الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماء أولاً، الحريات الغربية أخيرا

ناجح شاهين

2004 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


صحوت من النوم على طرق شديد على الباب. كان أحد الجيران يرغي ويزبد لأنني كما قال أغلقت محبس الماء الرئيس عنه وعن غيره من أجل أن يصلني الماء وحدي من دون خلق الله. حاولت أن أقول له على الرغم من لهجته التي تتضمن الكثير من الإساءة أنني لا افعل ذلك أبدا.ً قلت له ما قال أبو العلاء بالتمام والكمال: فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا
لم يصدقني – وهو جزء من حالة التفسخ القيمي الراهن- وقال ما معناه أنه شبع من أسطوانة الوطن والمواطن التي تغنى بمناسبة أو دون مناسبة. الحق كل الحق مع هذا المواطن-الجار المسكين، فعند البطون تغيب الذهون. فكيف إذا غاب الماء الذي ُجعل منه كل شيء حي. لا بد أن الرجل على حق وهو لا يعرف من يلوم على شح المياه والثمرات فكان أن لامني وهو أسهل الشرور.
لا بد أن من المحزن بالفعل أن نعاني أزمة مياه في مطلع الصيف على الفور. اتصلت بأحد أصدقائي العاملين في مصلحة مياه رام الله فأكد أن هذا الحال سيستمر طوال الصيف. وقال إنهم يضخون كل المياه التي تأتيهم من الطرف الآخر – وهي الصيغة الأوسلوية لوصف إسرائيل- لكن بسبب أن المواطنين يخافون انقطاع المياه تبدأ عمليات تخزين لا مسوغ لها فتكون النتيجة نقص لدى البعض وزيادة لدى بعض آخر. والحقيقة أن هذا الوصف غير دقيق، لأن تخزين البعض لمياه تزيد عن حاجتهم سوف يتوقف تلقائيا إذا تم ضخ مياه كافية لتغطية حاجة الجميع. أما قدرة الناس المستمرة على تخزين المياه فمعناها أنهم في الواقع يخزنون حاجتهم لحين عودة المياه التي تغيب حيناً وتأتي حيناً. لذلك علينا في الواقع -خلافاً لقسمته- أن نقسم الناس إلى صنفين صنف يخزن حاجته من الماء فلا تنقص عنده كثيراً أو قليلاً، وقسم تنقص لديه المياه طوال الوقت. والنتيجة النهائية لهذا التحليل هو أن هناك نقص فعلي في المياه.
لعل من المفيد أن أذكر أنني أسكن في عمارة شاهقة وتتمتع بطابق كامل بني بشكل مخالف للتنظيم لتصبح سبع طبقات طوال من النوع الذي أحب أن أسميه العمارات الهبلة التي تتصف بكل الصفات التي تجعلها مخيماً نموذجياً من حيث سوء الخدمات والاكتظاظ..الخ هنا أود القول إن نصف العمارة التي تتكون من ثمان وعشرين شقة فارغ. وهناك عدد من الشقق لم تصلها المياه لأن أصحابها حاولوا الاشتراك بعد مخالفة المالك للوائح التنظيم البلدية فتكون النتيجة أن البلدية عاقبتهم بعدم منحهم خدمات مياه وكهرباء. تصوروا أن الذي يتعرض للعقوبة هو شخص غلبان استدان قرضاً من هنا وهناك للحصول على شقة صغيرة تؤويه من التشرد، فتكون النتيجة أن يعيش دون ماء أو كهرباء لأن المقاول أغضب القانون الذي يشهر سيفه في وجوه الفقراء كما هي العادة منذ فجر التاريخ. لكن ذلك موضوع آخر، فبيت القصيد هنا هو أن العمارة لا يسكنها إلا اقل من نصف طاقتها ومع ذلك تعاني من نقص الماء وتعجز المياه الضعيفة عن الصعود إلى السطح فيبدأ الاقتتال بين الناس من أجل شربة ماء. ترى ما الذي سيحدث عندما تمتلئ البناية العملاقة بالسكان. ترى ما الذي سيحدث عندما يزيد عدد سكان رام الله عشرة آلاف شخص ولا أقول مائة ألف؟ ترى ماذا سيحدث لو افترضنا في الأحلام أن إسرائيل سوف تسمح وتتكرم علينا بأي عدد من أجل تمتع الفلسطينيين بحقهم في العودة؟
لا بد أن الإجابات واضحة. وهي تشير كما هو الواقع القاسي تماماً إلى المسافة بين الأماني والوقائع. فأنت في الواقع تستطيع أن تدفع الفلسطيني إلى القيام بهجرة سامية معاكسة إذا واصلت الضغط في موضوع الماء ما غيره، الذي بدأ يشكل ثالثة الأثافي منذ فترة لا بأس بها. وأود هنا أن أقول إن استهلاك الفرد الإسرائيلي من الماء هو ثلاثة أضعاف.... الفلسطيني؟ لا في الحقيقة إنه ثلاثة أضعاف الألماني. ولا غرابة في ذلك فمن الصحيح أن ألمانيا تعوم على بحر من الماء إلى درجة أنهم يمقتون الماء مقتاً شديداً. لكن بسبب ذلك فإنهم لا يتمتعون بإراقة الماء هنا وهناك لرغبة النظر أو السباحة أو الزراعة..الخ
بالضبط يبدو الفلسطيني غائباً كل الغياب على مستوى النخب السياسية والثقافية ومنظمات غير حكومية عديدة. اتصل بي صديق من إحدى هذه المنظمات ليذكرني بموعد ندوة، محاضرة، لقاء فليس الاسم مهماً، عن مكانة المرأة وحقوق الإنسان في الفكر الديني. ولكم أن تتخيلوا كم كانت المواضيع المثارة بعيدة عن اهتمام النساء والرجال جميعا في عمارتنا التعسة. لقد كان الجميع يراقبون بعضهم بعضاً لمعرفة من يسرق الماء ومن لا يسرقه ..الخ
حتى أنني لم أنجح أبداً في إثارة القضايا التي كنت أرغب في مناقشتها. فقد غرقنا بفعل ضغط الجمهور في مناقشة " قضايا " من نوع لماذا كانت عدة المرأة الكبيرة المطلقة أطول من عدة المرأة التي ما تزال تحيض. كذلك ناقشنا أموراً من نوع ما هي طريقة الضرب التي قصدها القرآن عند الحديث غن ضربهن ضربا غير مبرح. وناقش آخرون صعوبة أن تعمل المرأة ميكانيكا.ً وهناك على الطرف الآخر عندما غادرنا الندوة كانت سيارات " جيش الدفاع " ترش الناس على المنارة بالغاز المسيل للدموع أحياناً وبالرصاص الحي أحياناً أخرى. وقد تذكرت وأنا أغلق عيوني وأنفي لأحمي نفسي من الغاز أن جارنا في سورة غضبه بخصوص موضوع الماء قال إنه ينتمي إلى " الحمولة " الفلانة وأنه لا يخاف من أحد. وقد ذكرني ذلك كله بنكتة مفادها أن جيش الدفاع عند احتلاله عام 1967 الضفة والقطاع والجولان وسيناء قتل رجلاً من قرية "دوره" المعروفة في منطقة الخليل. ويقال أن النساء في أنحاء وأرجاء الخليل تناقلوا أن اليهود سيقعون في سوء العاقبة لأنهم " اندموا " – أي وقعوا في قضية " دم " – لأهل دوره.
إنه أيها الناس السيرك الفلسطيني – العربي يعمل بفاعلية تامة في قضايا خارج اهتمام التاريخ الفعلي للبشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو