الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا على مفترق طرق

عبدالوهاب طالباني

2010 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ان تغيير النهج الرسمي التركي باتجاه الانفتاح على الشعب الكوردي ليس بالامر الهين ، فقد بنى الاتراك سياسات الدولة التركية منذ تأسيسها على معاداة حقوق القوميات غير التركية في الاناضول (الكورد والارمن واللاز و السريان والعرب والشركس) ، وفيما بلغ العدد المقدر للكورد في الاناضول بحوالي العشرين مليون نسمة ، الا ان النظام التركي القائم على العنصرية واعتبار العرق التركي هو السيد ، منذ عهد اتاتورك ، حاول بكل الاساليب والعسكرية منها على وجه الخصوص (تتريك) الكورد والقوميات الاخرى وصهرهم في البوتقة التركية ، متجاوزين على كل مبادئ حقوق الانسان وكل الاعراف واخلاقيات التعامل الانساني . وهذا النظام يحاول منذ تأسيسه الصاق تهمة الارهاب بكل جهد كوردي في سبيل اقامة نظام ديمقراطي حقيقي يعترف بالحقوق القومية للكورد وللقوميات الاخرى ، الا ان الخطوات الاخيرة التي اتخذها حزب العدالة والتنمية بخصوص الانفتاح على الكورد ، على الرغم من كونها جاءت فقط ضمن خطب وتصريحات ، اي مجرد مشروع لفظي وحسب ، ودون اي ستراتيجية واضحة ، اقول على الرغم من كل ذلك ، الا ان تلك الخطوات كسرت التعنت العنصري التركي ، و دفنت سنينا طويلة من الانكار لوجود الشعب الكوردي ، ولكن يبقى المضي في الخروج من مرحلة الخطب الى الواقع العملي مسألة غير سهلة ، وبالتأكيد ستجابه بصعوبات بالغة التعقيد في مجتمع هيمنت عليه عقلية التفوق العنصري ، والمقولة البالغة في العنصرية والتي يرددها طلبة المدارس في الاناضول كلها ( كم انا سعيد لانني تركي) ، وفي مجتمع يعتبر فيه العسكريون انفسهم حراس وورثة افكار اتاتورك ، بالاضافة الى مؤسسات مخابراتية وامنية معقدة التركيب والاهواء والانتماء ( والمسلسلات التركية فضحت الى حد كبير سياسات السراديب التركية) ، وسيكون اوردوغان في مواجهة جبهة صعبة المراس ، وعلى الجانب الاخر ، الكورد انفسهم يعرفون ان تغيير العقلية التركية بهذه السرعة امر غير وارد ، ولكن يدركون ايضا ان الجليد العنصري قد كسر ، وان القضية الكوردية اصبحت على الطاولة اراد العنصريون او لم يريدوا ، وان فهم الكورد للتركيبة الفكرية السياسية التركية المتعنة ، هو الذي يجعلهم بأن يبقوا غير مستعدين للاستسلام الى الطروحات التي اعلنها حزب اوردوغان بالسهولة التي كان يتوقعها ، على ان يبقوا مرحبين بفكرة الانفتاح ، وفعلا خطوا خطوات ايجابية في سبيل دعم افكار اوردوغان ، ولكن القيادات الكوردية تفهم ايضا ان لا ضمان لافكار الانفتاح دون تغيير الدستور التركي ، وتعريف تركيا كدولة متعددة الاعراق والقوميات ، والاعتراف دستوريا بحقوق الشعب الكوردي .
وقد تناولت الصحف العالمية تطورات الاوضاع التركية الكوردية – التركية بكثير من الاهتمام ، لانه من المعلوم ان استقرار الاوضاع في الاناضول وحل المشكلة الكوردية هناك سيؤثر ايجاباعلى مجمل اوضاع الشرق الاوسط ، فدولة ديمقراطية حقيقية في الاناضول الى جانب نظام ديمقراطي فيدرالي في العراق وحكومة اقليمية كوردستانية تدعم مسيرة السلام بين الكورد وشعوب المنطقة ، هذه الحالة ستضمن الى حد كبير ، الفوز على النشاط الارهابي لمنظمات الارهاب (القاعدة والمتعصبين الاصوليين ) التي تشهدها المنطقة ، وستسحب السجادة من تحت ارجل الدول المساندة للارهاب في المنطقة ، وستضمن ايضا تدفق النفط دون مشاكل كبيرة ، فقد قالت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يقف على مفترق طرق، اذ انه قد يستسلم لمطالب نظام حكم غاضب للتركيز على حل أمني يستهدف حزب العمال الكوردستاني، أو أنه قد يختار مقاربة أكثر توازناً لتأكيد الأمن وإصلاحات إضافية لتجفيف مستنقع دعم المنظمة المسلحة.

واعتبرت الصحيفة "انه يجب أن "يظهر أردوغان قيادة حاسمة خلال فترة الأزمة هذه، اذ انه لا يستطيع التراجع عن الانفتاح الكوردي أو عن التقدم القائم مع كوردستان العراق، ولا يستطيع البقاء جامدا"، مضيفة ان "اتجاهه الوحيد، عوضاً عن التصرف بردة فعل على الأحداث، يتلخص بمواصلة المضي قدما بالإصلاحات، وتوجيه خطاب رئيسي للشعب التركي يشرح فيه خطته للتعامل مع مشكلة حزب العمال الكوردستاني مرة واحدة واخيرة".

وخلصت الصحيفة الى القول انه" يترتب على أردوغان استحضار القوة والحنكة على حد سواء، في هذه المرحلة، كما عليه أن يقاوم مطالب منتقديه بحل عسكري للتعامل مع القضية الكوردية".
ان ما ذهبت اليه الصحيفة الاميركية من رؤى تمثل جزءا من الحقيقة التي تحاول الادارة الاميركية اخفاءها ، وعلى الاتراك ان يفهموا هذا على الرغم من ان الادارة الاميركية ما زالت تعتبر حزب العمال الكوردستاني حزبا ارهابيا لاسباب ومنافع دولية معروفة ، ولكن الحقيقة التي تفرض نفسها هي ان لا حل للقضية الكوردية في شمال كوردستان دون التفكير الجدي بفهم الابعاد الديمقراطية والانسانية والقومية لقضية الشعب الكوردي ، ودون الجلوس وعلى طاولة واحدة مع ذلك الحزب ، ومع القوى السياسية الكوردية والتركية التقدمية الاخرى.
وقد تأثرت سياسة الانفتاح التركي على القضية الكوردية سلبا نتيجة قيام المحكمة التركية العليا بحظر حزب المجتمع الديمقراطي الكوردي ، والذي جاء استجابة للضغوطات العسكرية والاجنحة العنصرية في البرلمان التركي ، وكتعقيب على الاوضاع الجديدة بعد حظر الحزب المذكور كتب احمد ترك زعيم ذلك الحزب مقالا بصحيفة ليبراسيون الفرنسية حول قرار القضاء التركي بحظر الحزب وتأثيره على وحدة المجتمع التركي ، كتب يقول:
"تتحمل الحكومة التركية مسؤولية اندلاع اضطرابات قومية (إثنية) بين الكورد والأتراك، والحكومة قاصرة عن إدراك أسباب التحركات الكوردية، وترى ان تظاهرات الاحتجاج بمثابة تأييد للإرهاب، ودعوة الى العنف، في وقت يحتج فيه الكورد على سوء ظروف اعتقال عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني، وعلى حظر حزب المجتمع الديموقراطي.

ومضى احمد ترك قائلا:

"حزب المجتمع الديموقراطي هو خامس حزب كوردي يحظر في تركيا، في العقدين الماضيين. وبعد يومين من المناقشات البرلمانية، انسحبنا من البرلمان. ولكننا لم نترك "الكفاح" الديموقراطي في سبيل القضية الكوردية. .."
واضاف :
"وليس حزب المجتمع الديموقراطي جناح حزب العمال الكوردستاني السياسي، ولا واجهته السياسية. ولا يسعه حمل "الكوردستاني" على وقف حمام الدم. ولكننا ندعو الى اشراك أوجلان وحزبه في حل القضية التركية"

تركيا الان على مفترق طرق ، فأما ان ترحل نحو مستقبل زاهر جميل محمل بالاماني الطيبة لشعوب الاناضول ، او تمضي في سياساتها العرجاء الفاشية التي لن تخلف غير المحن والاحزان والدماء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي