الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقارب السوري-اللبناني: تغليب كفة المصالح المشتركة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


قام رئيس الوزراء اللبناني (سعد الحريري) بزيارة –وصفها كل المتتبعين- بالتاريخية إلى الجارة سوريا؛ و التقى الرئيس بشار الأسد وجها لوجه؛ و تباحثا معا في مجموعة من القضايا التي تهم البلدين الشقيقين.
من وجهة النظر الدبلوماسية؛ يمكن أن نعتبرها زيارة ود و إخاء؛ كما يؤكد على ذلك الناطقون بأسماء الزعماء؛ لكن الأمر في الحقيقة أعقد من ذلك؛ خصوصا إذا علمنا أن هناك سنوات من الجفاء؛ التي وصل إلى حدود القطيعة مع سوريا؛ عبر اتهامها المباشر بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق ( رفيق الحريري).
و قد كان تيار المستقبل؛ الذي يقوده سعد الحريري؛ من نتائج هذا الجفاء و هذه القطيعة؛ لأن مشروعه السياسي قام في البداية على مواجهة الأجندة السورية في لبنان؛ و على قائمتها سلاح حزب الله؛ الذي يدخل ضمن هذه الأجندة.
و نزيد زعما؛ لنذهب في اتجاه أكثر حدة؛ إذا قلنا أن وصول الزعيم الشاب سعد الحريري إلى قيادة الحكومة اللبنانية؛ كان مدعوما بشكل مباشر بمواجهة النظام السوري؛ سواء داخل لبنان؛ أو عبر المحافل الدولية.
إن هذه الزيارة؛ بتعبير أكثر تسييسا؛ زيارة مصالح – لا مصالحة حتى- فالشيخ (الشاب) سعد الحريري أدرك خلال هذه السنوات الأخيرة؛ من خلال مواجهته للنظام السوري؛ أدرك بالملموس أنه لن يجني نتائج سياسية؛ يمكنها أن تدعم مسيرته السياسية الفتية؛ خصوصا و أن هذا النظام قد اشتد عوده في المنطقة؛ و نسج علاقات استراتيجيسة واسعة؛ سواء مع إيران أو مع تركيا؛ و هو يسعى إلى فك الحصار العربي؛ عبر التدشين لحوار عميق مع المملكة العربية السعودية .
كلها أوراق قوية و رابحة؛ استطاع النظام السوري بحنكة سياسية كبيرة حصدها؛ و بذلك فإنه يكون قد حصن نفسه من أية ضغوطات مستقبلية؛ سواء أكانت أوربية أو أمريكية. في ظل هذا الوضع السياسي يجد سعد الحريري و معه تيار المستقبل نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما :
الخيار الأول: الاستمرار في بناء مشروعية التيار داخليا؛ عبرا لاستمرار في سياسة المواجهة مع النظام السوري؛ بادعاءات متعددة؛ منها ضلوعه في اغتيال رفيق الحريري؛ و ما يرتبط بذلك من محكمة دولية؛ و منها التدخل في شؤون لبنان الداخلية؛ عبر دعم حزب الله.
و هذا الخيار من المنظور الطاكتيكي الصرف؛ لا يمكن أن يحقق أية نتائج سياسية؛ سواء لتيار المستقبل؛ أو للبنان ككل؛ خصوصا إذا استحضرنا الأوراق الرابحة الكثيرة التي يتوفر عليها النظام السوري .
الخيار الثاني: التدشين لأسلوب سياسي جديد؛ في التعامل مع الجار السوري؛ بناء على المعطيات السياسية الموجودة على أرض الواقع؛ مع محاولة تجاوز كل ما يرتبط بمراحل الصراع السابقة؛ و هذا الأسلوب الجديد؛ يفترض أن يكون نهجا لتيار المستقبل؛ قبل أن يكونه نهجا للدولة اللبنانية؛ الشيء الذي يفرض على هذا التيار التأسيس لمراجعات عميقة في مشروعه السياسي؛ عبر ربطه –على الأقل- بالمرجعية الوطنية و القومية؛ في منأى عن أية خدمة مجانية للأجندة الأمريكية-الأوربية؛ في لبنان بشكل خاص و في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
إن ما يبدو واضحا الآن؛ و من خلال الزيارة ألأخيرة؛ التي قام بها زعيم تيار المستقبل و رئيس الحكومة اللبنانية؛ ما يبدو واضحا هو ترجيح كفة الخيار الثاني؛ لأن مصلحة تيار المستقبل؛ ومصلحة لبنان ترتبط بهذا الخيار في الأخير؛ الشيء الذي يعني تغليب كفة المصالح المشتركة بين البلدين؛ لأن ما يربط سوريا و لبنان-في الحقيقة- يتجاوز المصالح الآنية؛ إلى مصالح طويلة الأمد؛ ترتبط بالتاريخ و الثقافة و المجتمع؛ قبل أن ترتبط بالاقتصاد و السياسة .
إن هذه الحقيقة هي ما وعى بها مبكرا زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) حينما فك الارتباط مع تيار المستقبل؛ و اتجه في منحى التقارب مع الجار السوري؛ و قد كان ذلك ناتجا عن قراءة سياسية واعية لوضع منطقة الشرق الأوسط؛ و منها وضع سوريا؛ الذي تغير جذريا؛ عبر ربحها لأوراق سياسية باهظة الثمن؛ في صراعها مع الأجندة الأمريكية-الأوربية في منطقة الشرق الأوسط .
و هذا الوعي هو الذي انتقلت عدواه إلى عمق تيار المستقبل؛ الذي يبدو أنه غلب مصلحته و مصلحة لبنان؛ على الاستمرار في الجدل العقيم الذي ينهك القوى الحية للوطن؛ و يعمق جراحه أكثر؛ عبر توسيع دائرة الخلاف بين القوى السياسية.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما تثبته الزيارة حقاً
نبيل السوري ( 2009 / 12 / 27 - 07:50 )
ما تثبته هذه الزيارة، أن المجتمع الدولي ما زال بعيداً جداً عن الحد الأدنى من التعامل بعيداً عن المصالح حصراً
كذلك تثبت أن البلطجي الذي يجيد البلطجة ويتقنها على المستويين المحلي والدولي، لا يتعرض للمحاسبة والمساءلة ويمكنه أن يستمر بالحكم والقمع والسحل والنهب إلى أجل غير مسمى

وتثبت أن على الشعب السوري أن يقلع شوكه بيديه، ولا ينتظر مساعدة أحد، وواضح أنه لن يقوم بشيء من هذا بسبب خوفه الشديد وتعوده على الذل والهوان، ولأنه لا يريد أن يدفع أي ثمن لحريته
وهذا يعني أنه لا يوجد بصيص ضوء ولو باهت في نهاية نفق هذا الشعب المعتر

اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه