الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة الشيء في قلب تدمير المناخ

عماد صلاح الدين

2010 / 1 / 3
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


حضارة الشيء في قلب تدمير المناخ
عماد صلاح الدين
بالنظر إلى المنظومة الكونية بكلية مشهدية، وبإثباتات وبراهين رياضية علمية، في سياق النظر الاكتشافي لموجوداته على المُجمل أو المُفصّل؛ من الذرة فما دونها إلى المجرة فما فوقها،من قبل ذوي الاختصاص من علماء وبحّاثة ومُتوصلين إلى حقائق علمية، في معظمهم يجمعون، على أن التركيبة التكوينية لهذا المُجمل أو المُفصّل في الموجودات الكونية، مما تعامل معها العقل البشري الناظر بغية الفحص والتحقق ومن ثم الإفادة، تقوم هذه المنظومة على التوازن.
وحتى في سياق المساق في التعامل مع كثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبالأخص تلك المتعلقة بعلوم الإدارة، نجد أنفسنا دوما واقفين أمام حقيقة التوازن هذه.
انه مبدأ ناموسي أساس يوازن بين الروح والملموس، بين حاجة البناء بعناصر المادة كخام، أو المتحولة بفعل الصياغة والتحوير البشري، من خلال معامل الصنع والصناعة عبر التاريخ الإنساني، والتي تجلت ثورتها التحديثية عبر ميكانيكا الآلة الصانعة والمنتجة في أوروبا بعد عصر الثورة الصناعية، وبين حاجة القيم والأخلاق الضابطة لحراك التحرك المادي الإنساني، في بناء الحضارة وتشييدها في شقها المادي إنتاجا واستهلاكا.
كاتب هذه السطور، من خلال قراءاته التاريخية، واستقرائه الاسباري؛ لمحاولة فهم المغزى من مرجعية القيم الأخلاقية، المتعلقة أساسا بالحرية والإخاء والمساواة، ومفاهيم متعلقة بالانضباط ألقيمي في صعد الاقتصاد والاجتماع، وحتى الثقافة عند حضارات بعينها خصوصا الحضارة الغربية، بالمقارنة بها ومعها في اللحظة خدمة لموضوع هذا المقال، فان الكاتب من جديد يرى بضرورة التفريق المهم بين منظومة الأخلاق والقيم كهدف إنساني أسمى، تتحقق بها حالات الانضباط في غير مجال، بما فيها مجال البيئة والمناخ، والحفاظ بالتالي على الجودة المطلوبة مناخيا في إطار متوازن ومعتدل للكرة الأرضية، التي عليها نحيا وندب، وبين استغلال منظومة القيم والأخلاق؛ لتكون وسيلة يتم استخدامها بضروب من المخادعة والتضليل والانتهازية، الحقيرة؛ لتحقيق مكاسب الربح. والربح فقط بمستويات التهور، وفوق ذلك حد الجنون، على حساب سعادة الإنسان وراحته، سالبة منه حقوقا كثيرة؛ على مستوى الحقوق اللصيقة به، أو بمجتمعه الإنساني، أو تلك الحقوق المتعلقة بالبيئة النقية النظيفة.
وانظر عزيزي القارئ إلى رواد النهضة الفكرية الأوروبية؛ إلى مكيافيللي وفرويد وداروين وغيرهم، فجلهم لا نجدهم يتحدثون إلا في سوقات التبرير المادي الوجودي، وعندهم الغاية دوما تبرر الوسيلة، والإنسان في أصله التأصيلي متجذر ومن ثم متفرع عن قرد، والجنس لديهم غاية، والشذوذ ليس في الجنس وحده، بل صار الشذوذ باسم التطور حالة لا بد من تنظيمها وقبولها، على مستويي السياسة والتشريع، بقانون أو لائحة، وهكذا دواليك.
وكثير من مفكرينا ومثقفينا ما ينخدع سريعا بانبهار حالة المادة الفائقة والفاقعة، لدى الحضارة الغربية والأمريكية، منذ عقود تقترب من القرن بالنسبة للأخيرة، حتى صار عند عربنا ومسلمينا ما يسمى ب"الليبراليون الجدد"، رغم أن رواد النهضة العربية الحديثة الأوائل؛ من محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا، إلى غيرهم ، قد أصّلوا أولا في التعامل مع مفاهيم ومناهج الغرب الأوروبي في القرن التاسع عشر، وحتى مع النصف الأول من القرن العشرين، فكانت مرجعية الدين بقيم الصدق في الممارسة والسلوك، ومكتسب التراث الأخلاقي حاضرة في محاولات صياغة نهضة عربية إسلامية جديدة.
ولعل قضية التأسيس لحضارة الشيء المادوية، قد أخذت لها مجالات خطوط في فضائنا العربي، مع الردة التي حصلت في النصف الثاني من القرن العشرين، مع رواد هذه المرحلة، التي كان فيها من الأوائل طه حسين وزملاؤه في الطريقة والنهج.
ويُخطئ من يظن أن عصر الثورة والنهضة الصناعية في أوروبا؛ في فرنسا تحديدا وايطاليا، وأيضا في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت منظومة القيم والأخلاق المتمثلة في الحرية والإخاء والمساواة فيها(عصر الثورة والنهضة) لتحقيق الحرية وفك الإسار عن عبيد المرحلة الإقطاعية في الأرض والمزرعة، بل كانت حالة العبودية حاضرة، واستغلال الإنسان كائنا مطلوبا من جديد، لغرض جديد لخدمة المصنع والآلة. فالعبودية هي هي، ولكنها انتقلت من المزرعة إلى المصنع.
ولعل ابلغ الأمثلة على ذلك، حالة القنانة المستوردة بالقوة والإكراه – وقتذاك- من جنوب إفريقيا ومن أواسط أسيا؛حيث سيق ملايين البشر إلى سوق النخاسة؛ للعمل كعبيد للآلة وسيدها الغربي.
وأين هي القيم والأخلاق كهدف، أمام حروب الإبادة الأوروبية والأمريكية، بالنسبة للهنود الذين تم قتل أكثر من 120 مليونا منهم على ارض أمريكا الجديدة في حينها، وغيرهم الكثيرين؟؟.
وإزاء ما سبق، وأمام هذا المنهج المادي للحضارة، المجرد من منظومة القيم كهدف، وفعالية إنسانية متكاملة في إطاره، فلا غرابة ولا عجب إذن، أن يكون الهدف السامق في نظره هو تحقيق المكاسب والمنجزات المادية والاستهلاكية، بأي ثمن، ولو على حساب تخريب حياة البشر، وتخريب المنظومة الأرضية وعلاقاتها البيئية.
إن كارتيلات أو مجمعات المال والسلاح والشركات العابرة للقارات في أوروبا وأميركا تخص مجموعات بعينها، وهي أقلية. ويظن الكاتب هنا أن عددا لا بأس به يعود إلى يهود الصهيونية العالمية،اللذين تاريخهم معروف حتى على مستوى أوروبا نفسها، خصوصا في مقتبل القرن العشرين، وما جرّ ذلك عليهم ( اليهود ) عموما من نقمة الأوروبيين في الحربين العالمية الأولى والثانية من القرن المنصرم؛ بسبب جشع حب المال والمادة لديهم.
هذه المجموعات القليلة، عابرة الحدود والقارات، في جشعها الربحي في غير مجال، حذّر منها الرئيس الأمريكي الأسبق الراحل داويت إيزنهاور عام 1961، وذلك في خطاب له أثناء مراسيم التسليم والتسلم لخلفه المغدور جون كنيدي حين قال: " إن هناك مجمعا ماليا وعسكريا واقتصاديا، لن يجلب الخراب والدمار على شعوب العالم الأخرى، بل على أمريكا نفسها ".
وهو المجمع – ومن أسف- الذي سيطر واحكم قبضته على الولايات المتحدة والعالم. وما رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون على رئاستها، والديمقراطية السياسية التي تجرى فيها، وغيرهما من حراكات الديمقراطية، وحقوق الإنسان ومنظماتها، إلا واجهات لتزيين و(دوكرة) هذا المجمع الخطير.
ودوايت إيزنهاور الذي قال ما سبق، هو قائد جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، كما هو معلوم ومعروف.
وعلى هذا، وفي موضوعة المناخ والتغيّر المناخي، وانبعاث الغازات السامة، والأخطار المحدقة بالإنسانية جراء ذلك، فإننا نعزو ذلك إلى المنظومة الفكرية الغربية المادية، التي جعلت من كل جانب في حياة الإنسان مجرد شيء، وجعلت الإنسان نفسه مجرد شيء في سوق العرض والطلب. وانفلتت هذه المنظومة من عقالها مراحل ومراحل من الجنون والتهور، في عقيدتها الرأسمالية المتحررة من كل ضابط ، حتى جرّت الحروب والأزمات. ولعل الأزمة المالية العالمية اكبر تجلياتها في حصاد المر والمثلب في كل اتجاه.
وفي تعليق بسيط على ما جرى في مؤتمر كوبنهاجن الدانمركية في الفترة ما بين 7 كانون الأول 2009 إلى 18 من الشهر ذاته؛ ففي حين كانت التقارير العلمية المناخية من مراكز ومؤسسات بحثية غربية عريقة، تتحدث عن مخاطر الفيضانات المستقبلية، والكوارث البيئية، وارتفاع درجات الحرارة بمعدل 7 درجات مئوية، وارتفاع منسوب مياه البحار بعد مئة عام أو اقل بقليل عن متر أو يزيد، فقد وجدنا أن اتفاقا تلفيقيا قد جرى بين بعض الدول المتقدمة وحتى مع بعض الدول النامية وهي أمريكا، والصين، والبرازيل، والهند، وقد أقرته الأمم المتحدة رغم انتقادات لا تجدي. وأقرت بوجوده الدول النامية التي هي الغالبية( بقية 198 دولة عضوا) في هيئة الأمم المتحدة، رغم أنها لم تعتبره اتفاقا شاملا.
وحتى هذا الاتفاق المحصور بعدد ضئيل من الدول، يعتبر غير ملزم قانونا. والأدهى والأمر أن اكبر وأعظم دولة في منظومة العلاقات الدولية، وهي هنا الولايات المتحدة الأمريكية، لم يحضر رئيسها المؤتمر إلا في فعاليات ختامه.
وفي كل الأحوال، خرج المؤتمر بلا شيء من البنود الأساسية التي كان من المفترض أن يتم الاتفاق عليها. وأمر حتمي أن يخرج بهذا الفشل المريع في ظل منظومة تُقدس المادة والربح الرأسمالي، وتعتبر كل الموجودات مجرد أشياء بما فيها الإنسان، العنصر الأهم -على الإطلاق- في المنظومة الحياتية الأرضية.
نحن بحاجة إلى نظام إنساني، بمرجعية قيمية ثابتة تعطي الإنسان مكانه الحقيقي، وتعطي الأنساق المادية التي يحتاجها ويتعامل معها، بل ويطمح إليها، نسقها وحجمها وبعدها الحقيقي أيضا، لا إفراط ولا تفريط . قال تعال:( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين ).

محام وكاتب من فلسطين.
مجلة المسار – دائرة العلاقات العامة والإعلام بجامعة السلطان قابوس – سلطنة عمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ