الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة

حبيب هنا

2009 / 12 / 28
الادب والفن


31

في صباح يوم السبت الموافق 27/12/2008 استيقظ إبراهيم على ملمس ناعم ، ظل مغمض العينين على أمل بقاء الملمس الناعم يدغدغ مشاعره ، ولكن جفنيه الثقيلين يسحبانه إلى دهاليز النوم مجدداً . ومجدداً ، تداعبه اليد الناعمة برفق وحنان .. يفتح عينيه ، يطالعه الوجه الصبوح الضحوك والابتسامة العريضة :
- لقد أعددت لك الإفطار .
- حسناً . هل إسماعيل بكامل جهوزيته ؟
- وينتظر إفطارك .
يتناول إفطاره وهو ينظر إلى الصحيفة اليومية . يستوقفه خبر : الشرطة تتصدى لمظاهرات حاشدة نظمتها الجاليات العربية مع بعض قوى السلام العالمية ، احتجاجاً على استمرار بناء جدار الفصل العنصري مستخدمة الهراوات والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين . تعلو وجهه سحب مريعة . يطلب من ريتا أن تقل إسماعيل إلى المدرسة ثم يخرج تاركاً مفتاح السيارة على طاولة الإفطار. يستقل أول سيارة تصادفه . يجلس في المقعد الخلفي وراء السائق . يضع الحقيبة إلى جواره . يواصل قراءة الصحيفة في طريق توجهه إلى مكتب مصر للطيران . يرفع عينيه بالصدفة ، يرى في الطرف الآخر من الشارع ، أطفالاً يلعبون في إحدى المدارس الداخلية ، غير مبالين بما يحدث خارج أسوار المدرسة . يواصل قراءة الأخبار المتعلقة بفلسطين : بعض المتطرفين اليهود يشعلون النار في مزارع المواطنين الفلسطينيين على مرأى ومسمع وتحت حماية قوات الاحتلال المدججة بالسلاح . يصل مكتب مصر للطيران ويحجز ثلاثة تذاكر في أقرب رحلة ، ثم يتوجه إلى مقر الشركة التي أصبحت مملوكة لشخص آخر.. تستقبله السكرتيرة والدموع في عينيها تعاطفاً . يسأل :
- ماذا بك ؟
- حرام ما يحدث لكم في غزة !
- وماذا حدث ؟
- ألم تسمع الأخبار ؟
- لا ، لم أسمعها . لقد كنت في مكتب مصر للطيران من أجل حجز تذاكر السفر ..
- ستون طائرة تقصف غزة في وقت واحد !
- ستون طائرة !!
وضع رأسه بين كفيه ، فيما أخذت دموع السكرتيرة بالتسلل خارج المدار .. نظر إليها فتساقطت الدموع ..
- ماذا قالت حكومتكم ؟
- لم تعلق حتى الآن .
- إنها بالتأكيد تنتظر موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل في كل الأحوال والظروف ..
- أنا آسفة لما يحدث لكم !
- ليت حكومتكم تعرب عن أسفها !
يغادر المكتب دون كلمة وداع .. لا يعرف إلى أين عليه التوجه . بعد برهة يجد نفسه أمام ريتا وجهاً لوجه .
- إذن هكذا ، يكلم نفسه بصوت مسموع .. غزة المسكونة بالوجع والخوف من المجهول ، تصحو من النوم في أحضان الطائرات وصوت الانفجارات التي تنشر لحمها في الطرقات وفوق أسطح المنازل .. غزة النائمة بهدوء والحالمة بوطن تحرث سماءها الطائرات وأرضها أسلحة الدمار .. غزة التي تنتظر الصباح منذ سنين يداهمها الموت .. تنجو من الطوفان والحصار والفقر .. تصمد في وجه المجاعة والأمراض وشروط العالم المذلة .. غزة الآن تتعرض لجريمة الإبادة بدم بارد وهي مسالمة تدافع عن وطن ليس لها سوى الدفاع عنه .. غزة التي عبرها التاريخ ومضى مازالت باقية تسكن الشاطئ وتحلم بوطن هو لها وليس لها .. يداهمها الموت بصمت مريع ولكنها لن تموت، ستبقى واقفة على شاطئ البحر تحلم بوطن وفي جعبتها حقيبة من الحكايات التي حملتها من الناس وعن الناس الذين التقتهم عبر تاريخها .. غزة يداهمها الموت وتصطحب القذائف أطفالها إلى العراء !!
غزة تصحو من النوم مفجعة بأبنائها وهي التي رددت على مسامعهم قبل النوم :
- تصبحون على غزة ..
فردوا عليها بصوت واحد :
- تصبحين على وطن ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب