الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضاءة لماض أنتج الحاضر

بدر الدين شنن

2009 / 12 / 31
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ليس تكراراً ، وإنما تأكيداً لحقائق ، يحاول البعض إخفاءها تحت رماد النسيان والقهر والجمر . وعلى خلفية تلك الحقائق يمكننا البناء لمعرفة الحاضر القادم من الماضي ..

في شباط 1954 كانت البداية . حيث تمكنت القوى الوطنية بالتحالف مع تكتلات عسكرية مناوئة للديكتاتورية ، أن تطيح بثالث ديكتاتورية عرفتها سوريا مابعد الاستقلال مابين 1949 و1952 ، وأن تؤسس لمرحلة ديمقراطية ، كانت رغم شوائبها ، هي الأرقى بين عهود لاحقة زعمت أنها ديمقراطية ، أو هي بصدد الدمقرطة المرحلية المتدرجة . فقد احتوى المشهد السياسي السوري مابين الانتخابات البرلمانية في 14 آب 1954 وقيام الوحدة السةرية المصرية في شباط 1958 ، احتوى تعددية حزبية سياسية ، أعطت البرلمان روحاً وحيوية ، عبرت عنها التفاعلات الصراعية السلبية والايجابية ، بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها ، وأعطت الشعب حراكاً سياسياً نشطاً متمثلاً بالانتماء الحزبي السياسي الحر ، وفي التعبير عن الرأي المعارض والمؤيد ، الذي تجلى بشكل رئيسي ، في مناقشات البرلمان وفي الصحافة المتعددة الخلفيات الحزبية والمستقلة ، وأعطت الإنسان السوري ، رغم زخم الصراعات الدولية على سوريا للهيمنة عليها والالتفاف على ا ستقلالها الوطني ، وأبرزها حلف بغداد ، الذي كان مؤلفاً من العراق الملكي وتركيا وإيران الشاه وباكستان وفرنسا وبريطانيا كأعضاء مباشرين وأميركا وإ سرائيل كأعضاء غير مباشرين ، أعطته الثقة بالمستقبل ، ومنحته الرغيف دون غلاء أوعناء ، وسوق عمل مفتوح ، واقتصاد نشط مستقر . وجعلت من سوريا قلب العروبة النابض .. وقلعة للحرية .

وهذا ، رغم الإمكانيات المتواضعة مامكنها من الوقوف إلى جانب الشعب المصري الشقيق ضد العدوان الثلاثي 1956 الذي شنته عليه كل من بريطانيا وفرنسا وإ سرائيل .

وقد توج تلك المرحلة ظهور المقاومة الشعبية إبان العدوان الثلاثي على مصر ، التي انخرط فيها ، حسب الرقم شبه الرسمي ، نحو مائة ألف متطوع ، قدموا من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والطبقات الاجتماعية الشعبية . وعلى الرغم من وجود تيارات سياسية وقوى اجتماعية لاتخلو العلاقات فيما بينها من التناقضات في المسائل الاجتماعية والسياسية الداخلية ، فإن المقاومة الشعبية بقيت حتى تاريخ حلها مع قيام الوحدة السورية المصرية ، بقيت تمثل وحدة وطنية متراصة نصرة لمصر ، وتحدياً للحصار الاستعماري من كافة أطراف الوطن .

في تلك المرحلة لعبت ثلاثة عوامل دوراً رئيسياً حاسماً في تحقيق ما تم إنجازه على مستوى الحكم ، والعملية السياسية الداخلية والخارجية ، وعلى مستوى مواجهة التحديات المهددة للكيان الوطني .. تزامنت وتكاملت ، من خلال تقاطعات اللحظة التاريخية الإيجابية ، بالنسبة لمصالح لاعبي هذه العوامل . على مستوى الحكم شكل تحالف " التجمع القومي البرلماني " الذي ضم " الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الوطني وتكتل المستقلين بزعامة خالد العظم والتكتلات العسكرية التي أطاحت بالديكتاتور الشيشكلي " وقد شاع في الأوساط السياسية في حينه ، أن لجنة خماسية مؤلفة من قيادات هذا التجمع " خالد بكداش وأكرم الحوراني وصبري العسلي وخالد العظم واللواء عفيف البزري " هي مصدر القرار في البلاد . والعامل الثاني والهام ، كان القيم الديمقراطية ، التي نظمت التفاعلات السياسية الحادة ، التي كان أبرزها مايجري أحياناً بين الشيوعيين وجماعة الأخوان المسلمين . فعلى أي مستوى من الأنشطة السياسية .. التظاهرات .. حراك هيئات المجتمع المدني .. كان القاسم المشترك أو التتناقض البيني يدور ضمن في الأغلب ضمن الأصول الديمقراطية . وكان الشعب هو سيد الموقف في تحديد القواسم المشتركة ، أو الحكم في التناقضات البينية ، فقد رفع الشعب زعامات وقوى مغمورة وأسقط زعامات كانت تهيمن على البلاد في أزمنة سابقة . والعامل الثالث ، كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي ، الذي وقف بحزم ضد الحصار المفروض على سوريا وضد التهديد باجتياحها من الجهات الأربع وتقسيمها بين تركيا والعراق والأردن وعودة العرش الهاشمي إلى دمشق ، وكان أيضاً مع مصر التي بدأت تتبو أ دوراً قومياً تحررياً بارزاً ، لاسيما بعد تأميم قناة السويس وعدم الاستسلام أمام العدوان الاستعماري الصهيوني .

وقد شكل ذلك المناخ الذي أبرز القوى الديمقراطية واليسارية ، التي قادت تلك المرحلة وطبعتها بطابعها ، والذي لعب دوراً كبيراً في فهم مسألة الخيارات الاجتماعية السياسية المستقبلية ، حيث باتت الاشتراكية سمتاً مقبولاً ، إلى حد لابأس به ، على المستوى السياسي والثقاقي ، وباتت أيضاً حديثاً شعبياً مرحباً بها لضمان الاستقلال والحرية والمستقبل المعيشي الكريم . وقد عبر العدد الهائل من المواطنين الذين حضروا الحفل الذي أقامه الحزب الشيوعي عام 1955 ، بمناسبة مرور عام على انتخاب أمينه العام خالد بكداش نائباً في البرلمان ، عبر عن التحول الكبيرالذي بدأ يتبلور في المشهد السياسي السوري . إذ حضر هذا الحفل حسب تقديرات الحزب مائة ألف مواطن .. وقدرت صحف لم يسرها الحفل ، أن الحاضرين لم يتجاوزا الخمسين ألفاً .

ثم جاء العدوان الثلاثي على مصر 1956 والحصار الاستعماري الرجعي على سوريا 1957 ، ما أدى إلى نشوء حالة هي أقرب في تجلياتها إلى التحالف بين سوريا ومصر والاتحاد السوفياتي . فقد تدفقت الأسلحة السوفييتية والشرقية على مصر وسوريا . ودوى إنذار رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي للمعتدين على مصر ، لوقف عدوانهم والانسحاب فوراً ، وإلاّ فإن اللاتحاد الفياتي سيحقق ذلك بنفسه . كما دوى صوت الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية ضد كل من تسول له نفسه العدوان على سوريا .

في فترة الحصار على سوريا ، كان الصراع الداخلي يتجلى بين قوى التجمع القومي البرلماني ، التي وقفت ضد حلف بغداد الاستعماري الصهيوني ، وبين القوى خارج التجمع ، التي كان أهمها حزب الشعب والأخوان المسلمون . وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأوساط الاجتماعية والاقتصادية ، حيث برزت ثلاث تيارات سياسية تتصارع حول الخيارات المفتوحة أمام البلاد . التيار الأول ، كان يمثله الشيوعيون وأصدقاؤهم في أوساط العمال والفلاحين والمثقفين ، الذي كان لايخفي وجوب انحياز الدولة إلى الخيار الاجتماعي المعبر عن مصالح الطبقات الشعبية من خلال التطور الاقتصادي المبرمج . والتيار الثاني ، كان يمثله حزب البعث العربي الاشتراكي وقوى قومية أخرى ، الذي كان يخشى ، متوهماً ، من تنامي شعبية الشيوعيين ، ما سوف يؤدي إلى حصولهم على الأغلبية في البرلمان وتسلم مقاليد الحكم ، الأمر الذي دفعه في حينه إلى التصور أن ذلك سوف يعزله في الداخل ، وسوف يهدد مشروعه القومي الوحدوي . والتيار الثالث ، كان يمثله حزب الشعب والأوان المسلمون وقطاعات واسعة من البورجوازية التجارية وكبار الملاكين ، التي باتت نتيجة التخويف من " الشيوعية " تبحث عن مخرج يقيها مصير الخضوع لحكم " شيوعي " يتسلم فيه العمال معاملهم وممتلكاتهم . ولما فشلت مساعي قوى هذا التيار لجر سوريا إلى حلف بغداد ، كان لابد لها من التقاطع مع قوى التيار الثاني ، الذي بدأ يطرح الحل القومي ، أي الوحدة مع مصر ، بديلاً للديمقراطية ، وبديلاً للخيار الاجتماعي - الاشتراكي ، الذي قد يخرج عن السيطرة القومية - البوجوازية .

وقد انعكس هذا الصراع على الكتل العسكرية الداعمة للتجمع القومي البرلماني والحكم الديمقراطي ، وأدى بها إلى أن تأخذ زمام المبادرة بالاتجاه القومي - البورجوازي ، دون عداء للتيار الأول ، وقد تجلت تلك المبادرة بذهاب قادة الكتل العسكرية ، في الأيام الأولى من عام 158 إلى مصر ، حيث عقدوا اتفاق الوحدة السورية المصرية ، الذي ا شترط فيه عبد الناصر نقل أنموذج حكمه في مصر إلى سوريا . . وبدا المشهد السياسي السوري أنه يتجه ، بما يشبه الإجماع ، نحو الخيار الذي بلوره التياران الثاني والثالث ، ما أدى إلى ارتباك التيار الأول . فلا هو أيد " الوحدة مع مصر " .. الخيار القومي - البورجوازي ، ولاهو عارض هذا الخيار . وذلك دون أن يدعم موقفه نظرياً وسياسياً ، وخاصة فيما يتعلق بجدلية المسألة القومية والصراع الطبقي والديمقراطية ، حيث أتاح لخصومه ا ستخدام هذا الارتباك لصالحهم . وقد ضاعف هذا الارتباك غياب الأمين العام للحزب الشيوعي عن جلسة البرلمانالمخصصة للتصويت على اتفاقية الوحدة السورية المصرية .

هنا ينبغي مقاربة موقف البورجوازية وكبار الملاك من الديمقراطية ومن المسألة القومية ومن التحولات الاجتماعية . لقد تصادمت البورجوازية مع الديكتاتورية من أجل الديمقراطية ، ومن أجل سيادتها على الدولة لضمان مصالحها . وعندما وجدت بالأفق ماقد يهدد مصالحها الطبقية الضيقة ونفوذها السياسي ، خانت الديمقراطية وسلمت مقاليد الحكم لديكتاتورية أخرى ، حيث قبلت بشروط عبد الناصر بحل كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية كي يقبل بإقامة دولة واحدة تضم سوريا ومصر .

بعد أشهر قليلة على الوحدة السورية المصرية ، التي سميت ب" الجمهورية العربية المتحدة " أجاب أحمد قنبر " وزير الداخلية في حكومات حزب الشعب " في جلسة خاصة ، لماذا أيد حزب الشعب الوحدة مع مصر .. ألا خوف على سوريا من عبد الناصر ..؟ أجاب ، لقد أتينا بعبد الناصر حتى يخلصنا من الشيوعيين ولضمان مصالحنا .. وعندما نجد لدى عبد الناصر مايهدد هذه المصالح سوف نعيده إلى مصر .

بعد ثلاث سنوات ونيف في 28 أيلول 1961 ، تم إ سقاط دولة الوحدة ، وأعيد إلى مصر ، وعاد أحمد قنبر وزيراً للداخلية في حكومة الانفصال التي شكلها حزب الشعب برئاسة معروف الدواليبي .

كيف ولماذا حدث فصم الوحدة السورية المصرية .. وماهو الثمن الذي دفعه الحلم الديمقراطي و المشروع القومي واليسار السوري وخاصة " الحزب الشيوعي " .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط