الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلال سلمان والعروبة المقاومة

جورج كتن

2004 / 6 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الأستاذ طلال سلمان صاحب "السفير" صحافي كبير ومناضل قومي عربي وسياسي لبناني لا يجارى في خبرته وإطلاعه وأسلوبه الشيق المتدفق في التعبير عن آرائه ومواقفه. إلا أننا رأينا فيما نشر له تحت عنوان "مقاومة الاحتلال بالعروبة" في السفير بتاريخ 9 حزيران، أن حماسه للعروبة يقوده للانزلاق للدعوة لسياسة لا تستند إلى الوقائع الراهنة ولكن لأمنيات عن "عروبة مقاومة" تكاد تكون في المخيلة فقط.
من المؤكد قربه من الحقيقة في وصفه لأحوال العروبة الراهنة وهي حسب تعبيراته: الهوية العربية تكاد تندثر، والقومية هزمت، وفكرة الوحدة تهاوت مطعونة بحراب العروبيين، والجامعة العربية تسير للاندثار، والأمة محتلة بإرادتها وبأراضيها، والأنظمة تهافتت، والكيانات مشطرة ومقطعة، والشلل يضرب مراكز القرار، والفكر القومي في إجازة مفتوحة، والشعب أشتات مبعثرة معطل القدرة على الفعل والاعتراض بالقهر والفقر والجهل واليأس، والأحزاب والحركات القومية اندثرت في غياهب السلطة، ورفعت شعارات لتتقاتل تحت سقفها ولتمويه فردية الحاكم. وكل ما هو حولنا يكاد يكون حطاماً في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع.... ما يراه الأستاذ طلال سليماً ومعافى في العروبة أنه لم يكن لها في يوم ما مشكلة مع الأقليات القومية والدينية، وهو وصف يتناقض مع حروب أهلية وثورات وتمردات وتصفيات بالكيماوي وتعريب وتهجير قسري واضطهاد وقمع ينتهي في المنافي والهجرة بالملايين لأقليات قومية ودينية.
في حالة الخراب المأساوية للأوضاع العربية، في مخيلة الأستاذ طلال شيء آخر يجعله متفاءلاً، صورة عن عروبة صافية هي "تمام الوطنية بمعنى اكتمال الانتماء للأرض والتاريخ ووحدة المصير.. وتمام المقاومة بمعنى رفض الهيمنة الأجنبية.." هذه الصورة المتخيلة يسقطها على العراق حيث يرى أن الشعب استعاد وعيه وباشر المقاومة التي هي: "عربية بالضرورة حتى لو تصدى لإطلاق شرارتها سلفيون ومعممون يستندون إلى العشائرية أو استثارة الحمية بالعتبات المقدسة" كما يقول.
يتجاهل الأستاذ طلال آخرون تصدوا لإطلاق الشرارة الأولى، أنصار العهد السابق من بعثيين صداميين، لأنه سبق أن اعتبر صدام حسين، صنيعة المحتل وحليفه، وطاغية شطب شعبه منذ زمن. ورغم اعترافه بأن السلفيون والبنلادنيون هم ممن أطلق الشرارة الأولى، فإنه يصف جرائمهم بأنها "تكاد تبرر فظائع الاحتلال.. وهي ليست المقاومة في شيء.. بل هي مقاومة للمقاومة.. وإساءة للعرب والمسلمين". وخص السلفيين بأنهم متخلفون "بشعاراتهم الإسلامية التي تفرز المواطنين إلى مؤمنين وكفار" وهذا برأيه " أبشع مما يمكن أن يقدم عليه الاحتلال". وربما نستنتج أنه يقصد بالمثيرين للحمية بالعتبات المقدسة جماعة الصدر، الذين لم يوضح إن كانوا ممن يفرز المواطنين إلى مؤمنين وكفار، رغم أن هذه سياستهم الأولى، كما لم يتطرق لتعارضهم مع المرجعيات الأساسية للعتبات التي رأت أنه يمكن إزالة الاحتلال بالطرق السلمية، فلا داعي لإطلاق الشرارة الأولى إلا إذا كان ذلك لأغراض خاصة.
نعذر الأستاذ طلال لترك الأمور مبهمة بخصوص من يقاوم ولماذا يقاوم وكيف، ومن يستهدف بعملياته، وماذا يريد للعراق، وما هو أفضل حالياً، المقاومة السلمية أم المسلحة، وهل هناك شرارة ثانية أفضل ستطلق أو أطلقت... فإن خوضه في ذلك سيخرب الصورة الزاهية الآتية من المخيلة حول أن "العروبة هي تمام المقاومة" و"المقاومة هي فعل إيمان" و"العراق المقاوم عربي بالضرورة"، والتفصيل سيظهر أيضاً أن مديح أنظمة تدعم المقاومة، يتناقض مع ما يراه من أن"لا مقاومة بلا ديمقراطية" وعن أن "الفرق بين الطاغية المحلي وبين الاحتلال الأجنبي لا يستحق التضحية بالروح". وربما كان من مصلحة العروبة أن "المقاومة" ليست ملحقة بها بل بالصدامية وبالحالة الإسلامية المتخلفة، وإلا أضافت مثلبة جديدة أخرى لقائمة الحالة الكارثية للعروبة التي وصفها الأستاذ طلال.
وإذا كانت الصورة النقية "لمقاومة عربية" غير موجودة في العراق، فهل من الضروري إيجادها أصلاً؟
الأستاذ طلال يتجاهل العملية السياسية الجارية في العراق لأنها تتناقض مع "العروبة المقاومة"، رغم أنها عملية موثقة في قرارات لمجلس الأمن وخاصة قراره الأخير /1546/ الذي أكد بالإجماع على استقلال العراق وسيادته التامة ووحدته وإنهاء احتلاله، وحق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي والسيطرة على موارده المالية والطبيعية، والعمل لعراق اتحادي ديمقراطي تعددي موحد، والإقرار بوجود القوة متعددة الجنسية بموافقة الحكومة العراقية لاستعادة الاستقرار والأمن.
وهو قرار يتصرف حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للدعم والمساعدة في تنفيذ الجدول الزمني للعملية السياسية المأمولة:
1- انتهاء الاحتلال وسلطة الائتلاف وتولي حكومة مؤقتة ذات سيادة في 30 حزيران.
2- عقد مؤتمر وطني في تموز لاختيار مجلس استشاري وتشكيل لجنة انتخابية مستقلة.
3- إجراء انتخابات ديمقراطية مباشرة بنهاية كانون الثاني 2005 لجمعية وطنية تصيغ دستوراً دائماً.
4- تشكيل حكومة منتخبة حسب الدستور بحلول نهاية كانون الأول 2005.
حتى ذلك الوقت مسؤولية الحكومة العراقية كاملة على قواتها المسلحة مع شراكة أمنية مع القوة متعددة الجنسية محدودة المدة، إلى أن تتمكن الحكومة العراقية من تولي المسؤولية الكاملة عن صون الأمن، والمدة لا تتجاوز اكتمال العملية السياسية نهاية العام 2005 مع إمكانية إعادة النظر قبل ذلك بناء على طلب الحكومة العراقية.
رغم أن العروبة التي يتحدث باسمها الأستاذ طلال تؤكد دائماً على الشرعية الدولية وتنتقد المعايير المزدوجة لأميركا وإسرائيل خاصة في مجال المسألة الفلسطينية، فهو يفضل للعروبة المقاومة في العراق أن تتجاهل قرارات مجلس الأمن، مما يسهل اتهامها بازدواج المعايير والخروج على الشرعية الدولية، التي وصفت الأعمال المسلحة في العراق بالإرهاب، ودعت الدول الأعضاء لمنع الإرهابيين من المرور إلى العراق ولوقف تزويدهم بالمال والسلاح، ولم تستثن من ذلك أحداً بنلادني أو سلفي أو صدامي أو عروبي مقاوم، فهؤلاء جميعاً أصبحوا أعداء الشرعية الدولية، وربما يكون من العقلانية والمصلحة العراقية ألا يرفض العراق حليفاً هاماً مثل الشرعية الدولية يمد له يد المساعدة للنهوض وتجاوز ما تركه الطاغية من خراب في كل المجالات، ليصر على مقاومة بنلادنية سلفية متخلفة صدامية، يطلق عليها اسم "العروبة المقاومة" تيمناً.
لا شك أن إصرار الأستاذ طلال على "العروبة المقاومة"، الزائدة عن الحاجة، حالياً على الأقل، ينطلق من إيمان راسخ بالعروبة وبمصلحة الشعوب العربية، لكنه لو تمعن أكثر في الوقائع لوجد أن تعبيراته عن أن "العروبة في هذه اللحظة هي المقاومة" و"المقاومة هي ذروة الإيمان بالعروبة" ليست دقيقة، إنما في هذه اللحظة ذروة العمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان هو الطريق لانتشال العروبة من الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها والتي وصفها الأستاذ طلال جيداً في مداخلته.
فنجاح العملية السياسية الديمقراطية في العراق حسب الجدول الزمني المقرر، ربما يكون فيه بدء خلاص العروبة، وليتحقق ذلك فإن أهم عقبة يجب إزالتها هو حالة الانفلات الأمني التي تتسبب بها المنظمات الإرهابية والميليشيات غير الشرعية، وإذا كان الأستاذ طلال لا يثق بإجماع وإصرار الشرعية الدولية، فليسمح للعراق بسبعة أشهر على الأقل حتى نهاية كانون ثاني 2005 قبل أن يجيز إطلاق الشرارة الثانية للعروبة المقاومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2