي لا ترحب بمداخلات تنتقد نهجها أو تخالفها في الرأي إلا ضمن الإطار الذي تستطيع معه توظيف هذا الرأي لزيادة حدة التناقض في مسعى دائم لإظهار القناة كالجهة الوحيد الصادقة في تبنيها لقضايا العرب والإسلام والحفاظ على حضارتهما وللعداء لأمريكا وإسرائيل وكشف المخططات الإمبريالية!

أما تعبير (المحافظون الجدد) فليس له معنى في المقارنة المبتذلة التي تمحور الحوار حولها. فالمحافظون هم نفسهم جدداً كانوا أم قدامى !! لقد ارتبط مصطلح (المحافظة) دوماً بصور التمسك بالتقاليد الشكلية وبالمفاهيم الرجعية المتخلفة التي تحد من التقدم والتطور وتقتل الإبداع وتقيد المبدعين وتعادي الفكر التقدمي والآيديولوجيات الثورية. ألم يوصف المحافظون دوماً باليمين؟
هل تغيرت طروحات (المحافظين الجدد) فنسفت مفاهيم المحافظين القدامى؟
إن كانوا قد فعلوا فهم ليسوا بعد محافظين !!
المحافظون الجدد هم نفسهم المحافظون القدامى أينما كانوا ومهما كانت انتمائية ممثليهم الفكرية أو الحضارية.
وبما أن أخواننا في (الجزيرة) يقفون بشدة في وجه الفكر الليبيرالي ويكيلون الاتهامات جزافاً لكتابه ويتمسكون بصلابة وعناد بـ (ثوابت الأمة وعقيدتها الراسخة) و (خصوصياتها المميزة) و (رموزها الفريدة) و (تاريخها العظيم) فإنه يحق لهم بجدارة أن يسموا بـ (المحافظين) دونما حاجة لإضافة (جدد) أو (قدامى) ..
وسيكونون بالتالي هم حلفاء فكر المحافظين الرجعي في أيةٍ من بقاع العالم وسيكون من حقهم حمل (صك البراءة التامة من الانتماء للفكر الليبيرالي المتنور).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال