الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - ننحت في حجر .. هذا هو مجدنا !

رضا الظاهر

2009 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تأملات

ننحت في حجر ..
هذا هو مجدنا !

بينما يتفاقم صراع السلطة والامتيازات، يسعى متنفذون الى طمس حقائق وتشويه أخرى. ولعل من بين أكثر المفاهيم تعرضاً للطمس والتشويه مفهوم الأغلبية والأقلية. فهذه القوى المتنفذة، وانسجاماً مع نهجها في تأبيد الراهن، تسعى الى الايهام بأن حقائق الواقع ثابتة لا تتغير، وأن الحياة واقفة في الزمن، وبالتالي فان الأغلبية ستظل أغلبية أبد الدهر، والأقلية ستظل أقلية أبد الدهر. غير أن أي عاقل يدرك خطل هذا الزعم، لأن الحياة، ببساطة، لا يمكن أن تقف في الزمن، وبالتالي فان موازين القوى الاجتماعية والسياسية، شأن الواقع ذاته، في تبدل دائم.

ولسنا هنا في معرض العودة الى القرآن الكريم لنقرأ فيه" "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ..."، إنما نتحدث عن حقيقة أن الزمان لا يثبت على حال: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" كما جاء في الكتاب العزيز.
أما ذلك "الانقلاب التشريعي"، متمثلاً باقرار قانون الانتخابات الجائر، وهو ما لم يفاجئنا ولم يصدمنا، فلن يقوى على دفعنا الى اليأس، ذلك أننا نعرف ما يمكن أن تفعله القوى المتنفذة في سبيل الحفاظ على امتيازاتها، كما نعرف دافع ومغزى ودلالة هذا التراجع الخطير والمشين عن الديمقراطية من جانب من يسعون الى حصر الديمقراطية في احترام حقوق الأغلبية دون اعتبار لحقوق الأقلية.

فهذا الانقلاب هو تجسيد لنهج الاستحواذ على السلطة، وإقصاء وتهميش "الآخرين"، وحرمانهم من مشاركة فعالة، مثمرة، ونزيهة في البرلمان والحياة السياسية. وهو، قبل هذا وذاك، مرحلة جديدة في احتكار صنع القرار السياسي والتبرّم بالتعددية والتنوع.
وأما أولئك الذين يريدون أن نتوقف عن المسير فسنخيّب ظنهم .. لن نستسلم، فهذا ما يبتغون .. ولن نختار مقاطعة الانتخابات، كما يدعو متطرفون وعدميّون، لأن هذا الاختيار لن يعني سوى الخنوع والانعزال عن الناس والحياة.
لقد اخترنا التحدي ومقاومة تأبيد الراهن وثقافته السائدة، ونحن نعرف أن طريقنا مليئة بأشواك الجزر، وهي أشواك لا تستطيع أن تحجب زهور المد. وإذا ما هُزمنا في معركتنا، فاننا لن نلقي الرايات، ذلك أننا ناظرون الى نجوم، ومتطلعون الى أفق، وخائضون جولات وجولات في طريق يمتد أمامنا وفيه نغذّ المسير.

ونحن، كماركسيين، لا نرفض المساومات مسبقاً، بل نرى ضرورتها، ولا نتخذ موقفاً أحادي الجانب منها، وإنما نستوعب جدل المشاركة، لا اسقاط المقاطعة قسراً في أي ظرف كان. وفي هذا السياق ترى الماركسية أنه بدون نهوض ثوري شامل لا يمكن لمقاطعة الانتخابات أن تفلح في مقاومة حقيقية للنظام القديم وثقافته المهيمنة، وهو نهوض غير قائم في واقعنا الراهن.

واذا ما طرحنا شعار المقاطعة في غير أوانه فاننا سنضعف قوة تحريضنا، لأن المقاطعة تتحول، عندئذ، الى شعار انعزالي، ذلك أن الموقف السياسي السليم، الحريص على مصائر الشعب ومستقبل البلاد، ينطلق من استيعاب الواقع الموضوعي ومتطلباته في اللحظة التاريخية الحاسمة، لا من الصبيانية اليسارية والجمل الثورية الفارغة.
ومن ناحية أخرى فانه يتعين على المشاركة في الانتخابات والعمل من داخل البرلمان أن يكونا رافداً في التحريض لا عائقاً أمام أعمالنا الاقتحامية وسط الناس وفي طليعتهم، ونحن نستثمر السخط لتعزيز الأمل وتأجيج الكفاح من أجل الغايات السامية.

ومما لا ريب فيه أن هذه المشاركة توفر، من بين أمور أساسية أخرى، فرص الصلة الحية والحميمة بالناس، وتنويرهم بمعاناتهم، وتعزيز وعيهم وقدراتهم على التصويت للبرامج الأكثر تعبيراً عن مصالحهم وأشواقهم.
لن نقاطع الانتخابات، وسنعمل من داخل البرلمان حتى وإن كان رجعياً، لأننا لا يمكن أن نترك الملايين من المسحوقين والمحرومين ومغيّبي الارادة نهباً للظلمات ومؤبِّدي الراهن.

ومن ناحية أخرى فانه يتعين أن لا تكون لدينا أية أوهام بشأن مصاعب الكفاح. وإذا ما أقررنا حقيقة أننا مانزال أقلية، فان هذا الاقرار يجعلنا نرى، على نحو أسطع، تلك العبر الموحيات التي تقدمها لنا تجارب الحياة الغنية، وبينها سير الأنبياء ممن تعرضوا في كفاحهم الى معاناة لا نظير لها. ولعلنا نتذكر، في هذا السياق، ما رواه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: "قلت: يا رسول الله أي الناس أشد ابتلاءً ؟ قال: الأنبياء ...". وهل أبلغ مما أورده ابن القيم في (بدائع الفوائد) إذ قال: "الطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجِع للذبح اسماعيل، وبِيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم".
* * *
نمارس السخط والأمل، ونستثمر الاثنين، ونحن نقاوم الخنوع، ونواصل المسير مستظلّين بالرايات والينابيع ..

أيادينا بيضاء نمنحها للمحبين، وأوراقنا ناصعة مفعمة بالتحدي ..

الناس ماؤنا، و"من وثق بماء لم يظمأ"، قال الامام علي بن أبي طالب ..

نحن الأقلية، ننحت في حجر .. هذا هو مجدنا، وهل من مجدٍ أعظم !؟



طريق الشعب - 29/12/ 2009












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا للتكفير
جاسم الحلوائي ( 2009 / 12 / 29 - 15:03 )
الرفيق العزيز رضا الظاهر
المقالة بمجملها تعطي صورة سوداوية للوضع ولا تشجع انصار الحزب الشيوعي على المشاركة في الانتخابات لأن المقالة توحي سلفاً بنتيجة سلبية للحزب الشيوعي، وهو أمر من الصعب التنبؤ به مسبفا. ولست بصدد التوقف عند كل ما جاء في المقالة، وإنما سأتناول قضبة واحدة أعتبرها مهمة جداً.
فقد جاء في مقالك - ولن نختار مقاطعة الانتخابات، كما يدعو متطرفون وعدميّون، لأن هذا الاختيار لن يعني سوى الخنوع والانعزال عن الناس والحياة-.
لابد وأنك على علم بأن الرأي الداعي للمقاطعة موجود داخل الحزب أيضاً، وليس من الصحيح اعتبار الرفاق الذين يحملون هذا الرأي بأنهم متطرفون وعدمون وينبغي -تكفيرهم- فالنظام الداخلي للحزب ينص على -الاستماع الى الاراء المخالفة واحترامها والاستفادة منها-. إن من الضروري محاججة هؤلاء الرفاق ولكن ليس من الصحيح عدم احترام آرائهم.
إنني لست من دعاة مقاطعة الانتخابات وقد كتبت مفالة عنوانها -كل صوت أينما كان مهم لقائمة اتحاد الشعب- ولكنني لا أرى من الصواب قمع الاراء المخالفة لسياسة الحزب.
مع تقديري وفايق احترامي
جاسم الحلوائي


2 - دليل تعافي الحزب
سمير طبلة ( 2009 / 12 / 29 - 17:29 )
ان يتحاور رفاقه (والرائع أعلام فيه) علناً، وهذا مطلوب مِن كل مَن يعزّ عليه العراق وأهله. وإن كنت بالمطلق مع الرأي الغالب بضرورة المشاركة فإن الحياة زكت خطل قمع الآراء المخالفة لسياسته، بل وضرّرها الكبير على الحزب ذاته قبل الآخرين، دع عنك ((تكفيرهم)) ويا ستّار منها!
ولا سبيل لتحشيد مناضلي الحزب، وكل مناصريه ومناصري العراق، إلا الاقناع والمحاجّجة بالتي هي أحسن.
والاعتزاز بكل اجتهاد لتوسيع مواقع التيار الديمقراطي - وقلبه الحزب - في عراقنا المُبتلى اليوم.


3 - نهاية
slam ali ( 2009 / 12 / 29 - 17:47 )
يا استاذ جاسم انت تعرف ان سياسة عليهم ، سياسة التطابق والإقصاء في اي رأي تقوله القيادة وأنت كنت واحد منها هي التي حطمت الحزب وحولته الى حزب هامشي صغير ومنعزل ، مقالة الظاهر تأكيد على أستمرار هذا النهج وردك جاء بعد شهقة الموت فلا هناك دواء يحيي الرميم والميت ..ودمت


4 - لن يموت
جاسم الحلوائي ( 2009 / 12 / 29 - 19:22 )
الاستاذ سلام علي
صحيح أن الحزب الشيوعي العراقي ليس كبير في حجمه إلا أنه كبير بقيمه ونظافة يده وبأهدافه النبيلة. وما دام شغيلة اليد والفكر يطمحون إلى الحرية والعدالة والمساواة وأن الحزب لصيق بهم، فلا تتوقع موت الحزب. وخلال عمر الحزب الطويل توقع الكثيرون من خصومه والمرتدين موته، في فترات كبواته وانحسار نفوذه، ولكن كنت شاهدا على موتهم وبقاء الحزب. وأتمنى لك العمر المديد لتشاهد ذلك بنفسك، وغداً لناظره قريب.


5 - أختلاف الرأي من علامات الصحة والحيوية
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 12 / 30 - 06:39 )
الرفيق العزيز رضا الظاهر
الأختلاف لا يعني الخلاف والرأي المطالب بعدم المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها لا يعني بالضرورة أنهم (متطرفون وعدميّون،.)لأن وجهة نظرهم لها ما يبررها ويزكيها وتدل على نضج في دراسة الواقع فالعراقيون الذين لن يشاركوا في الانتخابات التضليلية يعدون بالملايين لأسباب متعددة في مقدمتها الشعور بالإحباط والنقمة على سياسة الحكومة الفاسدة التي لن يزكيها أي وطني مخلص غيور،وفي حالة مقاطعة الحزب لها سيكون له موقفه التاريخي الوطني لأن جل المشاركين فيها للحزب موقفه المعروف منهم بدليل عدم تحالفه معهم ،وبما أن حزبنا أختار المنازلة الكبرى وخوض المعركة علينا الإسهام الفاعل في هذه المعركة بالفاعلية المعروفة للمناضلين الشيوعيين وأن يكون للحزب مراجعته الذاتية لمجمل سياسته في التوافقات والتحالفات السابقة وأ، يعرف موطن قدميه ليتصرف بما يخدم مصالح العراقيين وعلينا في المقام الأول محاولة أعادة وحدة الحزب ودعوة الآخرين للإسهام في هذه المعركة التي لا تستهدف الحزب لوحده وإنما تستهدف الأسم الشيوعي ذاته وفي ذلك دفع للآخرين ليكونوا بمستوى المرحلة ليتخذوا الموقف المناسب في دعم حزبهم في معركته ا


6 - أكمال للسابق
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 12 / 30 - 06:41 )
أكمال للرد لأقتطاعه من الكنترول
وأنا الآن مع الرفيق الحلوائي في رأيه في ضرورة عدم التطير وفت العضد وأن ترتفع معنوياتنا بارتفاع قامتنا التي لم تحنيها المحن أو تقصمها الظروف،رغم أني لست مع المشاركة ومن المطالبين بمقاطعة الانتخابات وإعلان الحرب على كل مظاهر الفساد والتطرف التي أوصلت العراق الى هذه الهاوية المظلمة كما يعلم الرفيقين الحلوائي والحلفي مع محبتي وتقديري للجميع.


7 - المقاطعة ضارة جداً
سمير طبلة ( 2009 / 12 / 30 - 15:28 )
الى الأعزاء دعاة مقاطعة الانتخابات جميعاً
تُفهم تماماً مشاعركم، وأسباب الدعوة لمقاطعة الانتخابات، التي يُحتمل أن لا تغير نتائجها المعادلة السياسية الطائفية -الأثنية البائسة، وهي أهم أسباب كارثة عراقنا اليوم. ولكن لنفهم ايضاً ان كل مساعي القوى الأخرى هو إبقاء الوضع المأساوي الحالي، بل تكريسه، خدمة لمصالحها الأنانية.
ولاتحاد الشعب مصلحة واضحة، بلا أي غموض، مصلحة العراق وأهله، قولاً وعملاً وغايةً. وحمى الانتخابات فرصة ذهبية لـ ((الحرب على كل مظاهر الفساد والتطرف))، فلِمَ تفوّت بالمقاطعة؟ ولِمَ تترك الساحة لمن ((اوصل العراق الى هذه الهاوية المظلمة))؟ بل انها ساعة فضحه ومحاسبته، ودعوة الملايين لأخذ قضيتها العادلة بأياديها. وبالتالي فلا خيار سوى ((الاسهام الفاعل في هذه المعركة)).
فليس للعراق إلا مخلصيه، وقلبهم الشيوعيين!


8 - اقلية
محمد الخالدي ( 2009 / 12 / 30 - 17:15 )
استاذ جاسم ( الحزب كبير بقيمة ونظافة يده) هذه لا توكل خبز كما يقال محد يقول على ماءه انه عكر ..كل الأحزاب تمدح نفسها وانتم اساتذه في هذا الفن ، هل هي نظافة التصدي لملف كركوك من قبلكم ، تبعيتكم المطلقة للاحزاب القومية الكردية ، نزولكم بقوائم ضد محافظة الموصل ، رواتبكم والوظائف التي منحتها لكم الاحزاب الكردية هل كل هذا لوجه الله ، كذلك تنازلكم عن شهدائكم لجلال الطلباني وحزبه ..؟؟؟ هنا بعد ان عرف الناس هذه الفضيحة من خلال مقابلات مع انصاركم من الذين افرغتم الحزب منهم ومعهم ناسهم وأهلهم واصدقائهم أجد نفسي أقول ان الذي يخرجكم من الخارطة السياسة هم رفاقكم السابقون لانكم لم تحسنواالتعامل معهم ومع اخطائكم لهذا دارت الدوائر عليكم لتبقون أقلية لوثتها الأيام ..مع تحياتي


9 - افتتاحية لطريق الشعب
د. فلاح اسماعيل حاجم ( 2009 / 12 / 30 - 17:30 )
اعتقد ان مقال الرفيق رضا الظاهر يصلح لان يكون افتتاحية لطريق الشعب. كما ينبغي نشره على نطاق واسع. انه (المقال)، باعتقادي ينطلق بشكل واضح من القوانين التي وضعتها الماركسية والتي نهتدي بها الان، وينبغي ان تكون احد منطلقات عملنا وهي قانون وحدة وصراع الاضداد الذي تثبت الاحداث الجارية في العراق صحته وتزكيه بشكل ساطع. والقانون الذي ينظم العلاقة بين الكم والكيف (التحول الكمي الى كيفي). وفي جميع الاحوال فان ذلك لا يعني البته الغاء رأي الاخر او قمعه. تحية للرفيق الظاهر.

اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل