الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهاجرون المصريون والعرب في المجتمعات الغربية

نبيل يعقوب

2009 / 12 / 29
حقوق الانسان


ورقة مقدمة الي مؤتمر المواطنة الثاني



تعرض هذه الورقة افكارا أو ربما رؤوس اقلام عن البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية التي يحل فيها المهاجر الي اوروبا. وتعلق الورقة على سياسات الهجرة والاندماج، وعلى الصراع السياسي والفكري الدائر في اوروبا حول وجود المهاجرين وحقوقهم وتختتم بملاحظات حول سبيل المهاجر، وبخاصة المصري والعربي، للوصول الي المساواة والحرية الثقافية في مجتمع الهجرة.



التأثير السياسي والثقافي المتبادل
بين المهاجر ومجتمع الهجرة

1. مع الهجرة الدائمة وبفعل ثورة المعلوماتية تأخذ مجالات عمل السياسة الخارجية والسياسة الداخلية في التشابك والتداخل بشكل غير مسبوق: الهجرة بالمقاييس التي وصلت اليها في الحاضر تنتج وضعا يصبح فيه مواطنو دولة (أو منتمون لثقافات غير ثقافات البلد المٌستقبل) بما حملوه معهم من جذور ثقافية وسياسية وتجربة حياة، على تعدد اتجاهاتهم، جزءا مؤثرا في / ومتأثرا بالنظام السياسي والاجتماعي لدولة اخرى. تفعيل هذا الوضع لخدمة التفاعل الحضاري يتطلب مشاركة المهاجرين في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في بلد الاقامة. كما تترتب على هذا التطور الكيفي مهمات تتطلب تأهيلا ثقافيا خاصا للسياسة والادارة في بلاد المهجر من قمتها حتى مؤسساتها في المحليات. مثال صارخ على ذلك: ردود الفعل الرسمية المتباطئة، والقصور في تفهم المسؤولين في البداية للأبعاد السياسية لجريمة قتل المواطنة المصرية مروة الشربيني في ولاية ساكسن وعلى مستوى سياسة الحكومة الاتحادية. كل هذا يعكس خللا ملحوظا في ثقافة مستويات قيادية رسمية. وعلى العكس من هذا جاء رد فعل المجتمع المدني الالماني منذ انتشر الخبر حساسا وواضحا ومتضامنا.

2. تواجه المجتمعات في بلد المنشأ تأثيرات ثقافية متباينة آتية من الخارج، وتنشغل دول المنشأ ودول الهجرة بالتسائل عن حقيقة ولاء المهاجرين.
والواقع المعاصر يؤكد أن وقوع احداث تمس مصالح المهاجرين في دولة ما يمكن ان يثير ردود افعال ذات مردود اعلامي وسياسي ايضا في اوطانهم الاصلية ومن ثم يتخذ الحدث ابعادا عالمية (مقتل السيدة مروة الشربيني في مدينة درسدن). ومن ناحية مقابلة فان حدثا ما في بلاد المنشأ قد يضع المهاجرين في تناقض مع الاتجاهات السياسة السائدة في بلادهم الاصلية (معارضة كثرة من العراقيين في المهجر ضد احتلال جيش صدام للكويت). ويواجه المهاجرون العرب والمسلمون بردود افعال بسبب احداث لا يد لهم فيها كالهجمات الارهابية في 11 سبتمبر 2001 ومدريد ولندن. ويظل المهاجر ينظر اليه بوصفه صورة للمجتمع الآتي منه فتنشأ بناء على الدور الذي يشغله في المجتمع انطباعات واحكام ايجابية أو سلبية لدى مواطني المجتمع المضيف. المهاجر يمكن ان يكون جسرا فاعلا للتفاهم بين الثقافات بقدر تمثيله لقيم انسانية سامية استمدها من ثقافته، وبقدر انفتاحه على المجتمع المضيف واندماجه فيه.
وهناك امثلة عديدة نرى فيها مواطنين عديدين من اصول افريقية او آسيوية أو غيرها يعيشون في مدن اوروبا ويحفزون حساسية المجتمعات الاوروبية ازاء المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلاد منشئهم، ويسعون للتأثير على صانعي القرار السياسي للمساهمة في حل هذه المشاكل.
في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كانت مبادرات مواطني الجنوب الافريقي المقيمين في اوروبا من اجل مقاطعة دولة الابارتايد محركا لحركة تضامن عالمية واسعة شارك فيها مئات الآلاف من الاوروبيين، والعديد من المشاريع الراهنة لحماية البيئة في افريقيا وآسيا، ولحماية الاطفال والنساء من الاستغلال الذي تستفيد منه الاحتكارات الكبرى جاءت بمبادرات شارك فيها مهاجرون.
ولا ننسى الاثر السياسي لمشاركة المهاجرين مع المجتمع المدني في عواصم ومدن اوروبا ضد الحرب على العراق وغزة.
والملاحظ أن فعالية النشاط السياسي والثقافي للمهاجرين تتوقف على مدى اندماجهم في المجتمع، وتنسيقهم مع المجتمع المدني ومع مختلف الاثنيات، كما تتوقف على النجاح في اكتساب حقوق سياسية وثقافية تتيح لهم مجالات للحركة في المجتمع.
دون التنسيق والتضامن العابر للاثنيات والثقافات وبناء تحالفات واسعة تظل انشطة جمعيات المهاجرين محدودة الاثر خاصة في ظل الاجواء التي انتشرت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001.

من اشكاليات سياسات الاندماج

الاندماج .. أم الذوبان .. أم العزلة

1. في هذا التناول الذي يقتصر على الوضع في الدول الاوروبية وبخاصة المانيا نسجل أن دول غرب اوروبا والمانيا بالتحديد تأخرت كثيرا عن صياغة نظم وقواعد للحياة المشتركة بين المجتمع المضيف والمهاجرين في تطبيق سياسات ديمقراطية تضمن مشاركة المهاجرين في الحياة الثقافية والسياسية. وفي المانيا ظلت حكومات متعاقبة تنكر واقع الهجرة وما جلبته لالمانيا من تعددية اثنية وثقافية. هذا الانكار جعل الدولة تحجم عن وضع خطط للتعايش المشترك بين مكونات السكان. وخلال فترة زمنية تصل الي اربعين عاما ولدت اجيال جديدة من اصول اجنبية تعرف بلد الاقامة وتتحدث لغته افضل من بلد الآباء والامهات ولكنها تعامل بمقتضى قانون الأجانب. ولا يمكن تصور الاقتصاد في بلدان الاتحاد الاوروبي بدون اسهام عشرات الملايين من المهاجرين وابنائهم في مختلف فروع الاقتصاد القومي والثقافة (في البحث العلمي والانتاج والخدمات والتعليم والفن).
ولا زالت بلدان غرب وشمال اوروبا وبخاصة المانيا التي تعاني من انكماش سكاني تحتاج حسب التقديرات العلمية لمئات الألاف من المهاجرين الشباب سنويا. ولكن الاحزاب الكبيرة المتعاقبة في الحكم سنت قوانين واقرت اجراءات حمائية تحد من الهجرة وتسعى لقصرها على اصحاب الكفاءات العالية خاصة في مجالات البحث العلمي والطب وتكنولوجيا. وبشكل دوري مع كل انتخابات عامة او في الولايات تلجأ احزاب المحافظين لاجتذاب اصوات اليمين بدعايات شعبوية تبث الخوف من المهاجرين وتزيد بذلك من الاحتقان المتنامي خاصة تجاه العرب والمسلمين.
2. في مواجهة الواقع الديموغرافي والاجتماعي – السياسي المتغير طبقت دول اوروبا سياسات مختلفة تفاوتت في درجة انفتاحها على المهاجرين وفي درجة الاعتراف بحقوق اجتماعية وثقافية وسياسية لهم. ونجح عدد من بلدان اوروبا مثل السويد والنرويج وهولندا في تطبيق سياسات اندماج ديمقراطية تتيح درجة عالية من مشاركة المهاجرين في الحياة الثقافية والسياسية ومنها المشاركة في الانتخابات المحلية وتولي مناصب مسؤولة في مؤسسات المجتمع (وعلى سبيل المثال انتخبت مدينة روتردام الهولندية مواطنا مهاجرا يحمل الجنسيتين التونسية والهولندية محافظا للمدينة).

3. في المانيا وبعد صراع سياسي طويل بين الاحزاب تحقق الاعتراف بالواقع الاثني والثقافي في التركيب السكاني (20 بالمائة من سكان المانيا من المهاجرين أو ابنائهم) و 40 بالمائة من الاطفال والتلاميذ في غرب المانيا من عائلات مهاجرة او مختلطة. وصدر قانون الجنسية الجديد (2000) وقانون الهجرة الجديد (2005) وتحققت تطورات ايجابية تتمثل في في "قمم الاندماج" التي عقدتها المستشارة الالمانية مع عدد من ممثلي المهاجرين اصدر "الخطة القومية للاندماج" وتتضمن توصيات ايجابية ومنها تحسين فرص تعليم اللغة ولكن منظمات المهاجرين انتقدت غياب قضية المشاركة السياسية في الخطة. مع ذلك فان الاعتراف الرسمي بأن المانيا بلد هجرة أضفى جوا ايجابيا على الحوار المجتمعي الدائر حول سياسات الاندماج.

ولكن الأمر لم يحسم بعد لانه لا يوجد اتفاق مستقر على تعريف ما هو الاندماج. وكثيرا ما يجري الحديث عن الاندماج بينما يكون المقصود هو الانصهار أو الذوبان. مثال ذلك دعوة قيادات المحافظين للالتزام بما يسمى "الثقافة الرائدة" التي تنص عليها برامج احزاب الاتحاد المسيحي. ولكن هذا الشعار ترفضه بقية الاحزاب الديمقراطية والنخبة المثقفة والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والمهاجرين والتي تعتبر التعددية الثقافية وحرية االاختيار الثقافي للانسان حقا انسانيا أساسيا وشرطا للديمقراطية. وقد نجحت المعارضة المجتمعية الواسعة في التأثير على صانعي القرار بحيث تنص العديد من الوثائق المتعلقة بسياسات الاندماج على انه لا يعني الذوبان ولا التخلي عن ثقافة المنشأ.

4. تتطلب صياغة مضمون "خطط الاندماج" أو "قواعد الحياة المشتركة" أو ببساطة "التعايش" اعتماد المبادئ الديمقراطية. ولا جدال في أن دستور دولة الاقامة هو الاساس المنظم للحياة المشتركة لكل السكان. ولكن ضعف تمثيل المهاجرين في البرلمانات على المستوي الاتحادي وفي المقاطعات وعلى المستوى المحلي، وفي قيادات الاحزاب والنقابات والهيئات الثقافية يجعل صوتهم شبه غائب. وبذا تظل العديد من الحقوق الديمقراطية بالنسبة لهم بعيدة المنال. وكما ظلت الحركة النسائية الاوروبية التي نشأت قبل نحو 230 سنة تطالب بالمساواة في الحقوق ولم تحقق تقدما مهما الا بعد نجاح الحركة النسائية في الحصول على حق الانتخاب، لن تتحقق المساواة للمهاجرين (ومنهم من لا زال اجنبيا من الناحية القانونية) الا اذا اكتسبوا حق المشاركة في الانتخابات، كما هو الحال في 18 دولة اوروبية. لهذا تطالب اتحادات المهاجرين في المانيا وتساندها في ذلك كافة الاحزاب الممثلة في البوندستاج باستثناء حزبي الاتحاد المسيحي اصدار قانون يمنح الاجانب حق المشاركة في النتخابات المحلية.
5. تحركت السياسة الالمانية خلال العامين الماضيين في الاتجاه الذي تسلكه العديد من دول الاتحاد الاوروبي بالتقارب مع المسلمين. وجاءت مبادرة الحكومة الاتحادية الالمانية لأول مرة بعقد "مؤتمر الاسلام" بمشاركة ممثلي اتحادات وشخصيات اسلامية لمهاجرين لتطلق عملية حوار مثلت أعترافا بالاسلام والمسلمين بعد سنوات طويلة اتسمت "بالكلام عن المسلمين وليس معهم".
وقد عكس مؤتمر الاسلام تمايزا واضحا في مواقف المشاركين. الا انه مهد الطريق للتجاوب مع مطلب تضمين البرامج التعليمية تدريس الدين الاسلامي ولا شك ان المؤتمر كان له اثره في اعلان الجهات الرسمية مواقف معارضة لحملة اليمين المتطرف على مشاريع بناء جوامع.


لا الدين ولا المنشأ القومي ..
ما يفرق بين الناس هي الاوضاع الاجتماعية

1. المجتمع متعدد الثقافات القائم فعلا في الواقع ينكر وجوده التيار المحافظ صاحب الوجود النافذ في الاعلام، ولا يمل المحافظون اليمينيون من تكرار ان المجتمع متعدد الثقافات ليس سوى حلما طوباويا ويتهمونه بانه "يمثل خطرا على كيان الامة وثقافتها وقيمها". منذ سنوات نقرأ ونسمع من سياسيين محافظين ومن كاتبات وكتاب من اكثرهم رواجا من ينحدرمن اصل اجنبي مثل بسام طيبي السوري الاصل ونيكلا كيليك تركية الاصل معزوفة "فشل الاندماج". وبدون الاستناد الي ابحاث علمية جادة لحياة المهاجرين يعمم هؤلاء الكتاب واقع مجموعات اثنية ودينية صغيرة من العرب والاتراك من اصول ريفية جاءت الى اوروبا حاملة معها نمط حياة القرية وتقاليدها على جميع العرب والاتراك والمسلمين. فيوجه اللوم لهم بدعوى انهم يعيشون في "مجتمعات موازية" ويصورون كخطر وبؤرة لتفريخ العنف والارهاب. ولا تمل الصحف من الحديث عن "جرائم الشرف" وتسن قوانين للحيلولة ضد "الزواج القسري" فتنشأ صورة نمطية مهينة عن ثلاثة ملايين من الاتراك يمثلون الغالبية العظمى من المسلمين في المانيا. كتب الصحفي ابرهارد زايدل: "نجح الاعلام في ان يحفر في رؤوس الناس صورة لعالم مزدوج مكون من "الغرباء" من جهة ومن "نحن" في الجهة الاخرى".

وكما تشرح دراسة حديثة لبروفيسور فيلهلم هايتماير وفريقه العلمي فان الازمة المالية والاقتصادية تدفع للبحث عن "كبش فداء" وهو يتمثل في العادة في الفقراء، كما أن جو الازمة يضير بالتضامن بين مكونات المجتمع، ويولد العنف والكراهية.
سبقت نشر البحث المشار اليه "هوجة" اعلامية اطلقها "تيلو سارازين"، احد ممثلي النيوليبرالية الفجة، والمعروف بتحميله الفقراء الالمان والعاطلين عن العمل المسؤولية عن مصيرهم، بحديث له في مجلة Lettre International عرض فيه رؤيته لاسباب تردي أزمة السياسات الاجتماعية للدولة، والتي وجدها الآن بالنص في المهاجرين (الاتراك "وخاصة العرب").. "الذين يعيشون على حساب الدولة ... ويواصلون على الدوام انتاج بنات محجبات". هذا الحديث العنصري ووجه بنقد شديد من شخصيات رسمية وسياسيين من مختلف الكتل البرلمانية ومن الاعلام ومن اتحادات الاتراك والاجانب ولكن استطلاعات رأي اعلنت ان نصف السكان يؤيدون اقوال سارازين!
منذ أن بدأ نموذج "الدولة الاجتماعية" في الافول يسعى التيار القومي اليميني في المجتمع لصبغ التناقضات الاجتماعية بطابع اثني، وهو يحقق بذلك نجاحا في زيادة الاستقطاب.

2. دراسة "عالم المهاجرات والمهاجرين"
Lebenswelten von Migrantinnen und Migranten(انظر المصدر 4)
بحثت هذه الدراسة احوال عدة فئات من السكان منتهجة دراسة الوضع الاجتماعي ونمط حياة كل فئة وتوجهاتها الاساسية. ولم تعتمد هذه الدراسة على تقسيم السكان بناء على المنشأ القومي او الدين كما دأبت التقارير التي استندت اليها لسنوات جهات حكومية وكذلك الاعلام. ومن النتائج التي توصلت اليها والتي اعتبرها بعض المعلقين "مفاجئة" ان ما يفرق بين مجموعات السكان ليس الأصل العرقي او الدين بل الاوضاع الاجتماعية. كذلك توصل البحث لان الغالبية العظمى من المهاجرين على اختلاف اصولهم وثقافاتهم يبدون استعدادا كبيرا للاندماج في المجتمع الالماني، وأن 84% منهم يرون ضرورة فصل الدين عن الدولة، ويعتبرون ان الدين مسألة خاصة، كما توصلت الي ان المجموعات التي تختار العزلة عن المجتمع بسبب توجهات تقليدية واصولية تمثل 7 بالمائة من المهاجرين وهي نسبة تناقض الصورة المبالغ فيها في الاعلام. وتوصلت الدراسة الي أن غالبية المهاجرين لديهم استعدادا كبيرا للاندماج، والمشكلة في نظرهم تكمن في تردد المجتمع في قبولهم.
هنا ينبغي ان نذكر ان كثرة من الابحاث العلمية قد اجرتها الجامعات ومؤسسات بحثية جادة في السنوات الماضية تضمنت نقدا شديدا للمنهج المؤسس للسياسات الحكومية تجاه المهاجرين وللصور النمطية لتي روجها الاعلام عنهم.

البحث الهام الذي نشرنه مؤسسة جالوب 2009 يؤكد ما جاء في الدراسة التي تناولناها بالتعليق ويتوصل الي ان المخاوف من "عدم ولاء" المهاجرين المسلمين للبلدان التي يقيمون فيها لا يسندها توجه الغالبية العظمي من المسلمين في بريطانيا والمانيا وفرنسا. بل يسجل البحث ان غالبية المسلمين تؤيد النظام الديمقراطي وأن اكثر من 70 بالمائة من المستطلعة آراءهم تثق في نزاهة النظام القضائي في دول الاقامة مقابل 42 بالمائة فقط من السكان الاصليين.(انظر المصدر 8)

3. تطبيق النظرة الاستشراقية القديمة على الداخل: الاتجاه المحافظ في الاعلام الالماني (والفرنسي والامريكي .. والغربي عموما) يطبق "نظرة استشراقية" على داخل المجتمع الخاص مثلما يطبق هذه النظرة على العالم الثالث عموما. وبنظرة سريعة لمعارضي النهج السائد ومقاومية نلمح وجه المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد الذي يرجع اليه الفضل بكتابه "الاستشراق" في الكشف عن هذه النظرة الاستشراقية، وجذورها المعرفية، وارتباطها العضوي بمصالح القوى السياسية السائدة ووظيفتها الفكرية والسياسية. وكما كشف ادوارد سعيد كيف ان مفكرين غربيين "اخترعوا" شرقا يناسب ما ترمي اليه السياسات السائدة تجاه عالم اعتبروه "آخرا".. و"عدوا" يكشف تلاميذ ادوارد سعيد الاوروبيين كيف تخترع النخب السائدة صورة "للمهاجرين" تناسب خطط السياسة بغض النظر عن الواقع

العنصرية والتمييز

تقارير عديدة للاتحاد الاوروبي ومنها مؤسسة الاتحاد الاوروبي للحقوق الاساسية (انظر المصدر 7) European Union Agency for Fundamental Rights (FRA) تورد معلومات مستفيضة عن ظاهرة العنصرية والعداء للاسلام. وتنفذ منظمات حكومية و منظمات المجتمع المدني في العديد من الدول الاوروبية بدعم رسمي برامج لمكافحة العنصرية. ويعد حوار الاديان احد هذه الانشطة وهدفه مكافحة الاحكام المسبقة ونشر ثقافة التسامح. وتشارك الكنائس والمراكز الاسلامية في العديد من المدن في هذه الحوارات.
ولكن اليمين القومي المتطرف وبعض دوائر المثقفين والمحافظين "الشعبوين" يستغلون التوجهات السطحية والانانية لدى فئات سكانية خاصة في زمن الازمة الاقتصادية والمخاوف التي تبثها لتثبيت صورة للاسلام كقوة معادية ومصدر للعنف والكراهية. وتستند اجهزتهم الاعلامية الي فيض من "الادلة" مثل الحصاد الدامي للصراع المذهبي بين الشيعة والسنة في العراق، والصراعات بين اتباع اديان مختلفة في دول افريقية، وسياسات الحكومة السودانية، وتطبيق الحدود في السعودية، وأخبار عن التمييز ضد المسيحيين في عدد من البلدان العربية ومنها مصر.
وللاحساس بالاهانة التي يوجهها العنصريون للمسلمين في المجتمعات الاوروبية اقتطف هنا بعض الشعارات التي تتردد منذ زمن وازدهر حاليا على بعض مواقع الانترنت اليمينية.

 "المشكلة ليست في الجامع بل في الاسلام"- رالف جيوردانو كاتب تزعم حملة رفض بناء جامع في كولونيا
 "المئذنة ليست رمزا دينيا بل هي الاعلان عن المطالبة بالسلطة "Machtanspruch – رئيس حزب الشعب السويسري
 "وجود المسلمين في اوروبا هو مظهر للفتح الاسلامي المعاصر "Landnahme – شعار متكرر في دعايات اليمين المتطرف

وتوجد في الواقع الاوروبي عوامل تحبط العمل ضد العنصرية المعادية للاسلام وكثيرا ما تعود به خطوات للوراء.
وتؤدي بعض الاعمال غير المسؤولة التي تقوم بها اقلية ضئيلة لعزل المسلمين عن المجتمع واثارة الريبة تجاههم. أمثلة على ذلك:

1. ترويج بعض "الدعاة" لأفكار اصولية متشددة والادعاء بأنها صحيح الاسلام. من هذه الافكار القول في محاضرة عامة بأن الاسلام والديمقراطية لا يتفقان وان المسلمين في المانيا يقبلون الديمقراطية لأمد محدود الي يصبحوا اغلبية. وقد جمع المسلمون في مدينة لايبزج توقيعات ضد احد هؤلاء الدعاة متهمينه بالاساءة للاسلام.
2. تكفير المجتمع العلماني رغم انه يتيح الحرية الدينية.
3. تحذير جماعات اسلامية في اوروبا لانصارها من تهنئة المسيحيين "المشركين" في اعيادهم. بل وتحذيرهم من شراء سلع من "دكاكين النصارى".
4. القول بأن كل اختلاط بين تلميذات وتلاميذ المدارس (التواجد المشارك في الصفوف الدراسية) غير جائز شرعا.

يتضمن تقرير "التمييز في الحياة اليومية" (المصدر 6) معلومات هامة عن "التمييز بسبب الدين او العقيدة (الفكرية):
يقول التقرير:
"سرعان ما ينحصر التمييز بسبب الدين او العقيدة الفكرية غالبا في موضوع الدين وبالتحديد في الاسلام وصورته السلبية الراهنة، والاشكال الاخرى من العقائد الفكرية لا تلعب دورا. وهذا يعني ان مجرد ذكر كلمة "الدين" تدفع المتلقي فورا الي التفكير في "الاسلام". وكثير من الناس يربطونه تلقائيا ب " الاصولية" الدينية. ومنه يتوقع المرء بالدرجة الاولى عنفا و"ارهابا" Page 135:

ونجد في اوروبا الغربية باستثناء مناطق محددة واقعا ثقافيا تاريخيا يؤثر على كافة الاوساط الاجتماعية وينعكس في عدم الترحيب بالمظاهر الدينية المعلنة والتي ينظر اليها كتعبير يقترب من "الاصولية" والتعصب.
***
منذ مأساة المرحومة مروة الشربيني تتدارس قوى المجتمع المدني الوسائل الفعالة لاطلاق عمل تنويري واسع في المناطق السكانية التي تعد بؤرا للمشاكل. وقد أقر برلمان مدينة درسدن بعد مفاوضات بين منظمات المجتمع المدني وادارة المدينة في شهر اكتوبر 2009 برنامج عمل لمكافحة العنصرية والعداء للاسلام والعداء للسامية ومن اجل نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر. وتدعم العديد من المقاطعات الالمانية والحكومة الاتحادية برامج لمكافحة العنف والتطرف اليميني والعنصرية.
وفي تقديري ان ما يتحقق من انشطة لا يكفي لانه بدون انخراط المهاجرين بكثافة في هذه المعركة تظل الحركة تشبع محاولة السير بقدم واحدة!

من اجل مشاركة فعالة للمهاجرين المصريين والعرب في الحركة من اجل المساواة في الحقوق

من مصلحة المهاجرين كافة اكتساب حقوق ديمقراطية في مجتمع الهجرة. من مصلحتهم ان يكون لهم صوت مسموع في المجتمع وان يكون للمواطنين من اصول اجنبية حق الانتخاب وتمثيل برلماني مناسب من خلال نشاطهم في الاحزاب الديمقراطية والنقابات والاتحادات المهنية والجمعيات الثقافية. من مصلحة شعوب العالم الثالث ومن مصلحة السلام العالمي والتفاهم بين الشعوب ان تنتقل خبرة ابنائهم وبناتهم من المهاجرين الي ساحات البرلمانات.
لا شك ان التوصل لهذه الاهداف سيحتاج زمنا طويلا وجهودا مضنية. ولا بد من البدء بعمل حثيث للتواصل مع المجتمع. نحن نطالب المجتمعات الاوروبية بفهم ثقافتنا وهموم شعوبنا .. سيكون هذا اسهل عندما نجهد انفسنا لفهم المجتمعات الاوروبية وهموم شعوبها. وعلى اجهزة الحكم ان تشجع مشاركة المصريين في النشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي في مجتمعات الهجرة. بدون ذلك سنجد اسماء بارزة لافراد نعتز بنجاحاتهم في مجالات العلم والاقتصاد ولكننا لن نجد معبرا عن الهموم ولالمصالح المشتركة لمهاجرينا.

في اعتقادي اننا بحاجة شديدة لمواطنينا من المثقفين البارزين ليأتوا للمساعدة على انشاء عمل ثقافي موجه لكل من مواطنينا وللمجتمعات الاوروبية.

وحبذا لو انشأت مصر مؤسسة ثقافية عالمية تسهم في حمل الثقافة المصرية والعربية المستنيرة الي اركان العالم.

درسدن، 20 ديسمبر 2009


اعتمد في هذه الورقة الموجزة على المصادر التالية:
1. المتابعة اليومية الشخصية لاحوال المهاجرين وعبر الاعلام
2. المعلومات التي تنشرها المجالس الاستشارية للاجانب في عدد من المدن الكبرى (وهي مشكلة من مندوبين منتخبين من الاجانب الي جانب برلمانيين ومهمتها اسداء المشورة لمجالس الحكم المحلي في المدن)
3. مجموعة من التقارير الصادرة عن المفوضين بشئون الاجانب على المستوى الاتحادي والولايات والمدن في المانيا
4. دراسة مؤسسة الابحاث Socio Vision-Heidelberg
عالم المهاجرات والمهاجرين Lebenswelten von Migrantinnen und Migranten (وهي من اوائل الدراسات في المانيا التي لا تعتمد تقسيم البشر حسب بلد المنشأ او الدين، بل تدرس الاحوال الاجتماعية والتعليمية والتوجهات الثقافية لمجموعات السكان). الدراسة منشورة على: http://www.bpb.de/publikationen/KTORL9.html und Zeitgeschichte -APuZ 5/2009) (Aus Politik
5. دراسة جامعة بيليفيلد "العداء الموجه لمجموعات من البشر في مقاطعة ساكسن" Dr. Anja Stichs: Expertise- Gruppenbezogene Menschenfeindlichkeit in Sachsen (2002 – 2005), 2006
6. تقرير "التمييز في الحياة اليومية". اصدار المكتب الاتحادي لمناهضة التمييز – برلين (باللغتين الالمانية والانجليزية) 2009
Antidiskriminierungsstelle des Bundes- Berlin http://www.antidiskriminierungsstelle.de
Research Project Discrimination in Everyday Life - Perceptions of Discrimination and Anti-Discrimination Policy in our Society
7. تقارير مؤسسة الاتحاد الاوروبي للحقوق الاساسية European Union Agency for Fundamental Rights (FRA)
وهي منشورة على الانترنت http://fra.europa.eu/eu-midis وبخاصة
European Union Minorities and Discrimination Survey- English 2009 Focus Report | Muslims
8. دراسة جالوب فاونديشن Gallup Foundation عن التوجهات الاساسية للمهاجرين المسلمين ازاء المجتمعات التي يعيشون فيها (المانيا وبريطانيا وفرنسا) The Gallup Coexist Index 2009: A Global Study of Interfaith Relations
http://www.muslimwestfacts.com/mwf/File/122729/Gallup-Coexist-Index-2009.aspx
9. نبيل يعقوب، العرب في اوروبا - حالة المانيا. منشورفي التقرير السنوي (حال الامة العربية – بيروت 1998)










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المهاجرون المصريون والعرب في الجتمعات الغربية
مالك الحزين ( 2009 / 12 / 29 - 11:14 )
وبخاصة المصري والعربي
ومن أجل مشاركة فعالة للمهاجرين المصريين والعرب
وحبذا لو أنشأت مصر مؤسسة ثقافية عالمية تسهم في حمل الثقافية المصرية والعربية.
كلام صاحب المقال كله عنصرية وعنجهية وكأن مصر ليست دولة عربية.
أليس إسم مصر حسب الدستور المصري هو ؟ الجمهورية العربية المتحدة ,أاليست الجامعة العربية البريطانية الصهيونية الصنع في الجمهورية العربية المتحدة,أليس الأمين العام للجامعة العربية الصهيونية دائما ينتمي للجمهورية العربية المتحدة.
إذا كنت تشعر أن أصلك وجذورك فرعونية من منبع النيل في كينيا وتانزانتا وأوغندا فلك الحق أن تفتخر بذلك دون غمز أو لمز.لك الحق كذلك أن تقول أن الحضارة الفرعونية إفريقية زنجية المنبت كما نادى بها الشيخ أنتا ديوب وكثير من علماء الآثار وإن كان أكثرهم يرجعها إلى إثيوبا التي علمتكم الختان. .


2 - أحزاب اليمين لن تسمح بأندماج سياسي
عراقي..أمستردام ( 2009 / 12 / 30 - 01:44 )
مقال رائع ..شكرنا للكاتب على هذا التحليل الدقيق لقضية المهاجرين في الغرب ..أود أن أضيف أن أنتباه الغرب لموضوع ديموغرافية القاره ووضع قوانين تقيد المهاجرين المقيمين منذ عشرات السنين لم تشمل المسلمين فقط وأنما أيضاً المسيحيين من أصول أخرى في الوقت الذي تفتح دول الشنغن أبوابها أمام الصرب والمقدونيين ليدخلوا دون تأشيره نجدها تضيق على أجيال ولدت ودرست وتحمل ثقافة دولة المولد وليست ثقافة الأب العربي أو التركي ..الملاحظ يتبين له حالة التخبط في التعاطي مع المهاجرين ووجود أختلافات بين دول الأتحاد الأوربي بهذا الخصوص ..أزدياد شعبية الأحزاب اليمينيه المتطرفه دليل رفض المواطن الأوربي لوجود المهاجرين على أختلاف أديانهم وأصولهم لأنهم يشاركونهم فرص العمل وجميع الحقوق المكفوله دستورياً ..
شكرنا وتقديرنا لطرحك الجميل.

اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة