الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة

طلال ابو شاويش

2009 / 12 / 27
الادب والفن


بطاقة إعاشة

لم تثرك هيئته الرثة ... فلطالما رأيته قاصاً شعره بصورة غريبة لا تناسب رجلاً يهم لإنهاء عقده الرابع ... ولطالما استهجنت ملابسه و أحذيته الغريبة و السوار الفضي الغليظ الذي يحيط بمعصمه ... ما أثارك وولد في نفسك حزناً هائلاً هي الطريقة التي تحدث بها إليك!
أشرت إليه بيديك محيياً ، فرد التحية بنظرة بلهاء ... اقتربت منه أكتر ، و حدقت في وجهه متسائلاً ... أخرج راديو صغير من جيب سترته و طلب منك الاقتراب لسماع الأخبار و أضاف بجدية مقنعة :
_ سيأتي الأمريكان إلى هنا بعد تحرير العراق !
شعرت بالإختناق وواصلت التحديق في وجهه ...
_ اتصل بي " بوش " عبر هذا الجهاز و أخبرني بأنه سيأتي على رأس جيشه إلى هنا !
وارتبكت أكثر حينما تجمع عدد من الصبية ، و بدأوا يسألونه عن ضحايا الحرب العراقية _ الأمريكية ... أجابهم بهدوء أول الأمر ، ثم طلب منهم الابتعاد و بعصبية بدأ يلقي عليهم الحجارة!
" لعلها الصدمة التي تنجم عن الهزائم القاسية ! " فكرت و أنت تستعيد تفاصيل علاقتك به ... عشق السلاح أكثر من النساء ... لم يكتف باقتنائه أو استخدامه ، بل نزع إلى محاولة تصنيعه حتى أتقنه ... لم يتحزب مطلقاً ... أحب الجميع فأحبوه ... قدم خدمات جليلة لمختلف الأحزاب و الحركات الفاعلة في المخيم... كان يفعل أكثر مما يتكلم ... اعتقل عدة مرات ... لكنه حمل صمته إلى الزنازين ، و مع كل اعتقال كان يخرج مضيفاً المزيد من علامات الاستفهام حول صمته الكثيف !
و حلّت الهزيمة ... واختلفت لغة الناس ... و قرر أن يبتعد عن الجميع ... ترفع عن كل شيء ... لم يكن مقتنعاً بأن زمن الحصاد قد حلّ بالفعل ... لازمته إبتسامة سخرية رافقها حزن عميق في عينيه ... و تقلصت علاقاته بمن حوله تدريجياً رافضاً تقديم أي تنازل ... ثم قرر الإعتزال !
اقتحمت عزلته ... أردت لتفكيره أن يكون أكثر واقعية ، فسحقك بنظرة سخرية لاذعة اضطرتك للتوقف عن المحاولة فوراً ...
أحد الأصدقاء ألقى بقطعة سلاح أمامه و طلب منه فحصها و تقدير ثمنها ... نظر إليها بلهفة أول الأمر كطفل صغير ألقيت أمامه لعبة جديدة ... لكن ذعراً مفاجأً كسى وجهه و جعله يرتد بسرعة غريبة ... أمر الصديق برفعها من أمامه مدعياً بأنه هجر هذه " الشغلة الزفت " منذ أمد بعيد !
سنوات طويلة مرت قبل أن تراه على هذه الصورة الرثة ... كيف مر كل هذا الزمن دون أن تراه ؟ ولماذا ؟ لا تدري ! قررت أن تغوص في حياته ... أن تقتحم عزلته لعلك تفهم شيئاً ما ... تهرب منك و سمعته يقول لابنه صارخاً :
_ قل له إنني غير موجود !
لم تغضب و قدرت أن ظروفاً قاهرة تعصف بحياته ...
صدفة _ و كما تحدث معظم الأشياء الخطيرة _ رأيته أمام مركز التموين التابع لوكالة الغوث في المخيم ... كان يقرفص فوق عدداً من أكياس الدقيق التي تمنحها الوكالة للأسر المستورة كل ثلاثة أشهر ... وجوه أطفاله الأربعة تطفح بالفرح و هم يعبثون بأكياس الدقيق و بأكياس أخرى تحوي بعض السكر والأرز و عدداً من علب السردين!
و رآك ... دمعة صغيرة انزلقت بسرعة و اختفت في شعيرات لحيته الكثيفة ... تأمل أطفاله و رمقك بنظرة سريعة ثم أطرق من جديد ... و بدأت تفهم !

* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت