الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران فوق صفيح ساخن

جهاد الرنتيسي

2009 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تتراجع احتمالات لتتقدم اخرى ، في تطورات الملف النووي الايراني ، المتسارعة الى حد استحالة اللحاق بها ، فهناك صعوبات واضحة في مواصلة المجتمع الدولي الرقص على ايقاعات الازمة دون تغيير قواعد اللعبة ،والمؤشرات المتوفرة لا توحي بقرب التهدئة بين طهران والغرب على المدى المنظور ، وان تضاربت احتمالات التصعيد المقبل بين عمل عسكري غير مستبعد ، وعقوبات اقتصادية ، يرجح ان تأخذ شكل الضربات القاسية ، التي تترك اثارا فورية، وفعالة الى الحد الذي يعيد الحياة في ايران سنوات الى الوراء .

وهناك ما يكفي لتكوين انطباعات اولية بتناقص قدرة طرفي التجاذبات على القيام بخطوات جادة لوقف الانزلاق نحو مزيد من التسخين .

كما يندرج في هذا السياق فلتان زمام عامل الوقت من بين اصابع اللاعبين ليقلص احتمالات الحلول الوسط .

والواضح ان مختلف الاطراف العربية والاقليمية المرشحة للتأثر بالتطورات المحتملة باتت تتصرف على هذا الاساس وتستعد لأسوأ الاحتمالات .

قد يكون الوضع الداخلي الايراني ، بمختلف تفاصيله وتشعباته ، اكثر المفاتيح ملاءمة ، لقراءة مستقبل تطورات ازمة طهران مع المجتمع الدولي .

فالقضايا الخلافية التي يحتدم صراع اجنحة الحكم الايراني حولها لا تشمل الاستمرار في البرنامج النووي .

ويشكل اجماع اجنحة الحكم الايراني على هذه النقطة تحديا حقيقيا للوصول الى حل للازمة النووية .

فالجناح الاكثر تشددا ، والممسك بزمام السلطة ـ يشمل المرشد الاعلى علي خامنئي ، والرئيس احمدي نجاد ، والحرس الثوري ـ يتعامل مع القضية ، باعتبارها رافعة سياسية ، في مواجهة مطالب الاصلاحيين ، التي تركز على الاهتمام بالوضع الداخلي .

وبالتالي تكمن اهمية الازمة مع المجتمع الدولي ، وواجهتها الملف النووي ـ في مقاييس هذا الجناح ـ بفاعليتها في المزايدة على الخصوم ، وابعاد انظار الفئات الشعبية عن الازمات المعيشية التي تعيشها ، بفعل الانفاق العالي على التسلح ، وتبديد الاموال ، في محاولات عبثية للتحول الى قطب اقليمي ، يستطيع القيام بدور ما في الاستراتيجية الكونية المقبلة .

لكن توسيع زاوية رؤية المشهد الايراني الداخلي تقود الى نتائج مختلفة على المدى غير البعيد .

فالمزايدات ، واستعراضات القوة ، التي تمارسها القيادة الايرانية ، ردا على معارضيها في الداخل ، لا تعني بالضرورة القدرة على مواجهة تحديات الوضع الداخلي ، بقدر ما تقود الحالة الراهنة الى مناحي اخرى .

ومن بين السيناريوهات المحتملة لاستمرار حالة التصعيد هذه زيادة التفسخ في النظام الايراني.

فالتصعيد السياسي والامني المتسارع الى درجة لافتة للنظر ، في مواجهة ما اصطلح عليه بالمعارضة الاصلاحية ، يقود الى تصعيد مضاد ، يمارسه الاصلاحيون وغيرهم من الفئات والشرائح السياسية والاجتماعية الرافضة للاوضاع الايرانية الراهنة .

ولاستمرار التصعيد المتبادل بين اجنحة الحكم مضاعفات ، من بينها غياب البوصلة ، وتحول المشروع السياسي الذي تقوم عليه جمهورية الملالي الى عدة مشاريع .

فالصراع المندلع بين الاجنحة الايرانية ، لا يقتصر على الخلاف حول الرؤى المستقبلية ، مع امتداده الى التراث النظري ،الذي راكمته المؤسسة الحاكمة في الجمهورية الاسلامية .

كما تكشف محاولات اجنحة النظام الايراني الاختباء وراء صورة قائد ثورة الملالي اية الله الخميني عن حالة من الافلاس السياسي .

فالقادر على ضخ افكار لتجديد الحياة السياسية ، وتوفير مخارج من الازمات المتلاحقة ، سواء كانت داخلية او خارجية ، لا يختبئ وراء الرموز التاريخية .

اضطراب الاداء السياسي الايراني ، على الصعيدين الداخلي والخارجي ، والذي يصل الى حد التخبط في بعض الاحيان ، يوحي بالوصول الى مشارف غياب البوصلة وتشرذم المشروع القومي المغلف بالدين .

فهناك حالة من التخبط ، يظهرها اضطراب الخطاب السياسي الرسمي الايراني ، وآلية ادارة الازمات الداخلية ، وطريقة التعاطي مع ازمة الملف النووي .

ويظهر اضطراب الخطاب السياسي ، في تصريحات المسؤولين الايرانيين ، دون بذل جهد كبير في البحث والتنقيب عن مظاهره .

فهناك العلل التي باتت معروفة للمتابعين ، كالغربة الملموسة عن التحولات السياسية والثقافية والفكرية التي يشهدها العالم والمنطقة ، والانتماء لعصر اخر يخلو من تعقيدات القرن الواحد والعشرين .

احد تعبيرات ازمة الخطاب التي تم التوقف عندها مؤخرا التصريحات التي ادلى بها الرئيس محمود احمدي نجاد خلال قمة البيئة في كوبنهاجن والتي عرت الدوافع الحقيقية لمحاكمة الفرنسية كلوتيد ريس .

قبل ذلك تحول الرئيس نجاد الى مدافع عن النازية ، بدخوله غير المبرر الى دائرة جدل عقيم ، حول حقيقة المحرقة اليهودية ، ليقدم بذلك خدمة مجانية لاسرائيل ، باكسابها المزيد من التعاطف الغربي ، مع تكريس صورتها كضحية محاطة بالمتوحشين .

ومثل هذا الخطاب لا يجلب العداء لايران الشيعية وحدها ، فهو يكمل خطاب التطرف السني الذي يمثله تنظيم القاعدة ، ويقدم نموذجا جديدا لاثارة عداء الغرب للمسلمين .

الحسابات الآنية الايرانية التي تتضارب مع الرؤى المفترضة لم تقف عند حد جلب العداوات لقضايا عادلة كالقضية الفلسطينية .

فالرغبة في احراج القاهرة ، والبحث عن اوراق ضغط على الغرب ، يبرران لطهران اضعاف المفاوض الفلسطيني ـ الاكثر تأهيلا لمواجهة السياسة التوسعية الاسرائيلية ـ بادامة الانقسام في الساحة الفلسطينية ، رغم وصول الرؤية الحمساوية الى طريق مسدود .

وفي العراق يبدو المأزق الايراني اكثر وضوحا مع قرب العد التنازلي للانتخابات النيابية .

فقد سعى ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي بعدد من الخطوات للحصول على مباركة طهران ودعمها في الانتخابات النيابية المقبلة .

ومن اكثر هذه الخطوات فجاجة الاقتحامات والتحرشات الامنية والسياسية باللاجئين الايرانيين في مخيم اشرف المحمي بالقوانين والاعراف الدولية وتعاطف الرأي العام العربي والعالمي .

لكن الجناح الاكثر تشددا في السلطة الايرانية غلب الحسابات الداخلية وازمة طهران مع المجتمع الدولي على حسابات الحلفاء رغم ما يقدمونه من خدمات .

ففي احتلال حقل " الفكة " ما يوحي برغبة طهران في اظهار قدرتها على توتير الاجواء العراقية قبيل الانتخابات النيابية ، دون التفات للنتائج الوخيمة التي يمكن يتركها استعراض عضلات بهذه الفجاجة على حلفائها في العراق ، الامر الذي التقطته الحركة الوطنية العراقية بقيادة اياد علاوي وصالح المطلق واستثمرته بتحريك مسيرات لاجبار المالكي على الخروج عن صمته .

في مواجهة افرازات المأزق الايراني ، على الصعيدين الداخلي والخارجي ، بدت الادارة الاميركية اكثر ميلا من اي وقت مضى الى اتخاذ خطوات عملية ، لمنع ايران من امتلاك القنبلة النووية والحد من التوترات التي تثيرها في المنطقة .

ولم تقتصر مظاهر الجدية الاميركية على التهديد باجراءات عملية ما لم تظهر طهران التزامها بالخطة الاممية المتعلقة بتبادل اليورانيوم وتخصيبه خارج ايران .

فقد تداولت تقارير اميركية معلومات حول ترتيبات لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على ايران، وعودة نائب وزير الخزانة الاميركي ستيوارت ليفي ـ المعني بالارهاب والاستخبارات المالية ـ الى الاضواء ، احد المؤشرات المقلقة لطهران في هذا المجال .

والموقف الاوروبي الذي كان متحفظا على معاقبة ايران مقابل الصفقات المالية بات اكثر تشددا من اي وقت مضى .

كما اخذت اصوات موسكو وبكين الميالة للتريث في فرض عقوبات قاسية بالخفوت لتكون اكثر تناغما مع المجتمع الدولي .

وبتراجع هامش التهدئة ، وتصدع امكانيات التوصل الى تسويات منتصف الطريق ، واتساع احتمالات التصعيد ـ سواء اخذ شكلا عسكريا او اقتصاديا ـ تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التغيرات ، يرجح ان تشمل افرازاتها العديد من بؤر التوتر العربية التي اعتادت طهران على استخدامها ميادين مناورة في صراعها مع المجتمع الدولي ، بدءا من العراق وانتهاء بفلسطين ، ومرورا باليمن ودول الخليج العربي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوطن العربي وايران والاسلام
ميسر حرب ( 2009 / 12 / 28 - 06:28 )
ان من ينظر الى تغيير الاوضاع السياسية منذ الثمانينات حتى هذا التاريخ يرى التحول الواضح في سقف المطالباتالعربية من اميركا وحليفتها اسرائيل ويرى تغير الخارطة السياسية بوضوح وبروز مصطلح جديد وهو الارهاب و1ذا والملاحظ ان هذه الكلمة مرتبطة فقط بالاسلام
وللاسف بعض الحركات التي تتدعي انها اسلامية تساهم مساهمة فعالة في نشر هذا المفهوم
اما عن سبب تغيير سقف المطالبات فهو دخول تحولات تاريخية اخرى مثل ازمةالعراق ظهور ايران على الساحة مما اضعف القضية الاصلية والتي هي محور اهتمام العالم واصعبها القضية الفلسطينية وايران التي لها مطامع واضحة في اعادة بناء الدولة الفارسية لها اليد الفضلى في الخلاف الفلسطيني الفلسطيني بالنتيجة نرى ان اميركا واسرائيل نجحتا نجاحا باهرا عن تغيير الخارطة السياسيةوتغيير الموضوع الاكثر حساسية في الوطن العربي ولا ندري ما هي السناريوهات القادمة لتغيير اللعبةالسياسية فلا بد من وجود مسرح جديد بين كل فترة وفترة وشكرا لك اخ جهاد لطرح هكذا قضايا لاننانكاد نبتعد عن القضايا الهامة

اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-