الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيضا وأيضا مناهج التعليم

سعد الله خليل

2004 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


مناهج التعليم التي يحرص عليها أعداء المساواة والتقدم والتحضر والحرية، هي التي تجعل أولئك الناس، يتقمصون شخصية حماة الأمة والناطقين باسمها، أولئك الذين نشأوا وترعرعوا وتثقفوا على هذه المناهج، وتعودوا على وصف الشعب بالعوام والرعية، ووصف الحاكم بالراعي. مناهج التعليم هذه، هي التي علمتهم وسهّلت لهم التلاعب والمتاجرة بعقول وعواطف العامة، بحجة التمسك، والمحافظة، على ثوابت وهوية الأمة.
وهي التي نفخت الوهم في بطون وعقول أولئك المنافقين الأدعياء، وبررت لهم الكذب والغش والخداع، واتباع قاعدة (تمسكن حتى تتمكن)، لتحقيق أطماعهم، والوصول إلى غاياتهم. وأباحت لهم التلاعب بعقول الصبية والشبان، وإيهامهم بأن الله سيكافئهم بمضاجعة الحوريات الجميلات، إن أقدموا على تفجير أنفسهم، والانتحار، وقتل الناس، وذبحهم، وتقطيع أوصالهم، وحرقهم أحياء، والتمثيل بجثثهم، والمباهاة بذلك ( كما حدث مؤخرا في الفلوجة للشبان الشيعة الستة)، فيما هم لا يرغبون لأبنائهم بهؤلاء الحوريات، فيرسلونهم للعلم والإقامة الطيبة، والحصول على الجنسية، في أوروبا وأمريكا، يزوجونهم، ويشترون لهم السيارات الفارهة، والشقق الفخمة، ويكدسون الأموال، ويقبضون الأثمان.
مناهج التعليم هذه، هي التي عملت وتعمل على حشو دماغ التلميذ، بالخرافات، والمعلومات التي عفا عليها الزمن، فلا يستفيد منها في حياته العملية، بل تخلق لديه نفورا من العلم، بسبب ما يكتشفه من تناقض، وهوةٍ سحيقة، بين متطلبات الحياة والواقع المعاش، وما ظنه علما،ً إذ تزين له أحوال مجتمعه، وتخوّفه من نقده وتشريح ِأمراضه، فيتيه في نقد وتشريح مجتمعات أخرى. كما تعلمه، وتفرض عليه الحفظ الصم، والتكرار، والاعتماد على النقل، وتمنعه من الاجتهاد، وتحكيم العقل، والتفكير والبحث والاستنباط، (فقد كفاه الأقدمون عناء ذلك)، وتحبب لقلبه وعقله، الكسل والتواكل واللامبالاة، وعدم الشعور بالمسؤولية، وتنزع إرادته، وتأمره بالصبر والتسليم بما هو آت، وتقنعه أن مسار حياته مرسوم ومحفوظ. فإن كان مكتوب له أن يكون كافرا أو لصا أو مجرما، فسيكون، وإن كان مكتوب له أن يصبح غنيا، فسيصبح، وإن كان مكتوب له أن يظل فقيرا، فسيظل، وإن كان مكتوب له أن ينتحر، فسينتحر، ولن يستطيع مهما حاول أو فعل، تغيرا أو تبديلا أو تعديلا، فصارت (طيط وعفارم) متساويتان لديه، يقضي حياته بالتسلية في قص السوالف والتخيلات، والخزعبلات، والدس على الناس، والنميمة، والافتراءات.
مناهج التعليم هذه، هي التي تملأ التلميذ خوفا ورعبا، وتعلمه وتقنعه، أن أعماله وسلوكه وأخلاقه وعبادته، يجب أن يصدروا من خوفه من نار جهنم وعقاب الله المنتقم الجبار، لا من حسن طويته وسريرته، واقتناعه ورغبته، مما يدعو الكثيرين إلى التظاهر بالصوم والصلاة اتقاء وخوفا لا حبا واختيارا، ويجبرون بالتالي ألا يكونوا عفويين وتلقائيين في التعبير عن مكنونات أنفسهم، بل أن يكونوا مزدوجي الشخصية، يعرضون إحداها على الناس، ويحتفظون بالأخرى لأنفسهم.
مناهج التعليم الحالية هذه، هي التي زيفت وزوّرت التاريخ، وأخفت الحقائق، والعيوب، وما أكثرها، عن عيون الناس، فلم تذكر شيئا عن الأعمال المشينة للخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين، وعن فسقهم ومجونهم وظلمهم وبطشهم بالناس، وإفقارهم لهم، وهي التي بررت، وأوهمت الناس أن حروبهم التي نهبتْ وكسحت الأموال، وقطعت الأعناق، وسبت النساء، وأسرت الأطفال والرجال، وباعتهم جميعا، عبيدا وغلمانا وإماء وجواري في أسواق الرقيق، إنما كانت بأمر من الله، لنشر الدين وهداية الناس، بينما حروب الآخرين احتلال واستعباد واستعمار.
وهذه المناهج هي التي نشرت الكره والحقد والعنف ضد الآخر، وهي التي جهّلت الناس، واستغلت هذا الجهل، لتزييف الوقائع وقلب الحقائق، وحرضتهم ضد الحضارة الإنسانية، وأوهمتهم أنها حضارة مادية زائفة زائلة، وأن حضارتنا التي نحن فيها الآن، أرقى منها بملايين المرات، لأنها حضارة روحية، في الوقت الذي تترنح فيه هذه الحضارة الروحية الراقية المزعومة تحت ضربات أبشع أنواع الفساد المادي والأخلاقي، الذي اكتسح وباءه البلاد والعباد، ولم يعد ينفع معه علاج أو دواء، ولا رقى أو تعاويذ.
إن مناهج التعليم الحالية هي التي غيبت عقول الناس، وزينت لهم حياة الأنفاق والسراديب، والتمسك بالأوهام والخرافات، وأججت عواطفهم، وسهلت للسياسيين استغلال الدين والقومية، وتحويلهما إلى سلعتين رائجتين، للمتاجرة والتكسب بهما. وعلمتهم أن الأعداء الداخليين أخوة وأبناء وآباء ، وإن اضطهدوا واستبدوا وظلموا، وأن طاعة ولي الأمر واجبة، وإن فسق وسرق وزنى، فأمره إلى الله، إلا أن يقف أمام الملأ ويعلن كفره الصريح. مما جعل الناس يهتفون للطغيان، ويصفقون للاستبداد (بزعم أنه عادل)، ويقبلونه تاجا على رؤوسهم مدى الحياة، ويتعلمون المداهنة والذل والنفاق، والتآمر على بعضهم بعضا.
وهي التي جعلت الدعوة لتنوير عقول الناس، ومفهوم الحرية والديمقراطية، بدعة وضلالا، ودعاتهما، عملاء مأجورين، خارجين عن الإجماع والدين، غايتهم تدمير ثوابت وهوية الأمة. بينما من يشدون الناس للخلف، ويزينون لهم حياة الأنفاق والسراديب، ويعملون على تجهيلهم وتخلفهم، مناضلين شرفاء ضد الإمبريالية والصهيونية، ومن أجل عزة الأمة ورفعتها.
لقد عملت مناهج التعليم الحالية على احتقار المرأة، وتشويه صورتها، ووصفتها أنها عورة، من صوتها إلى قمة رأسها إلى أخمص قدميها، وأنها ناقصة عقل ودين، وأكرهت الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب فقمعت طفولتهن وفرحهن. ثم غيّبت المرأة وجهّلتها وشلّت حركتها، وصادرت حقوقها وأنوثتها، وخوّفتها من الرجال، وصورتهم لها على أنهم ذئاب، يريدون اقتناصها وافترساها، (ولعل بعضهم كذلك بسبب تعليمهم وتربيتهم)، ووأدتها حية بين أربعة جدران، وقيدتها وكممتها وعلّبتها في كيس أسود محكم الإغلاق.
وأخيرا وليس آخراً، مناهج التعليم القائمة، هي التي تعلّم عليها الكذبة والمشعوذون والمنافقون، وعلمتهم المتاجرة بالشعارات، وتوهّم النضال، وتلفيق الأكاذيب، وادعاء الحرص على الوطن والأمة، وتوزيع وإلصاق تهم العمالة والخيانة والتآمر، دون وازع من أخلاق، أو رادع من ضمير، ضد المفكرين ودعاة التقدم والحرية، لا يهمهم إن كان من يحاولون اتهامه مفكرا كبيرا جليلا، أمضى حياته (أطالها الله) في تنوير الناس وتثقيفهم وتعريفهم بحقوقهم وأسباب نهضتهم، وتحريضهم على السعي إليها، في وقت يستميت فيه هؤلاء المنتفعين، المتكسبين، لإبقاء الشعب في سراديب الجهل، وأنفاق التخلف، ليسهل عليهم خداعه وتضليله واستغلاله.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد