الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص بين سلطة الثقافة وسلطة القارئ

سلمان ع الحبيب

2010 / 1 / 2
الادب والفن


النص إذا خرج إلى الوجود فإنه لا يعني مجرّد كلمات استمدّت وجودها من المعجم بل هو عملية خلق فاعلة تمثّل تفاعلاً بين صاحب النص وثقافته والمرجعيات التي استمدّ منها فكره .
والقارئ للنص يحاول أن يكشف ما وراء هذه الكلمات مستخدماً أساليب التأويل والفهم والتحليل حاملاً معه إرثه الثقافي ومرجعياته التي استقرّت في ذهنه وقدرته التي اكتسبها من خلال تعامله مع النصوص .
النص عمل إيديولوجي وثقافي ويصدر عن مرجعية معينة وإسقاطات نفسية خاصة بصاحب النص وفي المقابل فقارئ النص يحمل معه ثقافته وإيديولوجيته ومرجعياته بالإضافة إلى إسقاطاته النفسية لذا فالنص محاصر بين سلطتين : سلطة الثقافة وسلطة القارئ .
الثقافة تمارس سيطرتها على قائل النص وتفرض وجودها وقد تكون واضحة أو مضمرة خلف حجب النص الذي يحمل ألفاظاً تمثّل تفاعل الفرد مع كل ما يحيط به من قريب أو بعيد من الموجودات وأشكال الهيمنة والسلطة وتفاعله مع محيطه وإسقاط مشاعره التي تضمّ الموروث الثقافي أو مخزونه الذاتي خارج دائرة العقل الواعي وبهذا فالمجتمع – أفراداً أو كياناً ثقافياً يحمل قيماً وعاداتٍ وتقاليد وأعرافاً وأنماط تفكير وتوجّهات وصراعات مع كل أشكال الهيمنة – يفرض سلطته ليكون خلف الكلمات والرموز والصور الفنية .
وفي الجهة المقابلة يحاول القارئ أن يفرض سلطته وأحياناً يمارس شبقيته مع النص ويحاول أن يكشف حجبه ويتعرّف على أسراره ويحاول كشف الدلالات والرموز والأنساق واستراتيجية الحجب والمخاتلة والنسخ والتبديل والتعرّف على أسرار البنية النصّية ويستخدم مهاراته المكتسبة وقدراته وإرثه الثقافي ومرجعياته ليصل إلى رؤية قد تختلف عمّا كان يرمي إليه صاحب النص لذلك اتجه الحداثيون لاختراع نظرية ( موت المؤلف ) وبهذه النظرية لا يعود للمؤلّف أية سلطة يمارسها على قارئ النص .
دائرة ( المؤلّف والنص والقارئ ) دائرة لا تنتهي وسيظلّ الأمر معقّداً وإنْ بدا غير ذلك لأول وهلة، فالمؤلّف وضع أفكاره وتصوّراته متأثّراً بعدة عوامل، والنص أصبح محمّلاً بأمور شتّى فهو يحمل أبعاداً فنية وأبعاداً ثقافية وأبعاداً نفسية وأبعاداً اجتماعية وأبعاداً فكرية والقارئ محمّلٌ بما يضجّ به النص من أبعاد وكذلك المؤلف ويظل القارئ الواعي هو الذي يستوعب كل ما يتعلّق بالنص مع محاولته الربط بين ما هو داخل النص وما هو خارجه ليصل إلى فهم أكثر نضجاً واستيعاباً للحقيقة المتعلّقة بإنشاء الخطاب .
البنيوية حاولت أن تضع نفسها موضع الحياد لتكون في نظام مغلق لا يتّصل بالخارج لكنها لم توفّق في هذا الفصل والرومانسية التي أسندت للقارئ مهمة استشعار النص بذاتية وانطباعية أغفلت جانب الحياد في النص والواقعية التي فصلت النص عن القارئ والمؤلّف أغفلت دور التفاعل الثلاثي ( المؤلف / النص / القارئ ) وركّزت على عنصر واحد وهو الخطاب فهي ترى أن النص قائم بذاته لا يحتاج إلى ربط بين تلك العناصر وهذا إجحاف بحقّ العملية الخطابية وعدم المعرفة بدور هذا التفاعل .
جاءت دراسات ( الهرمنيوطيقا ) بعد ذلك لتدرس إشكاليات القراءة بدءاً ب( شليرماخر) ومن جاء بعده ليدخلوا فنيات الدراسة اللاهوتية وتطوير عملية فهم إشكالية القراءة والتلقّي وحل مشكلات الفهم والتأويل إلا أنّ العملية أكثر تعقيدأً ممّا يتصوّر الإنسان ،وهكذا فتلك الدائرة مليئة بالتعقيدات ومن هنا فإنّ مهمة القارئ – الذي يستوعب كل هذه الإشكاليات وما يتعلّق بالنص من الداخل والخارج – الكشف عن المقصد مع محاولة التوفيق بين تلك العناصر الثلاثة .
لا يوجد نص يتفق عليه الناس وهذا دليل على أنّ كل قارئ يمارس ثقافته وفكره ومرجعياته وبالتالي فالاختلاف وارد ومحاولة الفهم والتفسير تبدو عملية معقّدة ولا تخلو من مجازفة ومن إسقاطات نفسية وأحياناً أخرى ممارسة افتضاض بكارة النص ليعلن القارئ فحولته وأحياناً تحوير للمعاني حسب الخبرات المكتسبة أو الرغبات والنزعات الفردية الذاتية .
وبهذا نخلص إلى أن النص لا يزال في صراع بين سلطة الثقافة وسلطة القراءة وسيظل الأمر كذلك ولن يحكم الأمر بدقة في مسألة القراءة وما نحاول أن نفعله نحن بقراءتنا هو محاولة للاكتشاف أو التقرّب من المعنى ولكنّنا لا ندّعي أننا فهمنا الحقيقة كاملة ولا يدّعي كاتب النص أيضاً امتلاكه للحقيقة وبهذا تظل الحقيقة رمزاً ومثالاً قد لا ندركه عند اقتحامنا عالم الأدب .
—-
سلمان عبد الله الحبيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص