الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزيرٌ لحقوق الانسان ألعراقي أم ببغاء؟

محمد جهاد

2004 / 6 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كان لابد ان اكون هناك بحدود السابعة مساءاً حيث تسكن صاحبة المعرض الرقيقة هي وخليط الابناء الذين حوتهم من ازواجٍ او اصدقاء او مِن مَنْ رفضهم ذويهم لأسباب تتعلق بفرط تناول الكحول و المهيمنات اومن تأثير ظاهرة التصحر الوراثية ولا بأس في عملها هذا فهي الغريزة اولاً ومصدر الرزق ثانياً واجرٌ عند الله ما بعده اجر. وصلت الدار الجميلة بصاحبته الجميلة حسب الموعد ألمعلن في احدى ضواحي مدينتنا المتوسطة الزحام حيث كانت هي ورجل في سبعينيات العمر وامراءة تخطت الستين يحيطون بالمنضدة الخشبية المتألقة ببريق طلاءها الزجاجي وصحون لم ارى بحجمها من قبل تعجُّ بقطع اللحم المتنوعة والخضروات الغير موسمية متعددة الالوان والتي بدت هي الاخرى كلوحة جميلة من فرط ترتيبها. كدت انسى سبب وجودي هناك من هول جمال واناقة البيت ولكن الذاكرة الباسلة اسعفتني كالبرق لتقول لي انت هنا لمشاهدة لوحات الرسم إلا أنَّ هاجساً من الغيب صرخ بي " اخلع نعليك اولاً فأنك في بيت جديد و ارض الدار خشب مصقول و مدهونٌ مدهونٌ مدهونٌ مدهونْ". حمدت الله لأن جواربي كانت سليمة خلاف المعتاد فخلعت الحذاء و تقدمت متباهياً بجواربي الغير مثقوبة وكأنني اسير فوق سطح الماء، أين هي اللوحات وصديقنا الرسام اين من اعرفهم ومن هولاء؟ هذه امي و ما أوقر الشكل والهندام وهذا فلان صديقنا القديم القديم طبيب الأسنان، تتساوى في الذاكرة كلاب صيد حكام الدول النائمة واطباء الاسنان عند مناجاتنا عظامنا. بحذر شديد اخذت موقعا على تلك المائدة الشهية موزعا ابتساماتي لهم حتى شعرت بالم في أطراف فكي لأنني لم ابتسم منذ عصور وتركت الحرية لاناملي كي تنام على صفاء الخشب الابيض المنتحر صقلاً ودون وعيّ ركبت احدى القدمين فوق الاخرى تحسباً من احتمال وجود ثقب في احدى الجوارب لم الحظه ثم صمتّ وصمتت كل المخلوقات معي. مزق السكون بعد قليل صوت الببغاء الاشعث وهو ينادينا بسخريته المعروفة وكأنه يقول هيا تكلموا اصرخوا ايها الكبار من بني البشر اسياد كل الخلق وقولوا شيئا ايها الحمقى هل تركتم عملاً قبيحا لم تفعلونه؟ تكلموا فكل ما ستبوحون به مبرر فالأعلام المدفوع والتجويع المبرمج زائداً فائض القيمة كفيلٌ في طمس جرائمكم لكن كلبا مستتراً سبقنا وبين له بصرخة مدوية بان ما تحدث به خارج حدود صلاحياته. لحظات حتى صمت الاثنان بهمسة من سيدة الدار اليافعة التي حجب جمالها وتألقها ملاحظة قصر فستانها الذي لم يعد يستر شيئاً يستحق الذكر. مررت مرور الكرام باللوحات المستلقية على جدار الطابق الارضي وهي صامتة في العتمة كأنها فارسٌ اضاع في النائبات فرسه او شهرزاد تنتظر من يوقضها في صباح الليلة الالف لتحكي الحكاية من البداية. ها هو ملح الفاو يختلط بتلج كندا وسعفُ نخلها المترب يستنجد بالثلج الذي غطى أغصان اشجار السرو التي لا تثمر سوى خشبا وقسوة وغربة وصوراً لبطاقات المحبة البليدة. شبعت عيني من أطيان البصرة و وثلوج كندا وتساوى انين الحنين مع نشوة الشعور بالإنتماء كما يتساوى الحلم مع الحقيقة في ريشة الفنان. بالكاد تحركت شفاه الام التي احتفضت بجمالها ورقتها رغم تجاوزها الستين وتكلمت كي لا نسرف في الاحاديث العابرة عن ارض بابل وسجون ابو غريب واسعار البنزين، تحدثت عن اثاث المطبخ الجديد والطعام المعد و علاقة التربية بالبيئة ثم تطرقت بعد سؤالها الى فن الرسم بانطباعيته وتجريده وشيء عن السريالية و رؤوس اقلام عن التكعيبية وانا مندهش من كل شيء فيها. ببلاهة المحب للحياة تسائلت عن الزمن الذي سيطوي صفحة هذه الانثى يوماً ما وهي التي تستنطق الصخر و تجلي عنه صمته العقائدي ، هل ان خريف العمر يصقل البشر ويسمو بهم في سياق التحضيرات لاطلاق رصاصة الرحمة ام ان بين خريفها وبين انتظار الرصاصة تكمن الماساة. توافد البشر من كل الاجناس والاعمار وانا ارقب السيدة الوقور بطارف عيني وهي ترتب الاشياء وترفع الصحون وكل شيء يتعلق بخدمة الضيوف بكل رقة وحنان والاكثر اثارة هو اسلوبها الفلسفي الراقي في التعبير عن وجهة نظرها... يا للأم ويا للانسانة. اعلنت الساعة منتصف ليل ذلك اليوم رغم الضياء المنتشر في نهايات المدينة البعيدة لتؤكد لنا بان ليلنا قصير فلا موجُ بحرٍ سيرخي سدوله ولا احداً سينيء بكلكل فرحل الجميع بضمنهم انا وتذكرت ان سبب زيارتي الغير معلن هو الخروج من الدار الذي لم اغادره منذ شهور. تعاقبت الاتصالات الهاتفية بعد دقائق قليلة من وصولي الدار من صاحب اللوحات الذي لم يحضر ومن صاحبة الدار حبيبة القلب ابنة الفيلسوفة الرقيقة معتقدا بان ما حصل بينهم قبل ايام من تعكر في العلاقة كان خطا بالترجمة وكان علي ان اصحح الترجمة و اضع النقاط فوق الحروف.
ُوضعتْ النقاط فوق الحروف في اليوم التالي دون الحاجة لترجمتي. لكني استشفيت من حديثي مع الفاتنة صاحبة الدار ان طفولتها لم تكن سعيدة ولولا طبيب الاسنان الذي سامرنا بالأمس لما تمكنت من العثور على أمها بعد فراق ثلاثين عام حيث تخلت عنها وهي لم تتجاوز الاسابيع بعد الولادة لاسباب قد تتعلق بتعدد الأصدقاء ومخاطر الرضاعة الطبيعية وعلى قاعدة العمر لو تدري قصير!!!!.
امعنت القوانين المحلية في حماية الطفولة وحقوق الانسان الى حد لم تحقد السيدة الفاتنة على امها التي تركتها طفلة حتى بلغت الثلاثين لانها وجدت في القوانين والمتابعة النزيهة لتطبيقها العطف والحنان الذي فقدته مع الأم التي انجبتها.
لقد نسيت ان في بلادنا بشراً جديرون بحقوق الانسان عندما استمعت لمن يسمي نفسه وزير حقوق الانسان العراقي وهو يدافع عن جلْد وتنكيل المحتل لأبناء جلدته بمقارنة فعلهم مع ممارسات النظام القمعي المخلوع و المجهول المصير. ولفهم خطاب وزير حقوق الانسان هذا يجب ان نسلم بواحدة من الحقائق التالية على الاقل:
أ- ان سكان بلاد الرافدين ليسوا بشراً
ب- ان وزير حقوق الانسان فيها ليس بشراً
ج- ان الذين يخاطبهم وزير حقوق الانسان ليسو بشراً
د- ان الذين نصبوا الحكومة الحالية هم نفس الذين نصبوا الدكتاتور الضرورة مجهول المصير ولنفس الغرض.
لك الله يا عراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت