الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعادة المؤجلة…

هدى طالب

2010 / 1 / 4
الادب والفن


السعادة المؤجلة…

كانت" ضحى" تعيش حياة هادئة مع زوجها حاتم بعد بعض المناغصات التي عانت منها في بدء حياتهما معاً. سارت الأمور "بضحى" على ما يرام عشر سنوات حتى جاء ذلك اليوم الذي عادت فيه "خالدة" للظهور مرة أخرى في حياتها.
- أتعلم يا "حاتم" من حدَّثني اليوم على الهاتف؟
- وكيف لي أن أعرف !! من حدَّثكِ؟
- كان من المفروض أن إحساسك يعرِّفُك.
إنها امرأة همت بها كثيرًا.
- وهل في حياتي سواك أهيم بها؟!
- ياه… أعرف من ذلك أنك ناكر للجميل أم أن ذاكرتك قد خانتك؟
و"خالدة"؟
- ومن هي "خالدة" هذه؟
- حقاً ما أبرعك في تمثيل دورك هذا
ألا تذكر مطلقاً "خالدة التابعي"؟
- "خالدة"؟ نعم لقد تذكرتها.. أعرف أنها في أمريكا أو ألمانيا .. الله وحده أعلم أين هي.. أليست تقوم بجولة حول العالم؟!
- انتهت منها و عادت بالأمس إلى القاهرة و أرادت أن ترى أصدقاءها بعد هذه الغيبة الطويلة.
- لم أكن أعلم أننا من أصدقائها.
- أمر عجيب منك يا "حاتم"! عندما أفكر أنني كنت في سبيل الانفصال عنك بسبب هذه المرأة!
نعم، كنت أقول لنفسي: إذا كان قد انصرف عني وأصبح يهوى امرأة أخرى، فَلِمَ أفرض نفسي عليه؟!
إننا لم نرزق بالأولاد، وواجبي أن أنسحب من حياته.. حتى إنني قصدت محامي أسأله السبيل إلى الطلاق في هدوء و سلام..
قصصت عليه قصة همي وألمي، فنصحني بالتحلي بالصبر.. ترددت طويلاً واستشرت الكثيرين ثم بدت لي التضحية قاسية فآثرت البقاء.
- لحسن الحظ.
- نعم لحسن الحظ، ولكن من كان في مقدوره أن يتنبأ بأن شفاءك يكون بهذه السرعة؟!
هل نسيت أنك منذ عشر سنوات لم تكن تستطيع الحياة ساعةً بعيدًا عن "خالدة"؟
وأنك كنت ترتقب في لهفة كل يوم حديثها إليك بالهاتف؟ وأنك كنت تهمل مواعيدك مهما بلغت أهميتها و تخلف عهودك مهما كانت قداستها على إثر كلمة من فمها؟
آه من هذا الجرس الصباحي! إن صداه مازال يرن في أذني.
لقد كان قلبي يخفق له كل مرة،وكذلك صوت الشغالة "سعاد" وهي تقول لك في لهجة نابية ذات معانٍ ليست من الأدب في شيء إن تصادف وكنت حينذاك في غرفتي: يا سيدي هناك من يطلبك على الهاتف، فتتظاهر بالضجر في اختيال ساذج " إيه الإزعاج ده".
إن هذا ليبعث على السخرية و الضحك قبل كل شيء ما في ذلك شك. غير أني كنت مثقلة بالآلام و الهموم ولم يلفت نظري تلك النواحي الساذجة من تلك المواقف، ولا تنس يا "حاتم" أن شيئاً في هذا الوجود لم يكن ليبعث على البله في نفسك مثلما كانت "خالدة"، إذا ما تردد اسمها في حديث فسرعان ما يتهلل وجهك وتنفرج أساريرك مما كان يؤلمني ملاحظة ذلك.. كنت تميل إلى من يعرفها وتحب ما تحبه.
لقد رأيتك يا أكثر الناس اتزانًا وأقلهم إيمانًا بالدجل والشعوذة والسحر، تبحث لها عن السحرة و العرافات وتصحبها إلى مخابئ العقاقير الغريبة!!
ولقد قضيت الساعات الطوال أنت يامن حرَّمت عليَّ ألفة الحيوانات في التنقيب عن قط فارسي رغبت يومًا في اقتنائه لتقدمه إليها. ثم لقد كنت و هذا جلي لا نقاش فيه طوعًا لها في كل شيء، كانت تستطيع أن تومِئ إليك بإصبعها فتهرع إليها خنوعًا ذليلاً.
- أنتِ تبالغين.
- لست مبالغة يا عزيزي.. كنت تغيِّر برنامجك ثلاث مرات في اليوم الواحد،لأن صاحبتك متقلبة المزاج.. كنت تسير على هواها.
كانت أيام فراغ معلقة برغباتها، حتى لقد ذهبتَ بي ذات شتاء إلى الساحل الشمالي وأنا التي كنت أخشى البرد أكثر من خشيتي من الموت لأن "خالدة" كانت قد ارتحلت إلى هناك آملت أن تراها مصادفة على أحد الشواطئ.. لقد سكبت من الدمع أغزره خلال تلك الرحلة! كنت أشعر ببرودة الثلج تسري في جسدي، عليلة بائسة وما لاحظتَ من ذلك شيئاً.
فيم تفكِّر؟
- إني أحاول أن أستجمع خواطري عن تلك الفترة ولاجدال إنني كنت حينذاك مجنوناً بحب هذه المرأة وإني لأسأل نفسي حقاً لماذا؟!
- لا تكن غبيًا يا" حاتم"، لقد كانت فاتنة، خلابة ، ومازالت كذلك.
- آلاف من النساء أجمل منها.
- ربما.. غير أن جمالها كان من نوعٍ خاصٍ لم يكن لسواها. وكانت خفيفة الظل سريعة البديهة..
- هل تعتقدين ذلك؟
- أنت من كان يؤكد ذلك.
هل تذكر عندما أُجريت لها جراحة دقيقة؟ كنت مكفهر الوجه، شاحب اللون من فرط قلقك عليها.. حتى أنني كنت كريمة النفس وقمت بالاتصال بالمستشفى ثلاث مرات كي أُطمئن قلبك عليها.
وبالفعل كان الرد أنها بخير نقلت لك ذلك قائلة: لا تخف فالحالة تبعث على الاطمئنان ولا داعي للقلق.
- كانت أيام وذهبت إلى حال سبيلها..
- بالله عليك هل نسيت أنك يومًا أردت الانتحار عندما هربت مع "صلاح"؟
- لم أكن جادًا في رغبتي هذه، وإلا لنفذتها..
- على كل حال لقد فكرت، وذلك في حد ذاته دليل على نيتك لفعل هذا الأمر..
حتى أنَّك أعطيتني رسالة تفضي إليَّ فيها بعزمك على الانتحار.. هل تود رؤية تلك الرسالة؟ إنني أحتفظ بها..
- بالطبع لا أريد رؤيتها.
- ولكني أريد مطالعتك بها.. هاهي تلك الرسالة

حبيبتي…
أعلم أنني سأسبب لك ألمًا بالغًا.. لذلك أطلب منك الصفح والمغفرة.. لم أعد أقوى على الحياة وأود أن أشرح الكثير مما صعب عليك فهمه من الأمور قبل أن أسدل الستار على حياتي..
يخيل إليَّ أنني سأسهل من وطأة الآلام عليك عندما أعترف لك أن أن زواجنا كان حقيقة يختلف كثيرًا مما كنت تتمنين أن يكون.

- "ضحى"، أرجوكِ! إنَّ هذا يؤلمني.
- وهل تظن أنه كان يسعدني؟
"…. والسر في الموقف الذي كان يبدو لك دائماً شديد الغرابة هو أني كنت أحب "خالدة" في ذات الوقت الذي التقيت بك فيه.. لماذا إذاً سعيت إليك واستملتك إليَّ وتزوجتك. كانت "خالدة" قد تزوجت فتمنيت أن أنساها، وفي ذات الوقت وجدت منك عطفاً وحناناً لم تسعدني بهما يومًا "خالدة"…
- كفى كفى يا "ضحى".. استحلفك بالله أن تحرقي هذه الرسالة
- لن أحرق شيئًا.. إن في قراءتها شفاءًا لروحي العليلة..
واستمع إلى هذا:
"لقد كان خطأك الأكبر يا "ضحى"… لأنك أخطأت أيضاً خلال تلك المأساة.. نعم كان خطأً كبيرًا حين كانت زيارتك الغريبة "لخالدة" تتوسلين إليها أن تعرض عني وتعيد إليك زوجك.. لقد وفقت كل التوفيق أيتها المسكينة وأوحيت بالندم إلى امرأة من طباعها النبل والطيبة فأنأتيها عني.
ولكنك في الوقت نفسه باعدت مابيني وبينك ومنذ خطوت هذه الخطوة بدأت خالدة تتجنبني وترتمي في أحضان "صلاح".. وهأنذا بسبب تصرفك هذا ألفظ الحياة وأقدم على الموت..
- يالها من مسرحية سخيفة.
- إنها مسودة لاغير يا" حاتم".
لكن مهلاً، أريدك أن تنصت إلى الفقرة الأخيرة أيضًا…
"لا تأسفي على شيء.. فعلى كل حال أفضل لي أن تنتهي حياتي بغروب الشباب ولا أود أن أعيش حتى يدركني الكبر.. استقبلي هذا الحادث بهدوء وجلد ولسوف تظلين ماحييت يا "ضحى" موضع الحب والإجلال لأنك بهما جديرة، واصفحي الصفح الجميل إن كنت لم أستطع إسعادك.. فأنا لم أخلق للزواج غير أني كنت أَكِِنُّ لك عاطفة صادقة.
ولو أراد الله لي المديد من العمر لازدت على مر الأيام حبًا لك وتعلقًا بكِ..
كلمة أخيرة.. إذا جاءتك "خالدة" سواء أكانت بمفردها أم بصحبة "صلاح" فرحبي بها وأكرمي ضيافتها وإذا… "
- دعيني بالله عليك أقرأ هذه الرسالة.
أحقًا كتبت أنا هذا اللغو؟!
- نعم ياعزيزي.. انظر بنفسك..
- إنه لأمر غريب مني حقاً!!
أقسم لك أني لا أستطيع أن أجد في مخيلتي ظلاً لمن خطرت له مثل هذه الأمور..
"لا أود أن أعيش حتى يدركني الكبر…."
وهأنذا أصبحت ياحبيبتي في بداية الشيخوخة..
أكره الحياة؟!!
كلا بل أنا سعيد بأن يمتد بي الأجل وأنا منك قريب.
- هذا يؤكد لك ياعزيزي أن الإنسان لاينبغي أن يموت صريع الحب أو ييأس من كبح جماح نفسه..
- هل تظنين يا"ضحى" أن الأمثلة في ميدان العواطف تكون مقاييس ثابتة؟! كلا، فكل أمر فيه جائز الحدوث. لقد نجحت محاولتك لدى "خالدة"، ولكن أما كان من المحتمل أن يكون نصيبها الفشل؟ أما كان من الجائز أن تقتلنى؟
- يجب على المرء أن يجازف ، وهاأنت بحمد الله حي ترزق.. ولكنك لم تخبرني بم أجيب هذه السيدة الحسناء؟
- وماذا تريد؟
- تريد رؤيتنا, فلندعُها إلى الغداء أو العشاء معنا، وعلى كلٍ لك ما تحب.
- ستقص علينا جولتها في ربوع العالم، ولسوف ينتابني من ذلك سأم مميت، التمسي بالله عذرًا.
- هذا محال ياعزيزي، فلسوف تحسبني حاقدة عليها، هذا إلى أن ذلك يشوقني حقًا.
- أي سرور هذا الذي تجدينه في لقاء امرأة تقولين لي إنك عانيت بسببها أشد ما عانيت؟
- إنه السرور الذي يحسه المرء عندما يرسو إلى بر السلامة بعد سَفْرَةٍ حفَّتها المخاطر..
فإنني عندما أرى "خالدة" أتذكر آلامي السابقة فأشعر بلذة كبرى في تذوق ما أنعم به الآن من طمأنينة وسلام، ثم إني أجدها ظريفة جدًا صديقتك هذه!!
- لقد كنت تكرهينها.
- أجل كنت أكرهها عندما كانت تنصب شباكها حولك، عندما كانت تعكر صفو عيشك، وعندما كانت تحتل مكانتي من قلبك. أمَّا الآن،فأنا أقول إنها امرأة رائعة خلابة، وإنك كنت على ذوق سليم وهذا ما أغتبط له.
- أنت تعلمين يا"ضحى" أنني تعب مكدود هذه الأيام، وأن أشد ما أمقته هي تلك الجلسات التافهة فلا تفرضيها عليَّ.
- سأعفيك من مثلها مستقبلاًً إذا سمحت لي بتوجيه هذه الدعوة.
- هل تعنين أنه ينبغي عليَّ أن أستقبل "خالدة" إرضاءًا لك؟
- نعم، هو ذلك ما أعنيه يا حاتم…….

بقلم/ هدى طالب
16/ 6/ 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا