الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النموذج المعاصر للإحتلال

محمد سيد رصاص

2010 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لايمكن عزل اغتيال أحمد شاه مسعود،زعيم (تحالف الشمال الأفغاني)الذي يضم مكوِنات سياسية تمثل أساساً الطاجيك والأوزبك والهازارا كانت تشكِل المعارضة المسلحة لحكم (حركة طالبان) المستندة إلى الأكثرية التي تمثلها قومية الباشتون،عن عملية(11أيلول)،على الأقل في ذهني ابن لادن والظواهري،حيث كان فاصل يومين بينهما يدِل ،من قبل المخططين أنفسهم للعمليتين،على أن إزاحة شاه مسعود من الصورة،وهو الذي كان يمثل قوة اسلامية كاريزمية مضادة لطالبان وحليفتها"القاعدة"،تمثل ضرورة عندهما من أجل جعل ردود الفعل الأميركية على ذلك الحدث الضخم،التي كان من المتوقع أن تصل إلى مرتبة الغزو والاحتلال،لاتلاقي شخصية أفغانية ذات وزن معتبر مؤازر للغزو والاحتلال ومايعقبهما من ترتيبات داخلية.
وفعلاً،فإن دينامية عملية الاحتلال الأميركي لأفغانستان قد ظلت مفتقدة إلى ذلك طوال الثمان سنوات الماضية،مادامت اعتمدت أساساً على شخصية ضعيفة في وسط أكثرية الباشتون وآتية من عالم المجهول مثل حامد كرزاي(الذي يمكن مقارنته ببابراك كارمال الذي أتى به بريجنيف من منفاه بمدينة براغ وأنزله بالباراشوت "حاكماً " على كابول بعد غزو يوم 27كانون أول1979السوفياتي لأفغانستان) بدلاً من شاه مسعود رمز المقاومة الأفغانية ضد السوفيات الذي كانت قوته السياسية ليست محصورة في قومية الطاجيك وإنما تمتد أيضاً لنسج خيوط مع بعض القوى الممتدة بين الباشتون مثل حزب الإتحاد الاسلامي،وبالتأكيد فإن فقدان الوزن أوضعفه البالغ عند القوى الباشتونية الموالية أوالمتعاونة مع الاحتلال الأميركي،ثم انقسام (تحالف الشمال)بين الجنرال محمد قاسم فهيم(النائب الحالي لكرزاي وخليفة شاه مسعود)وبين الدكتور عبد الله عبد الله،كان ممكناً حصول عكسهما لوظل شاه مسعود على قيد الحياة في فترة مابعد سقوط كابول بأيدي الأميركان يوم3تشرين الثاني2001.
هذا الوضع،يفسِر آليات استعصاء وفشل الاحتلال الأميركي لأفغانستان،وبالتالي نجاح حركة طالبان في انشاء مقاومة ناجحة للاحتلال،من الواضح أنها ربما هي الآن على وشك الإقتراب من تكرار مافعلته مقاومة"المجاهدين"الأفغان للاحتلال السوفياتي بين عام1979و1989. هنا،إذا ذهبنا إلى النموذج العراقي،منذ احتلال2003،نجد أن قوة القوى الداخلية،الموالية والمتعاونة مع الاحتلال،هي التي أتاحت جعل الوضع العراقي أقل صعوبة من ذلك الأفغاني أمام المحتل الأميركي،وهذا شيء كان واضحاً منذ(مؤتمر لندن)في الشهر الأخير من عام2002قبيل ثلاثة أشهر من غزو العراق،حيث كانت هناك ثلاثة قوى عراقية معارضة كبرى أبدت منذ ذلك الحين استعداداً علنياً لكي تكون ظهيراً داخلياً للغزو والاحتلال،هي " المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" بزعامة آل الحكيم والحزبين الكرديين للبارزاني والطالباني،ثمَ أصبح " حزب الدعوة" رابعهم منذ يوم سقوط بغداد في 9نيسان2003وتشكيل بول بريمر ل" مجلس الحكم "،وقد أمَن هذا الرباعي وضعاً عراقياً ملائماً لواشنطن ماكان ممكناً أن يؤمِنهُ(160ألف جندي أميركي)الذين شكلوا القوام العسكري لعملية الاحتلال،لوكان الأخير مباشراً من دون"ظهير داخلي".
ربما يمكن،هنا،اجراء مقاربة أوضح للنموذج المعاصر ،ممثلاً في الاحتلال الأميركي للعراق،من خلال مقارنته مع نموذجي الاحتلال الإنكليزي لبلاد الرافدين،المباشر بين عامي1917و1921ومارافقه من اضطراب داخلي كبير كانت ذروته (ثورة العشرين)،ثم الموضوع له واجهة داخلية بعد تنصيب فيصل بن الشريف حسين"ملكاً"على العراق في يوم 23آب1921 بإقتراح من وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل،ولوأن الحكم الملكي(وظل هذا لعقود ثلاثة)كان أكثر امتداداً في المجتمع العراقي من هذا"الرباعي"المعاصر حتى بعد انضمام"الصحوات" له منذ عام2007بدعم من التنظيم الإخواني العراقي،أي(الحزب الاسلامي)،الذي يشكل القوة السنيَة العربية الكبرى في عراق مابعد9نيسان2003.
في هذا الإطار،يلاحظ،وفي معرض مقارنة النموذج المعاصر من الاحتلال مع الحديث الأقدم منه في القرنين الماضيين،أن الإنكليزي كان أكثر مايميل إلى الواجهة المحلية،وأحياناً الإقليمية لكي تشارك معه،مثل ما جرى مع نموذج الحكم الثنائي الإنكليزي- المصري للسودان منذ عام1899حتى توقيع اتفاق 12آذار1953البريطاني- المصري الذي أكد حق السودانيين في الحكم الذاتي الإنتقالي وتقرير المصير،فيماكان الفرنسي أكثر ميلاً إلى النموذج المباشر للاحتلال(=الجزائر،افريقيا السوداء..إلخ)،وعندما يفشل عبر هذا النموذج،كمارأينا في سورية بين عامي1920و1936،كان يلجأ إلى الواجهة المحلية كماحصل بدءاً من معاهدة أيلول1936حتى اسدال باريس الستار على هذا "الفصل السوري"في يوم10تموز1939مع تلبد غيوم الحرب العالمية الثانية.
في الخلاصة،يمكن القول أن نموذج"الواجهة المحلية"للاحتلال المعاصر يستند إلى واقعة وجود انقسام مجتمعي في بنية المجتمع المحتَل يتيح للاحتلال الإستناد إلى ظهير داخلي،وعلى مدى قوة الأخير تكون الأوضاع الاحتلالية مستقرة ولونسبياً أوفاشلة،وكذلك في الجهة المضادة نجاح المقاومة للاحتلال أوالعكس. أيضاً،يلاحظ،في هذا المجال،أن تشكيل "الواجهة المحلية"،في الاحتلالات المعاصرة،كان يعبر عن إرادة سياسية عند قوى وأحزاب معينة في البلد المحتَل لكي تكون ظهيراً داخلياً للاحتلال ،فيماكانت معاهدة 1936الفرنسية-السورية ناتجة عن توازنات فرضها الداخل الموحد على المحتل الأجنبي حتى استطاع الأخير،نتيجة تفكك واضطراب وانقسام في (الكتلة الوطنية)،فرض وضع معاكس بعد ثلاث سنوات. هنا،كذلك ،يمكن تسجيل أن عدم استطاعة لندن فرض "واجهة محلية " سودانية،رغم وجود قوة كبرى كانت مؤيدة للبريطانيين أوبالأحرى معادية لوحدة وادي النيل ممثلة بالمهديين،كانت بالترافق مع انقسام الحكم الثنائي بفعل خلافات الملك فاروق مع الإنكليز بين عامي1942و1952،وهو شيء أدى بالحصيلة إلى جعل انقسامات الحكم الثنائي يقابلها سودانياً انقسام داخلي سوداني عميق ولكن متوازن القوى بين المهديين والختميين الذين مالوا إلى (وحدة وادي النيل)،حتى أتى حكم 23يوليو1952لكي يوافق على انفصال السودان كمفتاح إلى اتفاقية19أوكتوبر1954المصرية – الإنكليزية المسماة ب(اتفاقية الجلاء).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي