الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصحبة زوربا

خيري حمدان

2010 / 1 / 3
الادب والفن


دعاني أحد الأصدقاء لتناول العشاء في أحد المطاعم اليونانية، قلت له بأنّي أفضّل الذهاب لأيّ مكان آخر. أصرّ صاحبي على معرفة السبب، فأخبرته بأنّ اليونانيات غالبًا ما يتسبّبن لي بالإحراج. دهش صاحبي لكنّه أصرّ على المضيّ إلى هناك.
جلسنا ليس بعيدًا عن الساحة المخصّصة للرقص، وأشحت بوجهي طِوالَ الوقت عن الساحة، وانهمكت في تناول وجبة شهية من السمك. طلبت القهوة وكنت أتمنّى مغادرة المطعم في أقرب وقتٍ ممكن. لكن صاحبي طابت له الموسيقى اليونانية وسرعان ما أخذ روّاد المطعم بتكسير الصحون المخصصة لهذا الغرض، للتعبير عن بهجتهم وفرحتهم. طلب صاحبي عدّة صحون وأخذ هو الآخر يكسر ليعبّر عن الحنق والقهر الناميين في ذاته. الجدير بالذكر بأن هذه العادة حُظِرَتْ في بعض الدول الأوروبية لتقي المرتادين من أذى الزجاج. لكنّ اليونانيين مبدعين، وقد تمكنّوا من استبدال صحون الزجاج بأخرى غير مؤذية.

خرجت إلى ساحة الرقص بضعة فتيات يونانيات وأخذت ينقرن الأرض بمهارة فائقة. آخر مرّة ارتَدْتُ خلالها مطعمًا يونانيًا، قذفت إحدى النساء الراقصات محبس شعرها فوق الطاولة أمامي، وحين سألت مضيفي اليوناني عن مغزى هذا التصرّف، أجاب بأنّها دعوة للرقص. يا لها من طريقة تعبّر من خلالها المرأة عن رغبتها بالتواصل مع الرجل الذي تعجب به. قلت له وماذا إذا رفضت مراقصتها، فقال بأنّ هناك عشرات الأعين التي تحدّق بك الآن يا صديقي. لعنته في ذاتي وذهبت لأتيه بين خطوها وحركاتها المعقّدة. تُرى، هل أصلنا حقيقة من جزيرة كريت كما يدّعي البعض افتراءًا، للتشكيك بأصولنا الكنعانية؟ همست تلك المرأة ببضعة كلمات ناعمة وواعدة، وأنا لم أفهم شيء من قاموسها. قلت لها (أفخاريستو) وتعني شكرًا.

شكرتها على جرأتها لدعوتي، شكرتها على حضورها الأنثويّ الجميل الذي ملأ أمسيتي عبقًا. عادة ما يلاحق الرجل المرأة التي يعشق ويحبّ، ولكنّ الفتيات القادمات من حضارة عريقة وقديمة لا يتوانين لحظة واحدة في التصريح عن رغباتهن. إنّها الحياة بكلّ هواجسها وحزنها وتناقضاتها ترتسم أمامي وأنا أدلق فنجان القهوة استعدادًا لمغادرة المكان. وعندها صدحت موسيقى كانت مألوفة لديّ. زوربا حلّ بيننا بجرأة وسخاء. ونهض الجمع للرقص على أنغامه.

كانت تضع في شعرها عدّة ورودٍ حمراء، وكأن زوربا قد أشعل في روحها قناديل الحياة والعبث، لم تبعد أنظارها عنّي. كنت أقرأ في ذاتها بصمات من طاقة شابّة لا تنفذ، وأنا الرجل الأربعيني، أرغب بممارسة الكسل والبقاء جالسًا فوق كرسيّ مريح. امتدت أصابع يدها نحو خصلات شعرها، أخرجت الورد من معاقله وعصفت كياني بابتسامة قبل أن يتطاير الورد فوق رأسي ومقعدي، تبع ذلك تصفيق حادّ، لكنّه زوربا، ذاك الذي رقص وسط الخراب لتنفلت روحه المتمرّدة نحو الأبديّة. كيف أرفض دعوتها وقد ضحّت بالورد الذي كان يزيّن رمز أنوثتها! أتقن الرقص بالكلمات، والقفز فوق خيمة الدنيا دون رقيب. لكن زوربا في تلك اللحظة لامس روحي، فقاد خطواتي خلال رحلتها الأنثوية العاصفة نحوي، انحنيت لألامس الأرض وأضرب فخذي! وكانت هي تدور كالفراشة حول نيراني، وكانت هي تدور حول قوافي قصائد ما تزال تنتظر عناوينها وبحورها، قصائدٌ هائمة في فضاءات الهوى دون رقيب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا