الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العزازيل

عباس منصور

2010 / 1 / 5
الادب والفن


هل يستطيع الدكتور زيدان أن يفعلها مع اللاهوت الإسلامي!؟

وقد يستنكر كثير قائلين بأن لا لاهوت في الإسلام ـ وأنا معهم ـ إنما الإسلام فقه وسيرة وتاريخ وعلوم أخرى مادتها القرآن وأحاديث الرسول وأعمال صحابته في حياته أو من بعد موته , ليكن , فهل يستطيع الدكتور زيدان أن يفعلها مع النص الإسلامي العام ثقافة وشخصيات وتواريخ ! ؟

ومختصر رواية زيدان "عزازيل" لمن لم يقرأها تصوير لكيفية انتشار الدين المسيحي على يد الكنيسة ورجالها في روما خلال القرن الرابع الميلادي في ربوع مصر وخصوصا الإسكندرية التي قد مضى على بنائها في ذلك الحين حوالي ستة قرون وقد صارت مدرسة واتجاها في العلم والدين والفكر يرتادها أساطين العلوم والمعارف من كل ربوع العالم الروماني للتعليم والتعلم والالتقاء بنظرائهم من المصريين .
والرواية تابعت خيط العنف والدم و القتل والاستبداد الذي صاحب نشر المسيحية في القرن الرابع كما رصدت انحراف القساوسة ورجال الإكليروس في التنظيم الكنسي على كل المستويات , انحرافات فكرية وعقائدية وحتى انحرافات جنسية , وذلك من خلال رحلة طالب علم مصري يدعى في الرواية "هيبا " والذي انتقل من مدينة إخميم في قلب صعيد مصر الى الإسكندرية طلبا للعلم , ويشهد " هيبا " طرفا من أحداث العنف و القتل التي يقودها القس " كيرلس " واتباعه لاستئصال المخالفين في العقيدة من المصريين والجاليات الأخرى المقيمين في الإسكندرية من الرومان والإغريق وامتد القتل ليشمل العلماء والفلاسفة وهدم المعابد المعابد المصرية ثم ينتقل " هيبا " بطل الرواية الى الشام مبتدئا بفلسطين ومقدسات المسيحيين فيها واستقرارا في أقصى شمال بلاد الشام في مدينة حلب , ويلتقي خلال الرحلة رجال دين مسيحيين حقيقيين مثل نسطورس بطرك كنيسة أنطاكية في ذلك الحين ويقيم معه ومع غيره الحوارات والمجادلات الكاشفة والموحية عن أسس الإيمان المسيحي التي أرستها الكنيسة .
وللحقيقة فإن ما أقرت به الرواية من أحداث التاريخ أو الاصطناعات الفنية لم تجانب الحقيقة التاريخية , وهذا ما يوقعنا في الحيرة عند تصنيف الرواية والوقوف على الهدف والغاية من إنشائها . إن الرواية تقبض على قدر بازخ من الإثارة بما فيها الجنسية وقد أحسن د. زيدان وقطع شوطا عظيما في ذلك الجانب ؛ ولكن هل الإثارة وحدها تصلح أساسا لانتظام عمارة الرواية ؟

إن الرواية العربية والعالمية ومنذ عقود مضت دخلت في مسار تجديد الخطاب الديني وأخذت على عاتقها مهمة إعادة النظر في المسلمات العقائدية في الجذر السماوي من الديانات البشرية والتعبير عن المسكوت عنه عمدا في خطابات الدعاة والمبشرين , وفي هذا السياق تجئ رواية
" زوربا " وأيضا المسيح يصلب من جديد للكاتب اليوناني " كازنتزاكس" , آلهة الجبل لباولو كويلهو الإسباني , و العطر لباتريك زوسكيند الألماني وشيفرة دافنشي للانجليزي دان براون , وآيات شيطانية للهندي " سلمان رشدي " واسم الوردة أو الجنس في الكنيسة لأمبرتو إيكو , وربما قبل هؤلاء وغيرهم نجيب محفوظ في روايته التي كتبها مرتين الأولى بعنوان أولاد حارتنا والأخرى بعنوان الحرافيش والتي تناول فيها كل التاريخ المقدس بداية من الجبلاوي صاحب البيت الكبير وانتهاء بصاحب المئذنة ورفاقه مرورا بصاحب الرؤية والناجي من الطاعون ! ! فهل يمكن اعتبار عزازيل د. زيدان في سباق روايات ذلك التيار المعنى بتجديد الخطاب الديني أم أن الأمر مجرد روح ثأرية ورغبة انتقامية من طائفة من المصريين ضمن شعب يعيش ظرفا خاصا و واقعا سياسيا يتم توجيهه لحسابات وأهداف ليست في صالح مصر ولاصالح هويتها ! ! أظن الأمر كذلك والا لماذا اكتفى زيدان بفضح العنف والاستبداد المصاحب لنشر المسيحية ولم يهتم ولو بجزء بسيط عن طبيعة العقيدة المصرية في زمن الرواية خلال القرن الرابع الميلادي وما سبقه من قرون سواء في العمق المصري أو في أخميم حيث مسقط رأس البطل أو حتى في الإسكندرية التي كانت في ذلك الحين عاصمة " عولمية " تجمع في سماحة و إبداع بين مختلف المذاهب والمشارب والاتجاهات في الفلسفة و الفكر والعقيدة و العلوم ! ؟ ولماذا لم يتأمل كما ينبغي الدور العظيم والحيوي الذي قام به أسقف الإسكندرية " أوريجون " ومن بعده " آريوس " الذي اختط منهجا في الفكر اللاهوتي عرف باسمه وقام بمحاولات فذة في مجمع نيقية لضبط التصور الكنسي للوجود على أساس من توحيد العقيدة المصرية الموغل في القدم والاتساق , وخصوصا اختلافاته الشهيرة ومواقفه العميقة في فهم الأقانيم الثلاثة
( الأب ـ الابن ـ الروح القدس ) وأصل كل منها في المحفل المقدس الأول الذي أرسى أسس البناء اللاهوتي والعقلي للكنيسة , فزيدان إذا لم يكن ملما ًً كما ينبغي بتفاصيل العقيدة المصرية التي سارت خلال الألف الأول قبل الميلاد والتي انطلق بطل الرواية " هيبا " طالبا لعلوم الإسكندرية , والإسكندرية لمن لا يعرف هي التي وضعت حدا لنهاية حكم الأسرات المصري الذي عرف بالحكم الفرعوني على مدار ثلاثة آلاف عام من العقيدة والعلوم والمعارف المدونة والتي صارت علما تدرسه كل الجامعات المحترمة في العالم .

وإذا لم يكن د. زيدان مقتنعا بالعقيدة المصرية , فلماذا لم يركز على التصوف كبديل أخلاقي جامع لكل العقائد والمذاهب الدينية وقد كان
" هيبا " وبعض من جلس إليهم لديهم مسوح وأدلة على هذا التصور أم أن رغبة الثأر وروح الانتقام والانتصار للذات العقدية هي الدافع وراء الرواية؟ وأما كان من الطبيعي أن تأتي الرواية في سياق سؤال الهوية بعيدا عن مسارب التاريخ التي تناولتها العديد من المراجع والدراسات قديما وحديثا ؛ بينما سؤال الهوية ما زال يعصف بمصر وبسلوك أهلها ونتاجهم الحضاري ! ؟

وألا يعرف الدكتور زيدان طالما أنه جعل التاريخ مادة ومحورا لإبداعه الروائي , ألا يعرف أن نشر ديانة العرب في مصر خلال القرن السابع الميلادي بعد تلك الإبادة العرقية والطائفية التي قامت بها الكنيسة في القرن الرابع , ألا يعرف أن جنود الدين العربي استباحوا مصر , وإذا كان كذلك فيسأل أهل القرى المصرية في سخا ومنوف وسلطيس وبلهيت والخيس الذين سيرت نساؤهم سبايا إلى المدينة المنورة واستعبد أطفالهم وقتل أسراهم لأنهم لم يسلموا وقرروا الدفاع عن بلادهم بعيد عن مؤامرة قيرس " المقوقس " بطرك الإسكندرية وقتها الذي ترك وصيته الأخيرة لينفذها له عدوه اللدود ـ كما يعتقد الكثيرون ـ عمرو بن العاص ! ؟ وأما قرأت يا دكتور زيدان حديث المقوقس هذا لعمرو بن العاص في " فتوح البلدان للبلازري " وهو يقول له : " أسألك ثلاثا " ألا تبذل للروم مثل الذي بذلت لي فإنهم استغشوني وأن لا تنقض بالقبط " المصريين " فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفني في كنيسة بالأسكندرية ذكرها له . وأما قرأت حديث عمرو في نفس المصدر بعدما جلس على المنبر قائلا : لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت خمست " يعني يأخذ الخمس من أملاكهم غنيمة " وإن شئت بعت . وأما قرأت في ذات المصدر حديثا في سياق المعركة على فتح الإسكندرية " وسبى الذرية وهرب بعض رومها وهدم المسلمون جدار الإسكندرية وكان عمر نذر لئن فتحها ليفعل ذلك .

وأخيرا أما قرأت هذا الاقتباس من نفس المصدر مع العلم أن فتوح البلدان للبلازري من أقدم المراجع التي تحدثت عن تاريخ نشر الإسلام خارج بلاد العرب وداخلها , قال عمرو لجنوده : " سيروا على بركة الله فمن ركزمنكم رمحا في دار فهي له ولبني أبيه , فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه أيضا فكانت الدار بين النفسين والثلاثة فكانوا يسكنونها " , وهل يعلم زيدان أن جزية الإسكندرية ثمانية عشر الف دينار فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار مع العلم أن العرب الفاتحين باسم الإسلام لم يأخذوا الجزية من نصارى العرب من بني تغلب بن وائل في أرض الجزيرة الفراتية المتاخمة لحدود الروم في زمن عمر بن الخطاب عندما فتحها القائد عمير بن سعد .

وإذا كانت الإسكندرية عاصمة مصر في ذلك الحين قد تعرضت لكل هذا البطش لاقتلاع هويتها الثقافية والحضارية والدينية خلال ثلاثة قرون من الزمان مرة من الغرب الروماني لنشر المسيحية و مرة من الشرق من قبائل العرب التي وحدها رسول الإسلام , وكلاهما ديانات ذات الجذر السماوي فلماذا أغفلت رواية زيدان سؤال الهوية وأطلقت العنان لفضح إحدى حلقات نسف الهوية المصرية ـ وإن كان ذلك إيجابيا بلا شك ـ إلا أنه سيظل غامضا ومحفوفا بالأسئلة غير البريئة وخصوصا إن الهوية المصرية ـ ما زالت في مرمى قبائل العرب حتى الآن تحت مسميات وإغراءات جديدة ! !

وأخيرا ألم يشك الدكتور زيدان ومؤيدوه ولو للحظة بأن هذا الفضح لنشر المسيحية والسكوت عن مثيله العربي كان دافعا قويا لنيل "البوكر" من أحفاد العرب الفاتحين في عواصمهم الجديدة المتخمة بالنقط والعبيد والمستعمرين وتجار البشر وذلك إذكاء لروح الفتنة في مصر على ضفاف نيلها الفاتن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع