الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى الله

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2010 / 1 / 5
الادب والفن


(الله لا يمكن أن يعطينا عقولا ، و يعطينا شرائع مخالفة لها. ).

ابن رشد




لم بكن ذلك( السرفيس ) الذي حشر نفسه فيه بين عشرات الركاب هو المكان الوحيد الذي يلغي إنسانيته و يزهق كرامته .
كانت عزة نفسه تتأرجح بين طرفيّ كماشة الموت ببراعة ..أحلامه بنهاية اللعب بعيدة ، فهو مازال في الثلاثين .

**********
وصل منزله ، إلى السرير دون غسيل أو تبديل ملابس .

بكى قليلا و غط في نوم عميق .

**********

استيقظ مبتلا، مذعورا.. كقط يتزحلق رعبا تحت برق و مطر ...
ما شاهده لم يكن حلما، و ليس رؤية و لا كابوسا .
هو يحتاج كلمة جديدة لتعرّف له الفلم القصير الطويل الذي قضى فترة قيلولته في داخله .

تأكد من عدد أصابع يديه و قدميه ، ثم تكلم بصوت عال ليتأكد من نطقه و سمعه ..أنا بأمان قال في نفسه .


**********

اقتربت منه و همست :
- ما بك.
-خائف .
-مم؟!
-منه .
-من هذا ؟

-الله

**********

الكلمة كانت قديمة ،غريبة و غير مطروقة في عصر الحروب الدينية الباردة ، و الاشتباكات الطائفيّة الساخنة...
قالت له :
-أمعقول تخاف ممن لم يعد أحد يخاف منه !
-لقد رأيته .
ضحكت ، و أجابته :
- في الحلم !


**********


جمع رسائل أصدقائه إلى الله ، لم يضع نفسه موضع سخرية مجددا ، طلب الرسائل كنوع من العمل الأدبي ...

**********


"سارة " مضيفة الطيران ، و التي استمر مسلسل قتل عائلتها في العراق كل السنوات الثلاثين الماضية

كتبت :
(مازلت أطير فوق عالم كبير ، تجمع أفراده صفة واحدة ، و تفرقهم ملايين الصفات .
مازلت أطير أحمل خيبات الدنيا كلها..أكره جميع الطوائف ، الأحزاب ،التقسيمات و المسميّات التي اخترعوها ، ثم عبدوها ، قدسوها و حرّموا المساس بها ...
مازلت أطير أتمنى انسلاخي عنها كلها ، عودتي إليك أنت وحدك .).


**********
"عادل " أستاذ اللغة العربية ، و الذي تمزق قلبه بين ولدين قتلهما الاسرائيليون ، و بين تلاميذ ضربوه و هو يحاول فك اشتباكاتهم .
كتب:
(قتل ابن ، قتل أب ، قتل عاشق ، قتل ميت ...
كم من مرة في اليوم يقتلونك يا الله ؟
هل تعلم أن تلاميذي يتقاتلون من أجل الأحزاب ..و سيقتلونك أيضا من أجلها .).


**********

"مدحت " الشاعر الذي يبحث عن فرصة واحدة حقيقية ، عن مكان صغير يستطيع منه البوح في زمن العولمة .
كتب:

(لا يستطيع الله الحضور ، لن ينقذ أيا منكم لا من فقر و لا من ذل و لا من جوع ...
نفخ روحه في جميع البشر ، لن يعود إلا بزوالهم كلهم .
ملاحظة : هل تعلمون كم عدد فضائيات العري و السخف و اللاطرب العربيّة اليوم ؟ ) .

**********

"عبير" خريجة الأدب الفرنسي التي فقدت القدرة على المشي بعد حادث إرهابي ذهب ضحيته العشرات .
كتبت :

(عاديت الدموع منذ الأزل ، أبكي دوما ، لكني لا أستخدمها .
قلبي يرتجف و تلك الطفلة في داخلي تتألم ..هذا ما قايضتني إياه الحياة، عندما سلبت مني الدموع .
اعذرني يا الله ، لكن أين أنت ؟ ما الذي ستفعله لتجعل ملايين الجهلة يستخدمون عقولهم ؟) .

**********
"جهاد" الطبيب الذي عاد إلى بلاده بعد سنوات غربة و تحصيل علمي .
كتب:
(لطالما أحسست بوجودك يا الله ، كنت دوما تفعل معجزات لم يعرفها علم أو طب .لكني يا ربي أحتاج لثقة جديدة بوطني ،فقد أهملني، و صدمني حتى تمنيت لو أني لم أرجع .
ربي أنا أؤمن بالتقمص و بأنه العدل الذي تستخدمه أنت لتساوي جميع الناس ، فإن كان هذا صحيح أرجوك يا رب اخلقني مجددا في أمريكا أو بريطانيا ، فأنا أحب العلم ).

**********
"يامن " الخباز و الذي يسكن جاره في نفس العمارة المهملة ،في حي الطبقة الوسطى السائرة باتجاه الانقراض .
كتب:
(كم أتمنى أن أقتل صاحب الفرن يا الله ، لكني أعلم أنك لا تريدنا أن نقتل .
هل تعلم البارحة قام عن صلاته و ركلني إلى أن سقطت في الطحين ، أعلم أنني لا يجب أن أنام في وقت العمل ، لكني يا رب عملت البارحة عشرين ساعة.أود سؤالك يا الله :هل تسمعه عندما يصلي ، أم تسمعني عندما أعمل ؟ ) .

**********

"سما " المحامية ، و صاحبة مكتب المحاماة الخيري تقريبا .
كتبت :

(لا أظنك يا الله توافق على ما يفرض باسمك من ظلم ..طلاق جائر ،تعدد زوجات ، حرمان من الأطفال ، وصاية من أب أو زوج ظالم .
أنا متأكدة يا ربي أنك لا تؤيد الرشوة و الفساد ، أنك ستعاقب الناس الظالمين مرة ،و ستعاقب القضاة الظالمين ألف مرة .
أحبك يا ربي ..ساعدني .).

**********


و جمع عشرات الرسائل ، و تخيل ملايين أخرى ، و نام و كله أمل أن يراه من جديد .

**********

استيقظ على يدها تهزه :
-نمت كثيرا ، حان موعد الزيارة.

**********

كان سرير طفله فارغا ، قالوا له : البقية في حياتك ، هوّن الله عليه .

**********

دفن مع ابنه عشرات الرسائل المجموعة ، و ملايين متخيلة .و أوصى جسده الصغير قائلا:

-يا حبيبي ..قل ل (الله ) أن يخلقك في كوكب جديد ، فالوضع هنا محزن جدا .



يتبع ...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل هذا السرد..
حسين دويس ( 2010 / 1 / 5 - 08:12 )
أكملي سيدتي الكريمة.. فكلي عيونٌ ناظرة.


2 - الله عليهم ما أقساهم
فيصل البيطار ( 2010 / 1 / 5 - 08:27 )
قطعه جميله ومؤثره حقا ... اصبحت أنتظرك على شوق فشكرا لك .


3 - سلامي
لؤي عجيب ( 2010 / 1 / 5 - 12:33 )
رائع جدا... جداً ....
ً


4 - قصائد مرآويه فذه
عبد الوهاب المطلبي ( 2010 / 1 / 5 - 12:49 )
ارق التحايا اليك سيدتي
فعلا انها قصائد فذه تمتلك الايقاع المتبلور في أحداق المعاني
تحياتي يا دكتورة لمى


5 - لــــمــــاذا؟؟؟...
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 1 / 5 - 13:34 )
مني يا سيدتي الرائعة, مني أنا العلماني ألف مرة, أقدم لك كل تهنئتي بهذا المقال الخيالي المليء بالصوفية الحيادية والكتابة الجيدة التي تشد عادة كل متألم مجروح إلى (العربشة) بطوق نجاة غـيـبـي أو ما شابه. ولكنني رغم جراحي وتعبي ويأسي من الإنسان والأنبياء والآلهة, أتمسك بعلمانيتي. وحينما تقابلون إلـهـكم, إسألوه ـ بكل قــدرتــه ـ لماذا يترك الأطفال في قبضة الموت؟ لماذا يتعذب الإنسان الفقير؟ ولماذا تظلم النساء بلا رحمة؟ ولماذا يمزق التعصب الطائفي أكثر من نصف العالم.. ولماذا يترك الأغنياء يعمرون الأبراج بدلا من الملاجئ والمستشفيات والمدارس.. ولماذا الـعتمة والظلام تغمران الفكر والإبداع والحريات الإنسانية؟ وألف لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟ّّّ!!!...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد العتمة الواسعة



6 - حكيم
سالم اسماعيل نوركه ( 2010 / 1 / 5 - 15:38 )
حكيم هذا السرد وجميل فنيا ومملوء بالمرارة وثقي إن رسائلك قد وصلت كما أعتق وواثق بأنها وصلت لي وصفقت لك كثيرا ونطلب المزيد وأنت كريمة


7 - اجمعوا امركم ايها البشر:ماذا تريدون من الله؟؟
محمد ابو تمهيد السعيدي ( 2010 / 1 / 5 - 17:20 )
لا ادري ايها البشر؛ ايها المثقفون؛ ابها المفكرون؛ ايها الفقراء؛ ايها الاغنياء؛ ايها الطغات؛ ايها المستضعفون؛ ايها المتملقون؛ ايها المتلونون؛ ايها العلمانيون؛ ايها المتدينون؛ ايها...........الخ

ماذا تريدون من الله؟؟

هل تريدون القيد الالهي يجبر سلوكياتكم؟؟

ام التفويض الالهي يسود اراداتكم؟؟

هل تريدون التدخل الالهي في كل صغيرة وكبيرة؟؟

ام تريدوه يرفع يديه عنكم ويتفرج على قباحاتكم؟؟

ام تريدوه آله خادم لمصالحكم؟؟

لقد حيرتموه.. ماذا تريدون؟؟ بالله عليكم؛ بعلمانيتكم؛ بتقواكم؛ بفجوركم؛ بالحادكم؛ بديموقراطيتكم؛ بحريتكم؛ بعهركم وطهركم؛ بكل مقدساتكم؛ اجمعوا ايها البشر امركم عن طريق الانتخابات، او الاستفتاء، او التزكية، او اية وسيلة تتفقون عليها ان استطعتم وقدموا مشروع قانون وضعي فيه الصلاحيات المخولة من قبلكم لله الذي تؤمنون به او لا تؤمنوا به... اتحداكم بالود والحب ان استطعتم ذلك

كل احترامي وحبي واعجابي للاخت الفاضلة لمى


8 - رد بسيط للسيد أحمد بسمار
غريب الحاج صـابـر ( 2010 / 1 / 5 - 19:44 )
على تساؤلك لماذا يـبـنـي الأغنياء أبراجا عالية عالية , تصل إلى السماء (الحقيقية الموجودة فوق رؤوسنا) بدلا من بناء ملاجئ ومستشفيات ومدارس. لا أضيف أي شيء على تعليقك سوى تغيير كلمة (الأغنياء) بكلمة (الأغبياء). وأعتقد أن الاثنين قـد اشتروا مربعهم وحورياتهم وأنهارهم في نفس الــجــنــة.
مع تحيتي لك وللسيدة لمى محمد.


9 - شى جميل
انتماء المقدسي ( 2010 / 1 / 5 - 20:52 )
شى جميل جدا ومعبر ايضا عن مظالم هذا العالم الظالم الذي نعيش فيه....................مع التقدم وشكرا


10 - رسالة ضرورية إلى مسؤولي الحوار (المتمدن)
غريب الحاج صـابـر ( 2010 / 1 / 6 - 08:01 )
أنا لا أفهم الخلل الفكري والرقابي الموجود في موقعكم. إذ تنشرون نفس تعليقي حرفا بحرف الذي اعتبرتموه غير موافق لشروط النشر ثلاثين دقيقة من قبل...ولقد تردد هذت الأمر عشرات المرات مع العديد من المعلقين ومعي خلال منشوراتكم السابقة... يا أهل الحوار (المتمدن).. هذه غـرابـة تــحــد من قيمة احترامنا لــكــم مع مزيد الأسف. يرجى الانتباه والتصحيح.
مع تحية صادقة.
يرجى النشر.................


11 - سباق الاقلام
ابو شريف ( 2010 / 1 / 6 - 10:36 )
ساقرأ لك حتى يتفوق قلمك على قلم الحمرا عندها ساتوقف آسفا .فكرتك شاهدتها فيلم عربي ابيض واسود
ملاحظة
بكل صدق هذا رأي قاريء وليس استفزاز


12 - عودة وآخر نقاش مع مسؤولي الحوار
غريب الحاج صـابـر ( 2010 / 1 / 6 - 13:48 )
لا أريد الدخول بأي نقاش جذري مع مسؤولي موقع الحوار. لأنه لا يمكنني التدخل باختياراتهم وطريقة نشرهم أو عدم نشرهم لما أكتب مع غيري من الكتاب والمعلقين. كل ما استطيع هو الهجرة من موقعهم إلى مواقع الكترونية أخرى لا تمارس الرقابة الفكرية بأشكال مباشرة أو غير مباشرة.
أستغرب في بعض الأحيان أنهم يرفضون نشر تعليق أو ملاحظة. وبعد نشر رفضها بنصف ساعة ينشرونها, دون تحديد السبب. حتى أنني أشعر أنهم يركزون النشر أو عدم النشر آليا وآنيا على اسم الكاتب أو المعلق, أكثر من تركيزهم على جوهر الكتابة أو التعليق. لهذا يتبقى لنا الاختيار مثل ربة البيت التي تذهب إلى السوق وتختار ما تشتري, دون الشجار مع البائعين الذين لا تجد لديهم ما يعجبها من الخضار والفواكه...
مع تحية مهذبة...

يرجى النشر...............


13 - لمن تسيج المقابر ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 1 / 7 - 15:30 )
فقد طفلي في عاصفة الصحراء ... وداري في ليلة ظلماء ...وجاري فقد له كل الاعزاء ... وجار جاري لم يعد له من يقيم العزاء ... هذا ولكم أحبتي الاجر والثواب والبقاء ... ولله ورسوله كل الشكر والثناء ... هكذا سيكون حالنا إلى الابد مادامت العقول في الجحور والدين والاوطان تجارة الحقراء ... ولك سيدتي ألف شكر وكل القراء ... فالضرب في الأموات يعد حرام بل سنة وشريعة تقدسها وتباركها السماء .....!؟


14 - إلى المعلق س. السندي
سـناء حـنـاوي ( 2010 / 1 / 7 - 16:26 )
أقسم لك بكل غال بأنني لم أفهم أي شيء من تعليقك الموعظة على هذا المقال الجميل. يا رجل أدخلت الحزن واليأس إلى قلوبنا بلا سبب. هل كانت غايتك التعليق, والتعليق فقط, مجذوبا بسحر عيون الكاتبة لمى محمد؟ ؟...

اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح