الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصقر ينتظر

احميدة عياشي

2010 / 1 / 4
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


في كتابها في الثورة تقول حنة أرندت ولو أن حال الثورات الحديثة هي من الوضوح كتعريف الكتب المدرسية، فإن اختيار كلمة الثورة سيكون أكثر إرباكا من حقيقته، في حين نزلت الكلمة من السماء لأول مرة، وأدخلت في الإستعمال لتصف ما حدث على الأرض بين بني البشر الفانين، فقد بدت كمجاز واستعارة، وهي تحمل الفكرة التي تفيد بحركة أزلية متكررة باستمرار للحركات الإعتباطية، لتقلبات المصير الإنساني صعودا ونزولا، والتي شبهت بالشروق والغروب للشمس والقمر والنجوم منذ الأزل •
وهذا الإرباك الذي سيعترينا من كلمة الثورة يرتبط أساسا بما تثيره الحركة من صور وحالات وأوضاع وسلوكات وديناميكية متشعبة ومعقدة بحيث يكتنف هذه الديناميكية ألوانا من الجمود والحرية في نفس الوقت، وذلك ما قد يبدو مناقضا لصفة الديناميكية ذاتها•• إلى حد الآن، لا يزال التداخل كبيرا بين مفهومي الثورة وحرب التحرير، الثورة بالنسبة إلى ماذا؟! في البدء، كان تبني النوفمبرين لمعنى الثورة، لأنهم كانوا يعتقدون أن حركتهم تاريخية وهي حاملة لمشروع تغيير جذري بين عالم موجود وآخر غير موجود•• ومثلما قال فرانز قانون إحلال نوع إنساني بدل آخر•• من حيث الشكل تحقق الإستبدال الراديكالي لنظام كولونيالي بنظام آخر، وهو النظام الإستغلالي•• لكن عملية الإستبدال تمت على مستوى الشكل دونما الجوهر•• فالدولة كمنظومة بيروقراطية بترسانتها القانونية والفلسفية المضمرة والمستترة تم توارثها، ومعها، أحيانا، هيكلها البشري (التقني)، وذلك من أجل إعطاء الإستقلال السياسي دلالته المادية•• ثم حتى على صعيد البنية الإيديولوجية تحولت بعد الإستقلال اللغة الفرنسية إلى جزء من هذا الموروث، وليس فقط كغنيمة حرب مثلما صرح ذات مرة الروائي الجزائري كاتب ياسين، بل كشكل وأسلوب من أساليب نقل الهيمنة القديمة إلى فضاء جديد، وهذه المرة على من وضعوا لأنفسهم أو رسموا لها الوجه الكولونيالي الموروث•• وهذه الفئة التي تمكنت من ممارسة نفوذها من خلال الآلة البيروقراطية كانت حاملة لما سماه الكاتب اليهودي التونسي ألبير ماجي لـ عقدة المستعمر •
إن الإيمان بتلك النزولية من السماء للثورة، هو ما أضفى على مشروع النوفمبريين غيبية مقدسة ومدنسة في الوقت ذاته، مقدسة في الظاهر، وفي نظر الشعب والأنظار، ولدى الكثير من الجنود الذين آمنوا بها من منطلق وطني، لكن وجدانيا وفلسفيا من منطلق دين إسلامي•• فرمزية الله أكبر، والإستشهاد والذهاب إلى الجنة في حالة الموت قتيلا كانت بمثابة الخزان الروحي للفعل النضالي، والنبع الحقيقي لتوليد وإعادة توليد من داخل ثقافة الفرد ووجدانه، ثقافة وروح التضحية بالمال والبنين والروح•• هنا كانت تتنامى الثورة كبناء رمزي على منطق حرب التحرير، وكان المقدس يجد كل مكانته ولغته للتجلي ولتحقيق سيادته الخاصة على الأفراد والأشخاص والأفعال•• ما الذي تغير في قلب الحركة كثقافة وفلسفة؟! هذا ما حاول الإجابة عليه فرانز فانون في كتابه سوسيولوجيا الثورة وأيضا مالك بن نبي في كتابه سوسيولوجيا مجتمع أو التيه والرشاد ، لكن إلى جانب المقدس برز وجه المدنس على مستويات أخرى في إدارة الحرب كعملية عنفية وسياسية ومالية وإيديولوجية، والإشراف على الثورة كجهاز بيروقراطي، وكان لا بد لهذا المدنس أن يخرج الثورة من قداستها، وينزلها من السماء إلى الأرض•• وعلى الأرض ثمة الماء والطين والمستنقع والسواقي والوديان•• ثمة إغراءات السلطة وغواياتها، ونداءات التسلط والهيمنة والثأر والإنتقام، وكل ما هو مباح في لعبة الأمير••
كنا أشرنا إلى لعبة التجاذبات بين القاهرة وتونس ومراكش، وتأثيرات هذه اللعبة على توجهات الحكومة المؤقتة التي ترأسها عباس فرحات مرتين، ليخلفه فيما بعد يوسف بن خدة، كما نشير إلى أن جدلية الصراع بين السياسيين والعسكريين، وبين قادة أجهزة الثورة (المجلس الوطني، لجنة التنسيق والتنفيذ، هيئة الأركان)، دفعت بلاعبين جدد ليتصدروا مقدمة المشهد، وبآخرين ليغادروه شيئا فشيئا، مثل الثلاثي عبد الحفيظ بوصوف وكريم بلقاسم وعبد الله بن طوبال، في حين راح نجم الكولونيل هواري بومدين ومساعديه مثل قايد ومنجلي بالسطوع•• وخلال هذه الظروف توصل بومدين إلى حدود القادة السياسيين الذين لم يدركوا كيف يحافظون على تقوية نفوذهم وذلك من خلال تحقيق استقلالهم بالنسبة لمراكز الإستقطاب•• فأحمد بن بلة الذي كان في السجن مع الزعماء المختطفين، كانت كل هيبته وسلطته مستمدة من دعم قاهرة جمال عبد الناصر له، وكريم بلقاسم كان يستمد قوته من دعم الحبيب بورقيبة له، ونفس الأمر كان بالنسبة لعبد الحفيظ بوصوف الذي كان تحت تأثير وسيطرة جنرال الحسن الثاني أوفقير•• هذه الإرتباطات أزعجت هواري بومدين، لكنها فتحت عينيه على أن السلطة الحقيقية تكمن في الإستقلالية والتمكن من امتلاك الوسائل الفعلية لهذه الإستقلالية،، لذا عندما تمكن من إحراز ثقة رؤسائه الذين فتحوا له الباب ليرتقي ككولونيل، بحيث كان أصغر عقيد، وحول هذا الرأسمال الكبير من الثقة ليكون على رأس هيئة الأركان العامة، وهذا دون أن تخونه الثقة في نفسه، ودون أن يشعر بثمالة القوة ونشوتها، فحافظ على تواضعه وتكتمه وتثبيت أقدامه على الأرض، وكل ذلك حدث في صمت وصبر وكتمان••








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح