الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي سلام يسعى إليه أوباما؟

ماجد الشيخ

2009 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يوم الخميس العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، تسلم الرئيس باراك أوباما جائزة لجنة نوبل للسلام التي قررت منحه إياها لهذا العام، في أعقاب وعوده بسلام لم يتم، وبإنهاء حروب لم تنته بعد، بل أريد لها أن تزداد اشتعالا، كتلك التي تخوضها واشنطن وتحالف الناتو في أفغانستان وباكستان، في وقت لم يزل العراق في مرمى نيران الاحتلالات الأجنبية، والأميركية في مقدمها، ما يلاشي أو يؤكد تلاشي آمال التغيير الكذوبة، ويبدّد وعود الخطاب الأوبامي بالقاهرة. فأي سلام يسعى إليه الرئيس الأميركي، ذاك الذي استشفّته لجنة الجائزة من خطابه اللفظي، إلاّ إذا أمست الجوائز مجرد منح مالية، تُعطى كشيك مغطى برصيد، لأعمال لا يغطيها أي رصيد، أو لمجرد أن الخطاب (خطاب جامعة القاهرة) قدم وعودا معسولة، وفرش الأرض ورودا، ورغب لأمنياته أن تصبح واقعا مبسوطا!.

ولئن رأى أوباما في الجائزة "مثابة إمكانية للاعتراف بانجازاته" التي لم تتحقق بعد، بقدر ما هي الدافع الأبرز الذي يضع على عاتقه فعليا وبشكل جدي؛ تحقيق ما وعد به من إنجازات، وما تضعه الجائزة على عاتقه من ضرورة حضور "إنجازاته"، في عالم يطفح كيله بـ "إنجازات" سلفه، على طريق الحروب والعنف والإرهاب باسم مكافحة الإرهاب. ففي حالة أوباما أين هي تلك الإنجازات أو بوادرها وإرهاصاتها، أم أن لجنة الجائزة حوّلت استحقاقات جوائزها للسلام على الأقل، نحو الخطابة أو الخطابات العتيدة التي لم تحز أرصدتها بعد، جريا على القول "نعطيكها الآن على أن تغطيها بإنجازاتك الموعودة غدا"!. لذا وفي محاضرته التي تلت تسلم الجائزة لم يجد الرئيس الأميركي سوى الوعود مرة جديدة، يؤمّل العالم بها، معيدا إلى الذاكرة حكاية "أن الولايات المتحدة ساعدت على إقرار السلام العالمي على مدى أكثر من ستين عاما بدماء مواطنينا وبقوة أسلحتنا"، لكن ما يجري في أفغانستان وفي العراق يضع أوباما وإدارته على المحك؛ محك تحقيق السلام الذي يبدو أنه لم يزل بعيدا، بفضل تواصل نمو تنظيمات الإرهاب كالقاعدة ومثيلاتها وشبيهاتها، وعدم إيمانها بالحوار، ورفضها الحديث مع "الآخر" أيا كان؛ محليا أو خارجيا.

وبعد عام من توليه الرئاسة الأولى في الولايات المتحدة، بدأت تتضح الصورة تدريجيا، فنوايا أوباما وقدراته وإمكانياته الفعلية، ليست تتطابق مع نوايا طواقم إدارته وقدراتها وإمكانياتها الحقيقية، أو نوايا أغلبية الشعب الأميركي، كما هي ليست كلها قابلة للتحقق، في ظل الكثير من العقبات والمعوقات الناتجة من هنا أو هناك أو هنالك، فالنوايا وحدها لا تكفي في عالم مثل عالمنا، المصالح الجيو سياسية والمنافع المادية والاقتصادية فيه، هي المحدد الأول لمسارات السياسة، حتى وسط المناخات الجديدة التي ظهرت واعدة، كتلك التي أحاطت ظروف صعود رئيس كباراك أوباما في البيت الأبيض.

لكن بالمقابل.. تحمل جائزة أوباما مؤشرا أبعد غورا، لا سيما حين وضعت لجنة الجائزة، أعمال جورج بوش وسياساته، في ميزان التضاد مع ما يعد به أوباما من وعود ونوايا، لم تزل في نطاق الإمكان والاستطاعة أو عدمها، فصاحبها لا يمتلك إنجازات تاريخية، ولا آنية حتى اللحظة، فما قد يواجهه في طريقه نحو إيجاد معالجات ومقاربات حلول للقضايا الدولية الساخنة قد لا يكون بسيطا، فهذه القضايا ليست من النوع القابل للحلول السهلة، قدر ما يدخل بعضها في نطاق المقاربات والحلول المستحيلة؛ كالصراع العربي – الفلسطيني مع الحركة الصهيونية على أرض فلسطين التاريخية. الأمر الذي كشف هشاشة الموقف الأميركي عند أولى محاولات التصادم مع حكومة نتانياهو، بل وتراجعه أمامها إزاء موضوعة وقف الاستيطان، حيث انقلب الوقف إلى مجرد تجميد مؤقت، ما برح يثير المزيد من الجدالات والنقاشات الحادة، ويضع المزيد من العراقيل أمام استئناف المفاوضات.

يوم أعلنت لجنة الجائزة منح أوباما جائزتها هذا العام، لاحظ جدعون ليفي (هآرتس 11/10) أن الأمور بدت وتبدو مقلوبة، حين رأى أن أوسلو ربما غيّرت عادتها، وباتت توزع جوائزها وفق ما أسماه "الدفع المؤجل": (نلها اليوم وادفع غدا). إلاّ أن ما فعله أوباما في عامه الأول من وجوده في البيت الأبيض، لا يتعدى عدم إمكانية الدفع من أصله، وكذا "عدم الاستطاعة"، بينما على عكسه تماما فعلت إسرائيل، لتثبت أن "إسرائيل تستطيع"، فهي ترفض وقف الاستيطان، وترفض كذلك تحمّل المسؤولية عن جرائم غزة وفق تقرير غولدستون وغيره من تقارير المنظمات الدولية، وهي بالطبع ترفض إنهاء الاحتلال. كل هذا "استطاعته" إسرائيل في مواجهة الرئيس الأميركي الحليف الأوثق لكيانها ودورها الوظيفي في هذه المنطقة من العالم، حيث خاض حملته الانتخابية تحت شعار "التغيير" الموشى بـ "الاستطاعة"، فلا كان التغيير ولا كانت الاستطاعة. فأي سلام يسعى إليه أوباما؟.

بل هكذا.. من "عدم الاستطاعة"، ومن مضي الرئيس الأميركي في دروبها الضيقة، استحق نيل جائزة نوبل للسلام، على ما لم يفعله بعد، أو لم ينجزه أصلا بعد، لا في العراق ولا في أفغانستان، ولا حتى تجاه إيران أو كوريا الشمالية، فهو وإن لم يكُ ما زال في بداية الشوط، فلا يبدو أنه سيكون قادرا على تحسّس طرق الخروج من أنفاق النزوع الإمبراطوري الذي أدخل سلفه الرئيس جورج بوش الولايات المتحدة فيها، وها هو ما فتئ يتخبط وسط استراتيجيات خروج وانسحاب أو فوز أو انتصار، وهذه كلها لم تكتمل؛ لا في العراق ولا في أفغانستان أو باكستان، وعلى امتداد رقعة العالم، دون أن تظهر أي علامات على رؤية النور في نهاية النفق، أو الأنفاق التي أوشكت أو توشك على الانهيار، فأي سلام يسعى إليه أوباما وهو يزج بالمزيد من القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، ويتخلى عن مطالبته حكومة نتانياهو وقف الاستيطان، والاصطفاف إلى جانبها رفض أو قبول مفاوضات مشروطة، بدل هذه المناورة المكشوفة والمفضوحة لتجميد مؤقت لا يمتلك روادعه المفترضة على الأرض؟.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه