الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمعولوجي .. وكيَّة واحدة لا تكفي لأورامنا الخبيثة

رنا جعفر ياسين

2010 / 1 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أي قدر من الحقيقة يستطيع عقل ان يتحمل ؟ و الى اي حد من الحقيقة يجرؤ عقل على المضي ؟
فريدريش نيتشه.

القمعولوجي , سيداتي سادتي هو علم كشف القمع , و في ثالوثنا التفاعلي المفترض ( المجتمع , الثقافة , الاعلام ) يلعب الاعلام دوراً فاعلا و ارتدادياً بين الفعل و رد الفعل , فمثلما يتاثر الاعلام بتفاصيل مجتمع ما و يعبر عنها , له ايضا القدرة على بث التقييمات الافتراضية المطلوب ترسيخها في تلك المجتمعات سواء انوجدت فيه ام رغبت عجلة التطور في ايجادها و تدعيمها من منطلق الحياة الافضل تحت لواء المدنية و الانسانية الحقة, و بارتباط وثيق جدا مع المحصلة النهائية لبلورة هذه المجتمعات و اقصد بها الثقافة.
يقول الشاعر محمد الماغوط : (فمي لاجئ على وجهي و لساني لاجئ على اسناني و قبعتي لاجئة على جبيني و ريشتي لاجئة على دفاتري و دفاتري لاجئة على حقيبتي و حقيبتي لاجئة على كتفي و كتفي لاجئ على اي جدار و ممنوع الدخول و الخروج لأي كان) . و ما هذه الصورة الشعرية المنسربة في جمل تتلاحق و تتنامى للارتطام بأي جدار او ممنوع غير قابل للنقاش او التدوال الا تأكيد منطقي على مدى تاثير واقع بيئة محمد الماغوط على منتجه الثقافي و بالتالي اعطت له صوته الاعلامي الصادح في محاربة احد اوجه القمع من وجهة نظره , و التي اكد معايشته لها في كل تفاصيل حياته ( بالسياط ازرع و بالسياط احصد و بالسياط آكل و بالسياط أشرب). فكان لاعلان رغباته الشعرية الممزوجة بشغف التحرر من سلطة الرقيب مداها عند الاخر ففتحت له ابواب القلوب النائمة على قارعات الالم مثلما فتحت له ابواب الزنزانات...
و لكن هل تغير شيء؟
منذ جيلنا الاول على الارض تحملنا ميراثا متناقضا من الخير و الشر , حملنا الفضيلة و الجريمة , و سرعان ما تأسست المجتمعات تراجيديا , غايتها الخير و الفضيلة و وسائلها لتحقيق ذلك سلطات تفرض بمسميات متنوعة تبيح للافراد قيادة تلك المجتمعات بالاقناع او البطش .. فظل الانسان خانعا خاضعا يعتمر في نفسه الشك و يتضارب ليبقى الرقيب واقفاً متأهبا على الدوام لسلب فكرة حرة او امنية حالمة متى ما ارادت فك القيود.
ظلت الحياة على خنوعها مروية بدم الاعتراض , تغذيها اسمدة الخضوع من تحلل الذات الحائرة , محكومة بسلطة السلطة. و ظل الصراع قائما بين الفكرة و الهراوات . و هكذا لم تتعافى اخبارهم و ما وصلنا في حقيقته سجل , جزؤه الاكبر انسحاق و استلاب.
و في مجتمعاتنا العربية ظلت المصلحة الشخصية طعنة عاطلة في جسد الذات تحركها وفقا لأهوائها و مكاسبها .. لهذا اضطربنا بوتيرة متزايدة و اعلنا نية القمع من اي كبير الى اي صغير.. من أي شخص الى أي متميز؟
نعم .. القمع عادة عربية, لنعترف بهذا.
هذبت البشرية سلوكياتها ناشدة الاصلاح و المثالية , لكن هذا التهذيب جاء بنسب متفاوتة في المجتمعات وفق متطلبات هيمنتها و ذكائها , و وفق معطيات التطور التي فطنوا اليها , و سرعان ما انقسم العالم الى مجتمعات متأدبة ناضجة تنشد ترسيخ الذات بعد المواجهة و اعمار العطب و مجتمعات مراهقة هشة متعصبة نشبهها كثيرا.
عفواً , هذا هو الواقع.
لم يسترح الانسان في حياته من القمع – قامعا ً أو مقموعاً_ الا عندما روض في نفسه النوايا السيئة و أخرس صوت غريزة البقاء للاقوى .. لم يكن هذا عفوياً , بل انبثق بقصد التهذيب, محتاجاً الى الجهد و اتقان المثابرة.
و بالعودة الى واقعنا العربي المكمم الرغبات , كان علينا مواجهة التنميط الذي قولبنا و كررنا للعالم بشكل درامي رخو , متضاربين في رغباتنا , منفتحين و منغلقين في آن واحد , خانغين لسطوة القبلية الفكرية, منحازين الى الدرجة الأولى على حساب الثانية , الى الرجل على حساب المرأة, متصارعين , آكلين لحوم بعضنا , هشين , تائهين عن العمق, مستبدلين السكين بصرامة الرفض و براعة الالغاء.
انعكس هذا التنميط و الاذعان –رغم بعض الصراخات الرافضة – على ثقافتنا الموسومة بالمزواجة بين سلطة القامع و سلطة المقموع الكامنة في ذواتنا, مما كرس للارباك في منجزنا الثقافي و اعطاه رخصة الرفض و الالغاء و التيه عن الهوية . اضافة الى اختلاط الصالح بالطالح.
و حتماً هيأ الاسماع للولاء لصوت واحد لا يعبر بالضرورة عن جودة الفكرة أو حقيقتها , اذ ان ما يحكم بالنزوات لا يستطيع المصالحة مع وجوه الحقيقة.
ما ينال من الثقافة يهدم في الاعلام , و هذا الاستحواذ الغرائزي المهيمن قادنا بدوره الى اعلام مشروخ , قامع للمرايا مقموعاً بالتابوات الحامية لمصلحة الاعلى , افراداً او جماعات, و مثلما قمع الحقيقة مقموعا ً بالسلطة , قمع المنحازين الى التغيير و مارس الرفض و الالغاء غالباً -الا من حمتهم الكفاءة عنوة أو حسن الحظ او الوساطة الخلاقة او الاثمان المدفوعة مسبقا ً- فاختلت اهداف الرسالة الاعلامية و سيرت وفق اجندات خاصة تختلف من وسيلة اعلامية الى اخرى و من منبر الى اخر.. فما نراه اليوم و ما نسمعه او نقرأه صوت واحد لما يراد ان يعلن عنه, اذ مازالت هناك خطوط حمراء لم نستطع عبورها , يحميها التخويف و الترهيب و الخوف من البطالة. فعلى الرغم من كم المنافذ الاعلامية المتاحة والتي تملأ قوائم التكنولوجيا الحديثة فيما هو مرئي و مسموع و مقروء الا انها محكومة بسيادة القمع بأوجهه السياسية و الدينية و الاجتماعية اضافة الى قمع البطالة.
هذا الرصد يمكننا من تصنيف القمع الى نوعين و ان اختلفت نسبتهما من منبر اعلامي الى اخر , قمع حرية الرأي و قمع الكفاءات , كما و يمكننا من تشخيص بعض الظواهر, فالارباك واضح و الاهداف معزولة بالضباب كما و ان المسافات تطول بين كفاءات حقيقية موجودة بالفعل وما يقابلها من انعدام الكفاءات و هي تشوش المشهد الاعلامي العربي عاكسة بذلك اصطراع الهوية و احتضارنا ببطئ.
علينا الاعتراف بعد كل هذا .. نحن قامعون بالفطرة , مقموعين بالغريزة
فسحقاً ايها القامعون
و طوبى للمقموعين
في ( التانترا ) احدى مدارس الفلسفة الهندية يعتقد اذا ما توحد الجسد المادي و الذات مع الهالة المحيطة تحقق الوجود و افترشت السكينة بلاط الروح . هذا الثالوث يشبه ثالوثنا التفاعلي القائم على جسد المجتمع و ذات الثقافة و هالة الاعلام .. فمتى سنحقق وجودنا ؟
لنثورَ على القمع , فينا و علينا
ارجوكم , لننوجد من الآن ..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيتي لك على هذه المقاربة البسيكو-فلسفيه
المعري ( 2010 / 1 / 1 - 15:58 )
تحيتي لك على هذه المقاربة البسيكو-فلسفيه .أعتقد أن مجتمعات هذااالشرق فقيرة جدآ بهذا النوع من الدراسات بل ربما تحاشاه عن سابق اصرار وتصميم لأنه يتطلب منا أن ننظر في المرآة , أن نتعرف على ذواتنا, أن نخلع أقنعتنا, أن نصارح أنفسنا و نكتشف عيوبنا بشيئ من الصدق و كثير من الجرأة. أن نتحمل مسؤولياتنا أفرادآ و شعوب و نعترف بأننا صناع و منتجون ومشجعون لكل هذه الثقافة البلطجية القائمه على القمع و النهب و القرصنة و الارهاب كلٌّ في مجاله وعلى مستواه طبعأ. ان تخلي هذه للشعوب عن حمل مسؤولياتها الذاتية أبقاها غارقة في التبعية و الاستلاب الداخلي و الخارجي. أصبحت هي ذاتها الصفعة و الخد , الضحية و الجلاد على رأي بودلير. و بما أن الطموح والتفوق هو سمة هذه ا لمجتمعات فالكل يحلم أن يتبوأ منصب الجلاد أو البلطجي و تحت مسميات و ألقاب مختلفة ; مهنية, وظيفية, مالية, دينية, طائفية., سياسيَّة و حتى ,,علمية أو ثقافية,,
انه سلوك انتحاري جماعي, سلوك من يهدم البيت على اسرتة ليسرق مقتنياته و يببني مجده .. فأي مجد هذا الذي يبنوه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تحية لكل من يفكر في بناء البيت

د.المعري


2 - خارج عن الواقع
ثامر البغدادي ( 2010 / 1 / 1 - 22:31 )
يبدو ان موضوع السيدة خارج عن الواقع الدراسي واعتقد ان موقعها كشاعرة متميزة يحتم عليها البقاء في حلقة الشعر فانني الاحظ الخلط الكبير في المفاهيم الاجتماعية التي تطرحها ويتوجب عليها قراءة للدكتور علي الوردي واميل دوركهايم لتتفهم علم الاجتماع جيدا من ثم تباشر بالكتابة

اخر الافلام

.. أزمة السودان.. هل يفعل مجلس الأمن الدولي -البند السابع-؟ | ا


.. الانتخابات التشريعية المبكرة ..بين التحالفات وبرامج الأحزاب




.. حزب الله يحول الجليل إلى حقل رماية.. الحرب في جنوب لبنان على


.. شمال إسرائيل يشتعل.. الجيش يوصي بتحويل الجهود العسكرية إلى ج




.. حماس تتمسك بشروطها في غزة وغليان في الجبهة الشمالية|#غرفة_ال