الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة السورية والمشاركة السياسية

روعه عدنان سطاس
اعلام وصحافه ،ناشطه في مجال حقوق الانسان ، ،باحثه في الفكر الاسلامي الجديد

(Rawa Stas)

2010 / 1 / 5
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة



حققت المرأة السورية مكاسب جمة عبر سنوات طويلة. لقد نالت مساواتها في حق التصويت والانتخاب بوقت مبكر منذ أعوام الخمسينات، وهي مكاسب مهمة حققتها خلال فترة نصف القرن الفائت الذي أعقب استقلال سورية (1946) وحتى نهايته. سواء تعلق الأمر بحقوقها الاجتماعية مثل حقها في التساوي بالأجر بالنسبة لنفس العمل أم بحقوقها السياسية، مثل حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية. وذلك عبر جملة الدساتير السورية والقوانين المختلفة.
وتحتل المرأة منصباً وزارياً منذ عام 1976 حيث بدأت مشاركتها بالوزارة بمنصب وزاري واحد هو وزارة الثقافة، ليصبح للمرأة منصبان بعد تسلم المرأة الثانية لحقيبة وزارة التعليم العالي في الحكومة المشكلة عام 1991 ثم انتقلت هذه الحقيبة إلى وزارة العمل عام 2000 والثانية إلى وزارة المغتربين.
وتشارك المرأة في بعض القيادات على مستوى بعض المحافظات في حزب البعث العربي الاشتراكي، ففي المؤتمر الأخير دخلت المرأة لأول مرة القيادة القطرية. كما تتولى في الوقت الراهن (2005) امرأة أمانة الحزب الشيوعي السوري (بكداش) خلفاً لزوجها (خالد بكداش)، مما يشير إلى تأثير العقلية الأبوية العشائرية على الممارسة السياسية. وكذلك تترأس امرأة حزباً أسس مؤخراً ولم تحصل على ترخيص وهي السيدة رهاب البيطار. كما وتعمل المرأة في السلك الدبلوماسي السوري، ودخلت سلك القضاء منذ عام 1975، كما دخلت في الشرطة وكذلك في سلك ضباط الجيش والقوات المسلحة، وفي التدريس الجامعي والمنظومة الصحية الخ.. أي في كثير من المجالات التي لا مجال لتعدادها هنا.
وإضافة إلى كل ذلك تساهم المرأة في المراكز العليا لمختلف المنظمات الحكومية والمدنية وفي النقابات المهنية والمنظمات الشعبية ( نقابات الأطباء والصيادلة والمحامين والفنانين والمعلمين وفي نقابات العمال والحرفيين والاتحادات الفلاحية، لكن بنسب ما زالت دون المأمول). وقد تأسست لجان للمرأة العاملة في جميع التجمعات العمالية (في القطاع العام فقط) والمنظمات النقابية من أجل الارتقاء بدور المرأة العاملة ومواجهة العقبات التي تحول دون مشاركتها الكاملة في العمل والتنمية.
وجرى اهتمام واسع بتعميق التمكين السياسي للمرأة السورية بدءاً من نقاش هذا الموضوع باستفاضة في المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي( حزيران 2005) إلى إصدار الهيئة السورية لشؤون الأسرة لدراسة" نحو التمكين السياسي للنساء في سورية" والبرنامج التدريبي " القيادة والمشاركة السياسية للمرأة" الذي يشترك بتنفيذ الهيئة السورية لشؤون الأسرة والاتحاد العام النسائي بدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة.
وفي المجال القانوني إضافة إلى تقديم التقرير الأولي للجمهورية العربية السورية الخاص باتفاقية سيداو" فإن العمل لرفع أغلب التحفظات السورية عن مواد الاتفاقية جار على المستويين الحكومي وغير الحكومي، كما وانضمت الجمهورية العربية السورية إلى اتفاقية العمالة المهاجرة(2005)،وتجري إمكانية الانضمام الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة التي لم تنضم إليها سورية بعد.
واستكمالاًَ للانضمام لاتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة جرى إطلاق " البرنامج الوطني لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة كما وأٌعدت مسودة لتعديل مواداً تمييزية في قانون العقوبات ومسودة لقانون أسرة حديث.
ولعل تعيين السيدة د. نجاح العطار نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الثقافية دليل على توفر الإرادة السياسية لزيادة نسبة النساء في مواقع صنع القرار.
ولابد من الإشارة إلى تنامي دور الجمعيات غير الحكومية من أجل تعديل قانون الجنسية والمواد التمييزية في قانون العقوبات واقتراح قانون الجمعيات عصري أسرة يحقق المساواة
بين الرجل والمرأة ورفع التحفظات عن"سيداو". وهنا يجدر التنويه بتشكيل تجمع " سوريات" من عدد من الجمعيات النسائية الفاعلة وكذلك بنشاط عدد من المواقع الالكترونية في تعميق الوعي بثقافة المساواة وتنظيم الحملات.
وقد جاءت الخطة الخمسية العاشرة بخطوات هامة لتمكين المرأة على الصعد كافة في فصل خاص إذ جاء فيها:

* سيتم تعديل القوانين والتشريعات وتطبيق الإجراءات المتكاملة لمنع الإهانة الشخصية وممارسة العنف ضد المرأة والحد منه، وكذلك تحديث وتطوير القوانين والتشريعات الوطنية بما ينسجم مع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وإصدار قانون مدني للأسرة يضمن حقوق أفرادها ويكرس المساواة الفعلية بين المرأة والرجل ويوفر الحماية للنساء من العنف ويساهم بالحد من التقاليد والعادات البالية التي تعيق مساهمتها في بناء مجتمع متحرر وعصري وديمقراطي.
سيجري إقران القوانين الوضعية ببرامج تهدف إلى تعريف النساء بتلك الحقوق القانونية الممنوحة لهن وأهمية ممارسة تلك الحقوق والدفاع عنها وتمكين النساء اللواتي يمارس العنف ضدهن من الوصول إلى آليات العدالة والإعلام بالتجاوزات للحصول على حقوقهن بالكامل وبدون التذرع بالأعراف والتقاليد التي قد يقدمها الرجل لممارسة العنف على المرأة.
كما ورد في مقدمة الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية المعمول به الآن بأن "الحرية حق مقدس، والديموقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنسانا كريما قادرا على العطاء والبناء ،قادرا على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، …" وجاء في المادة العاشرة من الدستور أن " مجالس الشعب مؤسسات منتخبة انتخاباً ديمقراطياً، يمارس المواطنون من خلالها حقوقهم في إدارة الدولة وقيادة المجتمع ". وفي المادة 50 منه " يتولى مجلس الشعب (البرلمان) السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور "، وأن " ينتخب أعضاء مجلس الشعب انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً وفقا لأحكام قانون الانتخاب كما نصت المادة 57 بأن " قانون الانتخاب المذكور يجب أن يتضمن نصوصا تكفل " حرية الناخبين بالتقاء ممثليهم وسلامة الانتخاب، وحق المرشحين في مراقبة العمليات الانتخابية، وعقاب العابثين بإرادة الناخبين ".
* ونصت المادة 26، بأن " لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية …" والمادة 27 نصت على أن يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقا للقانون". كما جاء في المادة 45 من الدستور بأن الدولة تكفل " للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي " أما المادة 47 فقد نصت على أن " تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية رفعا لمستواها".
كما نصت المادة 38 من الدستور بأنه " لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي… وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقا للقانون".
ومن الواضح أن المشرع السوري أكد طبقا للنصوص المذكورة على حق المشاركة المباشرة وغير المباشرة للمواطن ( من دون تفريق بين رجل وامرأة ) في صنع القرار السياسي والاقتصادي ومراقبة تنفيذه أيضاً

إلا أن أول وصول للمرأة لأحد البرلمانات في سورية كان في حقبة الوحدة السورية المصرية (1958 إلى 1961 ) حيث ضم برلمان الوحدة المعروف باسم ( مجلس الأمة ) والمكون بمجموعه من 600 عضواً، 200 منهم من الإقليم الشمالي (سورية) و 400 عضواً من الإقليم الجنوبي (مصر). ولأول مرة في تاريخ سورية تدخل المرأة في عضوية المجالس التشريعية، إذ كان في عداد ممثلي القطر السوري سيدتان هما جيهان الموصلي ووداد هارون. ومن الواضح هنا أن وصول المرأة للبرلمان في هذه الحالة إنما تم بقرار من السلطة السياسية العليا وليس بسبب من تأثيرها في الشارع وقرار الناخب بإيصالها للمجلس عبر صندوق الانتخاب.

كما عينت السيدة الأديبة وعضو مجلس الشعب سابقاً كوليت خوري مستشارة ثقافية في القصر الجمهوري في عام 2006 .
وفي المجال الدبلوماسي بلغت النسبة المئوية لمنصب سفيرة في سورية 11%، ونسبة عدد الدبلوماسيات 14،66%. وفي عام 2003 تقدم لمسابقة الدبلوماسيين /370/ مرشحاً، تم تعيين /23/ دبلوماسياً منهم /12/ دبلوماسية. وقد شغلت المرأة في وزارة الخارجية منصب معاون وزير ومدير إدارة. وبلغ عدد السفيرات خلال أعوام 2000-2005 أربع سفيرات.
وفيما يخص سلك القضاء، فقد دخلت المرأة هذا السلك عام 1975، وتنامى دورها حتى أصبح عدد القاضيات /170/ أي بنسبة /13،38%/، وفي مختلف المستويات من محاكم الصلح حتى محكمة النقض. ويبلغ عدد محاميات الدولة /33/، يشكلن نسبة /14،47%/ من مجموع محاميي الدولة. كما يبلغ عدد المساعدات العدليات /250/ إضافة إلى العديد من العاملات في السلك الحقوقي.
وقد انتخبت لأول مرة سيدة في مكتب المجلس أمينة للسر، وأعيد انتخابها للأعوام 2004- 2006.
أما فيما يخص تمثيل المرأة في اللجان الدائمة في المجلس وعددها /12/ لجنة، فإن جميع النساء في المجلس مشاركات في لجنة أو أكثر، وتشارك ثلاث نساء في مكاتب اللجان (الهيئات القيادية في اللجان الدائمة).
.وتجدر الإشارة إلى أن السيدة وصال فرحة بكداش قد انتخبت أمينة عامة للحزب الشيوعي السوري منذ شهر أيلول عام 1995، وأصبحت فيما بعد عضواً في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية. وقد حافظت المرأة على معدل تمثيل متنام في المجالس المعينة أو المنتخبة لاحقاً فازداد معدل تمثيلها بشكل متصاعد دائماً مع كل دورة جديدة لمجلس الشعب (البرلمان ) إثر صدور دستور عام 1973 وما تلا ذلك من دورات تشريعية لاحقة.

وإضافة إلى القوانين غير المنسجمة هناك تراث من التقاليد والفهم غير العصري للنصوص الدينية مع قصور برامج التنمية، وعدم تطبيق السياسات الرامية إلى النهوض بواقع المرأة والتي أقرتها الخطة الخمسية التاسعة في باب خاص بتمكين المرأة، والتي انطلقت من الاستراتيجية الوطنية للمرأة في الجمهورية العربية السورية.
وكخلاصة عامة يمكن القول: إن ما تم تحقيقه لم ينعكس إيجابياً – بالمستوى المطلوب – على حياة النساء عموماً، فما زال هناك نقص حاد في تمكين المرأة على المستويات كافة، وبعد للنساء عن مواقع صنع القرار السياسي والاقتصادي والإداري والاجتماعي وذلك بتأثير المواد التمييزية في بعض القوانين وبخاصة (قوانين الأحوال الشخصية للطوائف كافة، العقوبات،والجنسية).إلى جانب النظرة الذكورة المجتمعية المكرسة للأدوار النمطية لكل من المرأة والرجل والموروث الثقافي الذي يطغى على القوانين في مجالات عدة مما يؤدي إلى قوننة مثل تلك الممارسات الاجتماعية ويجعل من المرأة تابعا للرجل بينما يتم النظر إلى الرجال كأشخاص مستقلين ذوي هوية مستقلة ومحترمة، وقد تكون هذه النظرة الاجتماعية أحد أهم الأسباب التي تستدعي حتى من المرأة المثقفة والعاملة أن ترى في الرجل ملاذها الآمن.

العقبات أمام مشاركة المرأة في البرلمان
يمكننا التمهيد لهذا القسم من البحث عبر أربعة مستويات:
المستوى الأول: ويتمثل باستمرار تأثير العصبية على الأفراد في حياتهم الخاصة والعامة وتواصل الولاء للعشيرة كذهنية مجتمعية. فعلى صعيد الأسرة - على الرغم من الانتقال التدريجي إلى نمط الأسرة النووية - إلا أن شكل الأسرة الممتدة وظيفياً بقيمها وعلاقاتها هو السائد وهذا يعني بقاء السيطرة الأبوية وعلى نطاق أعلى يستمر تأثير العشيرة، القبيلة، الطائفة، على خيارات الفرد العامة، كالخيارات السياسية مثلاً. وهذا يتضح في عملية الانتخابات والتصويت الذي يبدأ بالقريب من العائلة ثم ابن الحي ولابن القرية ولابن العشيرة ومن ثم القبيلة أو الطائفة ...
المستوى الثاني: تخلف آليات الدعاية الانتخابية التي تعتمد على الصور والمضافات وإنفاق الأموال بشكل كبير أكثر مما تعتمد على برامج انتخابية محددة وحوارات مع الناخبين أو مع حركات اجتماعية تكون الرافعة للفوز بمقعد في مجلس الشعب.
المستوى الثالث: تخلق الآليات الانتخابية المعتمدة أساساً على قوائم الجبهة الوطنية التقدمية اتجاهات نحو اللامبالاة لدى المواطنين بعامة وتحبط الآمال سلفاً بإمكانية النجاح في الانتخابات للمستقلين / ات وبخاصة للنساء اللواتي ما زالت القاعدة العريضة منهن بعيدات عن العمل في المجال السياسي في ظل عدم قوننة هذا المجال.
المستوى الرابع: مع تنامي التركيز على قضايا المرأة عالمياً وتبني منظمات الأمم المتحدة لقضاياها ازداد الاهتمام الحكومي وغير الحكومي في سورية بهذه المسألة وجرى التعبير عنه من خلال الاستراتيجية الوطنية للمرأة في الجمهورية العربية السورية لما بعد بكين وإيراد بند خاص لتمكين المرأة في الخطة الخمسية التاسعة، إلا أن السياسات والإجراءات المقترحة لم تنعكس على أرض الواقع، ولم تكن النتائج العملية على مستوى الطموح، الأمر الذي نشط الحركة النسوية في سورية نحو العمل باقتراح تعديل عدد من القوانين قدمت أمام مجلس الشعب مما خلق حماساً عاماً حول قضايا المرأة ، إلا أن هذا الموضوع اصطدم بعقبة قصور قانون الجمعيات عن الترخيص لعدد من المنظمات الناشطة ميدانياً على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتجاوز هذه العقبة، كاقتراح الهيئة السورية لشؤون الأسرة لقانون جديد للجمعيات وتعاونها مع عدد من الجمعيات غير المرخصة. إضافة إلى أن هناك نقصاً في المعلومات اللازمة حول آليات عمل مجلس الشعب بالنسبة للجمعيات النسائية غير الحكومية مما قد يفوت بعض الفرص للتأثير على أعضاء وعضوات المجلس بما يدفعهم إلى تبني مطالب الحركة النسائية.
وبناءً على هذه المستويات ندخل إلى التحديات أمام مشاركة المرأة السورية في الشأن العام وخاصة في الحياة السياسية :

المستوى الاقتصادي:
على الرغم من التطورات الجارية في البلاد بهدف تمكين المرأة من خلال لحظ نسبة من الموازنة العامة تبلغ 025% لعام 2005 وإحداث هيئات حكومية – الهيئة السورية لشؤون الأسرة – هيئة مكافحة البطالة – مكاتب التشغيل وكذلك جمعيات أهلية لتمكين المرأة اقتصادياً (فردوس – المورد)- (لجان سيدات الأعمال في غرف الصناعة والتجارة) وقيام جمعيات أهلية بتدريب النساء على القيادة واتخاذ القرار( رابطة النساء السوريات ) وأنشطة لمنظمات الأمم المتحدة تهدف إلى مساعدة النساء في التدريب والـتأهيل .
إلا أننا نجد أن نسبة النساء في قوة العمل ما زالت تمثل حوالي الخمس إذ تبلغ (19.8%) ممن يعملن بأجور متدنية ونسبة البطالة بين النساء ضعفين ونصف عن نسبة البطالة لدى الرجال. ومازالت نسبة ( 63% ) من قوة العمل النسائية تسجل على أنها متفرغة لتدبير المنزل.
وما زلن أخيراً بعيدات عن مواقع صنع القرار الاقتصادي نتيجة لتمركز العمالة النسائية في السنوات الأخيرة في قطاع الخدمات الاجتماعية بعيداً عن العملية الإنتاجية، ولم تتقدم النساء بنسب كبيرة في مواقع صنع القرار في إدارات الدولة، الأمر الذي كان ليخلق لديهن الثقة بالنفس وتنمية الملكات القيادية وتحفيز روح المبادرة.
وهذا العرض يثبت أن وضع النساء الاقتصادي يقف تحدياً أمام رفع نسبة مشاركة المرأة في التنمية أولاًَ مما ينعكس بداهة على مشاركتهن في الحياة السياسية عامة والمشاركة البرلمانية بخاصة مع تنامي مستوى البذخ في الحملات الانتخابية.
المستوى القانوني:
إن وجود مواد تمييزية في بعض القوانين الوطنية ( الأحوال الشخصية – العقوبات – الجنسية) أيضاً يعتبر ضمن التحديات أمام مشاركة المرأة السورية التي ما تزال تعامل وفق القوانين على أنها ناقصة الأهلية فالتطليق حق للزوج دون أن يكون للزوجة، ولا يحق لها اقتسام أملاك العائلة التي ساهمت بتنميتها في حال الانفصال أو وفاة الزوج ويمكن للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ولا يحق لها الولاية على نفسها وعلى أولادها وترث الأنثى نصف ما يرث الذكر وفي غالبية المناطق الريفية والمدنية لا تحصل النساء على هذا النصف بسبب قوة الأعراف والتقاليد وهذا يشكل تحدياً قوياً أمام حرية حركة المرأة ونشاطها ، وهذا التمييز يؤسس لنظرة مجتمعية تجعل من المرأة إنسانة ناقصة الكفاءة ، والحال هذه تحد من مشاركتها في الحياة العامة، وكذلك تحد من القبول المجتمعي في أن تتولى المرأة موقعاً من مواقع صنع القرار، ومن بينها عضوية مجلس الشعب.
المستوى الإعلامي:
نلحظ تطورا إيجابياًُ في السنوات القليلة الماضية تجاه صورة المرأة في الإعلام السوري وبخاصة في الأعمال الدرامية ولكنها ليست كافية إلى حد أن تساهم في تغيير الصورة النمطية في الذهنية المجتمعية لكل من المرأة والرجل وهذا يتطلب سياسات إعلامية جندرية موجهة إلى جميع العاملين في هذا الحقل ولتدريب ولتأهيل النساء والرجال في وسائل الإعلام كافة كي يلحظ مفهوم النوع الاجتماعي في الخطاب وفي العمل الدرامي وفي جميع ما يبث أو يقرأ أو يذاع في وسائل الإعلام .
هذا على الصعيد الوطني و نحن نعلم أن العالم عبر وسائل الإعلام تحول إلى قرية صغيرة وهذا يترك أثراً سلبياً كبيراً فيما إذا عرضت صورة المرأة اللعوب ، الجميلة ، الخانعة، أو التي تمارس دوراً نمطياً ( مدرسة ، ممرضة ، سكرتيرة) وأمام هذا التحدي نجد أن مشروع اليونيفيم خطوة باتجاه توحيد جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص " الشركاء الثلاث " من أجل العمل على الحد من تأثير الإعلام السلبي على ذهنية مجتمعاتنا.

مستوى الأحزاب السياسية والمرأة:
في البحث تطرقنا إلى نسبة النساء المرشحات باسم أحزابهن وهذه النسبة مؤشر واضح على أن الأحزاب السياسية على اختلاف مرجعياتها (ماركسية – قومية – دينية ) لم تضع قضية المرأة في سلم أولوياتها، وحقها في الوصول إلى مواقع صنع القرار من منسيات هذه الأحزاب وهنا يمكننا الولوج مباشرة إلى العقلية الذكورية التي هي نسيج عام في المجتمع تنطوي ضمنه الأحزاب وهي تعبير عن الذهنية المجتمعية التي يحملها كل من الذكور والإناث في مجتمعاتنا وهذا التحدي يجب أن يصنف ضمن أولويات البحث للعمل عليه وبخاصة أن آليات / قوائم الجبهة / في الجمهورية العربية السورية تقوي فرص المرأة في الوصول إلى مقاعد البرلمان ممثلة لأحد الأحزاب المشاركة في الجبهة.
ومن الجدير بالذكر أن الالتزام الحزبي أحياناً قد يقف عائقاً أمام طرح النساء لقضاياهن في ظل غياب أولويات قضية المرأة عن برامج الأحزاب السياسية، وبالتالي فإن هذه الأحزاب ليست ملتزمة بهذه القضية فيتم تغليب العام على الخاص مع افتقاد آليات للربط بينهما وفق علاقة جدلية بناءة.
ويمكن الإشارة إلى أن الأصوليين لا يقدمون المرأة المرشحة عنهم ولكنهم يستخدمونها كصوت وهذا يلاحظ في أماكن الاقتراع وبخاصة لمرشحي المناطق ذات الطابع الديني (الأرياف وبعض المحافظات السورية) ومن الملاحظ أيضاً وجود رئيستين لحزبين سياسيين وصال فرحة ( الحزب الشيوعي السوري – جبهة) ورهاب البيطار ( التجمع الديمقراطي الحر – معارض حديث ) إلا أن حزباً تترأسه امرأة لم يقدم امرأة للانتخابات.
مستوى الجمعيات والحركة النسائية:
ضعف لسنوات طويلة التواصل بين الحركة النسائية والقاعدة الشعبية التي تمثلها نتيجة لآليات العمل عند بعضها ، والتي كانت تعتمد على القرار السياسي وما يسمح به أو يمنعه والاكتفاء برفع المذكرات والتوصيات مما غلّب العمل البيروقراطي على العمل الجماهيري وعدم تمكن البعض الآخر من الحصول على الترخيص القانوني للعمل على ضمان استقلالية القرار واعتماد الآليات المؤسساتية الصحيحة بعيداً عن التماهي مع الحركات السياسية القائمة مما أضعف التواصل بين هذه الحركة وجماهير النساء وجعل دورها ضعيفاً في تقديم الكوادر النسائية وفي اعتماد آليات الضغط اللازم لتحقيق الحد الأدنى من البرنامج الذي تعمل على أساسه.وشكل الافتقار إلى قانون جمعيات يبيح تشكيل الجمعيات النسائية عائقاً أمام زج النساء في الاهتمام بالشأن العام عبر الانخراط في هذه الجمعيات وتوفير جو آمن وداعم لمشاركة النساء.
التغلب على العقبات
قد نكون بحاجة بداية إلى مجموعة من الإجراءات السريعة التي تسهم في رفع نسبة مشاركة النساء في مواقع صنع القرار وفي تحسين نوعية هذه المشاركة أيضاً، كما يرجى من هذه الإجراءات أن تخلق حساسية لدى أعضاء مجلس الشعب من الذكور ولدى الناخبين حول قضايا النوع الاجتماعي.
 توفير قاعدة معلومات عن النساء الناشطات والقيادات في الحركة النسائية وبشكل موضوعي.
 إعداد برنامج تدريب وتمكين لأولئك النساء حول إدارة الحملات وعقد المفاوضات والتواصل.. الخ.
 ترشيح النساء العاملات من الفئات الأولى لدورات التطوير الإداري وتكليف الأكفاء بمواقع قيادية وسيطة.
 إيجاد آليات تواصل بين النساء في مواقع صنع القرار والحركة النسائية .
 إبراز دور المرأة في وسائل الإعلام كافة والتوعية المجتمعية من خلال برامج مخصصة لهذا الغرض، وكذلك مساندتها في الحملات الانتخابية.
 تطوير قانون الانتخابات بما يضمن فرصاً متكافئة للمرشحين جميعاً دون تمييز على أساس الانتماء الحزبي والجنس ..
 إنشاء مراكز خدمات لإيصال المشورات القانونية للنساء الناشطات والمرشحات.
 اعتماد مبدأ الحصة النسبية (كوتا) في جميع الانتخابات والتعيينات في مراكز صنع القرار.
 دورات تدريبية لأعضاء وعضوات مجلس الشعب حول مفهوم النوع الاجتماعي ومهارات القيادة لاتخاذ القرار.
 إحداث برلمانات صورية كآلية تدريبية للمشاركة للأطفال والنساء والشباب.
 تعريف جمعيات الحركة النسائية بآليات عمل مجلس الشعب للتمكن من التواصل مع أعضائه بالصورة التي تخدم إحداث تغييرات إيجابية في حياة النساء.
 وهذا كله يتطلب أجواء من الانفراج الديمقراطي العميق واللازم لتعبر هذه الإجراءات عن الرغبة الحقيقية للنساء و قوى التقدم الاجتماعي في تحقيق انعطاف حقيقي في واقع المرأة.
نظرة مستقبلية:
بعد استعراض التحديات التي تواجه المرأة السورية في مشاركتها بالعملية الانتخابية واقتراح السبل الناجحة والمساعدة لتخطي هذه العقبات لا بد لنا من أن نحدد رؤية مستقبلية منطلقين من مبدأ أساسي يقول:
" ينبغي أن تتمتع المرأة بمنزلة مساوية لمنزلة الرجل بموجب الدستور والقانون في مختلف جوانب الحياة" وهذا يتطلب :
 مراجعة جميع القوانين من أجل تعديل أو حذف أو إضافة مواد تضمن تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لكل من المرأة والرجل في إطار الحياة الخاصة والعامة.
 إدماج منظور النوع الاجتماعي ( الجندر ) في جميع الاستراتيجيات الوطنية.
 اعتماد آليات محددة تساعد المرأة للوصول إلى مواقع صنع القرار وعلى جميع الصعد ( الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية ).
 زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والتدريب والتأهيل واعتماد آليات تشجيعية لزيادة التحاق الفتيات والنساء في هذه الدورات.
 تضمين القوانين وبخاصة قوانين العمل مواد لحماية المرأة من الاستغلال وبخاصة من التحرش الجنسي في أماكن العمل مما يخلق بيئة آمنة ومناسبة لانخراط المرأة بعملية التنمية كمدخل عريض لوصولها إلى مواقع صنع القرار.
 تشجيع المجتمع المدني لإقامة جمعيات تنموية غير حكومية لزيادة مساهمة المرأة في عملية التنمية المستدامة.
 إطلاق حملات وطنية لمحو الأمية يشارك فيها القطاعات الثلاث ( حكومي – أهلي – خاص ).
 تنقية المناهج التعليمية والإعلامية كلياً من الصور النمطية لكل من المرأة والرجل وإحلال الشراكة في إدارة شؤون الأسرة بين الزوجين والربط بين حقوق المرأة وحقوق الإنسان في المناهج وتعزيز مبدأ الشراكة في الأدوار والمسؤوليات وفقاً لمعايير النوع الاجتماعي .
 تحديث القوانين المتعلقة بمبدأ المشاركة وبخاصة قانون الجمعيات مما يتيح الفرص أمام النساء للمشاركة والتدريب والتأهيل من أجل تكوين القيادات النسائية المجتمعية.
 تمكين النساء من آليات العمل التشاركية والانتخابية.
 دعم الهيئة السورية لشؤون الأسرة من قبل جميع الشركاء لتنفيذ مشروعها القائم على تحقيق مبدأ الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني ومع الحكومة لتحقيق هدفها المتمثل بتطوير واقع الأسرة السورية ومن ضمنها المرأة السورية.
 إجراء عدد من المسوحات الاجتماعية لرصد الواقع المعاشي بكل تفصيلاته في مختلف المجالات وتحديد مكانة المرأة الحقيقية في حياة الأسر.
 توفير قاعدة بيانات شاملة تتضمن علاقة المرأة بالملكية وعملها في القطاع
غير الرسمي.
 رفع وعي المرأة وتعريفها بحقوقها وبإمكاناتها وقدراتها وتنمية حس المواطنة لديها وتدريبها على مهارات القيادة والإدارة وصنع القرار والتخطيط والتفاوض والاتصال والخطابة والقدرة على التأثير.
 مراجعة القوانين وتعديل المواد التمييزية ضد المرأة وإجراء مواءمة مع بنود الاتفاقيات الدولية المصادق عليها وتشريعاتنا الوطنية لضمان تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات في إطار الحياة العامة والخاصة.
 زيادة نسبة إنفاق الحكومة على برامج تمكين المرأة.
 تمكين المرأة اقتصادياً لزيادة مساهمتها في عملية التنمية المستدامة واعتماد
سياسات محددة لتكون جزءاً فاعلاً من العملية الإنتاجية وتوجيه النساء إلى المهن
غير التقليدية.
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإعلامية دانيا جمال


.. الناشطة المدنية ورئيسة مجلس إدارة منظمة هيروديت للتنمية المس




.. رئيسة منظمة مراس للتنمية بسمة الورفلي


.. لوحة الرحلة الأخيرة




.. -الإشهارات تسيء وتهمش دور المرأة المغربية-