الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدبابات تهمّش الاصلاحات

سامية ناصر خطيب

2002 / 7 / 1
القضية الفلسطينية


يسود الاعتقاد بان الانتخابات الجديدة لكل المؤسسات الفلسطينية كفيلة بخلق قيادة جديدة. لكن حاجة الشعب الفلسطيني للاصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد، لا يمكن ان تتحقق طالما يبقى عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية. هناك حاجة لاحداث تغيير جذري داخل الساحة الفلسطينية، وهذا يستدعي خيارات سياسية بديلة للسلطة.

 

سامية ناصر خطيب

 

 

تفاقم الوضع الامني واستمرار العمليات الانتحارية في العمق الاسرائيلي، كشفا عقم الاصلاحات التي ادخلها الرئيس ياسر عرفات على سلطته، وعجزها عن ضمان الامن لاسرائيل.

لقد فشل عرفات في توفير هذه البضاعة لاسرائيل رغم موافقته على المطلب الامريكي الذي نقله اليه رئيس السي آي ايه، جورج تينت، وهو "تأسيس وزارة داخلية فلسطينية ترأسها قيادة قوية غيره، تكون ضمنها كل اجهزة الامن الداخلي والوطني موحدة وكل الفصائل المسلحة الاخرى سينزع سلاحها". (الحياة، 11 حزيران)

في هذه الحال وجدت اسرائيل نفسها مضطرة لتأمين امنها بنفسها، ومن هنا جاء قرارها اعادة احتلال المدن الفلسطينية لفترة طويلة هذه المرة. بخطوتها هذه تلغي اسرائيل ما تبقى من سيادة فلسطينية على المناطق أ وتهمش عرفات والسلطة تماما.

 

لا جديد في الحكومة الجديدة

 ان كون الاصلاح مطلبا امريكيا لا يحمل اي بشرى للشعب الفلسطيني. فهدف امريكا ضمان امن اسرائيل ونشر حالة من الهدوء في المنطقة. الوسيلة التي تعتمدها لذلك هي ممارسة الضغط والاعتقال والطرد ضد العناصر المسلحة او المعارضة لتوجهات السلطة ورضوخها للاملاءات الاسرائيلية والامريكية. وبالمقابل فانها معنية بتقريب العناصر الموالية لها، والتي تفتقد ثقة الشعب.

انسجاما مع هذا المفهوم عين عرفات اللواء عبد الرازق يحيى رئيسا لوزارة الداخلية. وكان يحيى قد صرح انه "يسعى لوضع حد لنشاطات التنظيمات الفلسطينية المسلمة التي تنفذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية" (كل العرب، 21 حزيران). كما لعب يحيى دورا مهما في المفاوضات حول اتفاق اوسلو.

واعتبر هذا التغيير شكليا خاصة ان عرفات لم يستطع تلبية طلب الامريكان توحيد القوات الامنية. فقد بقيت الاجهزة الامنية على حالها وبقي كل رئيس في موقعه، وضمنهم جبريل الرجوب، رئيس الامن الوقائي بالضفة الغربية.

ولعل التعيين الاهم هو وزير المالية الجديد سلام فياض، وهو رجل اقتصاد ومدير اقليمي في البنك العربي، وقبل ذلك كان مندوب البنك الدولي في فلسطين. بتعيين فياض وتخلي عرفات عن وزارة الداخلية، اعتبرت السلطة الفلسطينية نفسها انها استجابت للمطالب والضغوطات الخارجية التي حضت بالاساس على احداث تغييرات في اجهزة الامن والمال.

شكل الحكومة الجديدة التي انخفض عدد وزرائها من 31 الى 21 وزيرا، لم يتغير كثيرا.  فعدا عن ادخال خمسة وزراء جدد، هم بالاضافة الى وزير الداخلية والمالية، نعيم ابو الحمص وزير التربية والتعليم العالي، وغسان الخطيب وزير العمل، ونبيل قسيس وزير السياحة، فقد بقي سائر الوزراء في مناصبهم، ومنهم ياسر عبد ربه، ونبيل شعث، وانتصار الوزير.

 

الاصلاحات لا تحظى بثقة احد

وقد سارع الرئيس الامريكي، جورج بوش، لاعلان عدم ثقته وتحفظاته عن الحكومة الفلسطينية الجديدة. رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، من جانبه اعلن عدم وجود شريك للمفاوضات في الطرف الفلسطيني. وقامت دباباته بعد عشر ساعات من اعلان ياسر عبد ربه عن تشكيل الحكومة الجديدة، باجتياح رام الله (في 12 حزيران) وفرض حظر التجول فيها، مانعة بذلك انعقاد الحكومة الجديدة، وهو الاجتماع الذي لم ينعقد حتى اليوم.

وكان في الخطوة الاسرائيلية محاولة لقطع الطريق على مناورة عرفات التي صادفت نفس يوم زيارة شارون الى واشنطن، ولممارسة المزيد من الضغط عليه للقيام بالمطلوب منه وهو بالحرف، قمع الحركات الاسلامية وسائر التنظيمات العسكرية ومنع العمليات ضد اسرائيل.

في نفس الوقت، يتعمق النقاش داخل الساحة الفلسطينية حول الاصلاحات والعمليات الانتحارية، ويبدو ان الاصلاحات لا تحظى برضا اوساط واسعة بين الفلسطينيين ايضا. ففي منتصف شهر حزيران (يونيو) نشرت الف شخصية فلسطينية نداء في صحيفة "الايام" الفلسطينية وصحيفة "كل العرب" وهآرتس، تطالب فيها من جهة ب"تطبيق اصلاحات ديمقراطية وتوزيع عادل للاموال ومساعدة المحتاجين ومراقبة الاموال من اهدارها بطرق غير مشروعة".

وتنادي العريضة من جهة اخرى "الواقفين من وراء العمليات العسكرية في اسرائيل بان يراجعوا حساباتهم وان يتوقفوا عن دفع شبابنا للقيام بهذه العمليات، وذلك لاننا لا نرى نتائج منها سوى تكريس البغض والحقد والكراهية بين الشعبين وتعميق الهوة بينهما".

وردا على العريضة الموقعة باسماء اكاديميين وسياسيين بالاضافة لوزراء في السلطة، منهم حنان عشراوي وسري نسيبة وغيرهم، قال سمير المشهراوي، عضو المؤسسات العليا لحركة فتح في غزة والمقرب من محمد دحلان مسؤول الامن الوقائي بغزة: "ان اكبر الفاسدين هم الذين يقفون في رئاسة الصارخين من اجل الاصلاحات، ويظنون انهم بذلك يبعدون التهم والشكوك عن انفسهم". (هآرتس، 23 حزيران)

وصرح اعضاء في المجلس التشريعي بان التشكيلة الوزارية الجديدة لا تبشر باستحداث اساليب ادارية جديدة في السلطة، ولا تخدم مبدأ فصل السلطات. كما انتقدوا بقاء بعض الوزراء المتورطين بالفساد والعلاقات القوية مع اسرائيل في مناصبهم. (هآرتس، 14 حزيران)

عبد العزيز الرنتيسي، من ابرز قياديي حماس في غزة قال للحياة ان التشكيلة لم تغير شيئا، و"بينما انتظر الشعب تغييرا جديا فاذا بهم يكرسون عناصر الفساد". كما انتقدت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين التشكيلة الجديدة، وقالت انها لا تحمل جديدا ذا شأن ولا تستجيب لهموم الشعب الفلسطيني وتطلعاته. (الحياة، 10 حزيران)

ونقل المصدر ذاته ان ادوارد سعيد كان بين الرافضين لاي اصلاح ينفذه عرفات على اعتبار ان "همّ عرفات هو انقاذ نفسه". يقول سعيد: "لقد اتيح لعرفات نحو عشر سنوات لادارة مملكته الصغيرة، ولم يجلب لها ولنفسه الا الازدراء. واصبحت السلطة الوطنية مضرب المثل في الوحشية والتسلط الذي لا يعرف حدا".

 

الاصلاح يتطلب قيادة بديلة

الاعتقاد السائد بين شخصيات مثل سمير المشهراوي (هآرتس، 23 حزيران) هو ان اجراء انتخابات جديدة لكل المؤسسات الحزبية او للسلطات المحلية وحتى للمجلس التشريعي، وحده الكفيل بخلق قيادة جديدة. ويعتقد المشهراوي ان الجمهور يعرف من هم الفاسدون وسيبعدهم عن الوظائف. ويتوقع الكثيرون انتخابات جديدة تشارك فيها كل القوى السياسية، خلافا لما حدث في الانتخابات الاولى للمجلس التشريعي التي قاطعتها التنظيمات المعارضة (الجبهتان وحماس والجهاد)، بادعاء انها منحت الشرعية لاتفاق اوسلو المرفوض.

لكن هناك مشاكل عديدة تعترض الطريق للانتخابات والتغيير الفعلي، واولها ان الانتخابات هي مطلب ومصلحة اسرائيلية، وثانيها ان اسرائيل استنتجت انه لن يكون بمقدورها اليوم  ايجاد سلطة فلسطينية قوية يمكنها حفظ امنها، فاعادت احتلال المدن الفلسطينية لتحمي امنها بنفسها. ولكن القضية الاهم من ذلك، هو ان حاجة الشعب الفلسطيني للاصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد، لا يمكن ان تتحقق طالما بقي عرفات رئيسا للسلطة الوطنية، وخاضعا للاملاءات الامريكية - الاسرائيلية والعربية ايضا، التي تتعارض مع طموحات ومطالب الشعب.

ان بناء مجتمع ديمقراطي خال من عناصر الفساد لن يتحقق الا باحداث تغيير جذري داخل الساحة الفلسطينية، وهذا يستدعي وجود خيارات سياسية واحزاب وشخصيات بديلة للسلطة، تأخذ موقفا معارضا من اتفاقات اوسلو ومن العلاقة مع امريكا واسرائيل والانظمة العربية. طالما لم يتحقق هذا، تبقى العمليات الانتحارية الخيار الوحيد الذي يتحكم بالشارع ويحركه. غير ان اسرائيل قررت حسم هذا الخيار من خلال اعادة الاحتلال، وفي ظل عدم التوازن العسكري بين الطرفين، لا يصعب تنبؤ مصير البرنامج الانتحاري. اما الشعب الفلسطيني فسيخرج هذه المرة من انتفاضته، بلا دولة وبلا قيادة ايضا.

 

تموز 2002 العدد154 - ِالصبار 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار