الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محي الإشيقر، إحترافية خاصة في سبر عوالم شخوص حية.

عبدالكريم هداد
(Abdulkarim Hadad)

2010 / 1 / 6
الادب والفن


سوسن أبيض، وجع عراقي غائر.


يعد الكاتب العراقي محي الأشيقر من العراقيين المشتغلين بجدية على تأكيد حضور الإبداع، من خلال قصصه الممتلئة بعوالم الحياة المتنوعة، والرقي بفنية الخواص الشغوفة بالوضوح في إسلوب خاص يتشكل في كتابة قصة نخبوية تندفع والقارئ الملم بعوالم وآفاق القصة الحديثة وتنويعاتها في المتعة والتشكيل الفني المتوازن ما بين الرؤية الفنية والرؤى الفكرية بواسطة لغة رشيقة لها مذاقاتها الخاصة، عير حكايات ضاجة بالحياة.
وضمن مسيرته الإبداعية للكاتب محي الأشيقر مجموعته القصصية الموسومة " بياض السوسن" التي تضم خمس قصص، وجدت فيها مقدرة إبداعية في تحريك شخوص روائية داخل مساحة القصة الضيقة، هذا ما نلمسه بوضوح حال نهاية القص، يبدأ النص في إتساع حواشيه مما يضيفه خيال القارئ على بياض الورق الذي تعمدت فنية الكاتب على تركه عند حافات قصصه، وهو يدفع بالمتلقي نحو مساحة المشاركة وشحذ مخيلته في المساهمة في تأسيس بعد يحدده القارئ في التواصل والتفاعل مع االنص الذي يفيض بعذوبات الجمالية المعجونة في صناعة تكوينات المضمون الإبداعي ، حيث هي إحدى الأدوات الفنية الشاخصة، والتي ينفرد بها " الأشيقر" في مسيرة تجربته الكتابية نحو فرادة في أدواته الفنية، نظراً لكونه يعتمد على شخوص مبتكرة وخيالاته القريبة من سطوع الضوء السينمائي المبهر، لكن بمواصفات لها نبض الدم الحار في سياق قواسم حية ومشتركة في الدفء الغير عابر بتلك النمنمات الراشة للصور القصصية. فقد إستطاع الكاتب أن يفجر البركان الكامن تحت جلود الشخوص بما تحمله من وعي أو لا وعي لعالمها المتسارع بالإنكسارات والخيبة، ووهو يعصرها في لحظة جامحة، كي تبوح عبر رشاقة لغوية عابقة ببيئتها العراقية المختلفة الإتجاهات الحياتبة والفكرية.
إن لغة القص في مجموعة "سوسن أبيض" لمحي الإشيقر غير متكلفة، لكنها متسللة بعبق ماضٍ بعيد، إنها لغة الكاتب اليومية التي نجدها واضحة في مساجلاته وحواراته العامة والخاصة، وهي بالتأكيد إضاءات لخزين قراءاته الطويلة والعميقة في تراثنا العربي بمعية شغفه العالي في التراث الشعبي العراقي، والذي نجده ملموساً ومتناثراً بشكل فني سلس داخل أطر سياقاته الهندسية الجميلة والغير متكلفة، من خلال التشكيل اللغوي بشاعرية لها كرنفالها الخاص والمتناسقة بجماليتها المتلاحقة في عذوبة ورصانة محترفة صاغها بدراية المتمكن من أدواته عند ضرورات التوصيف والروي في تقديم حكايات ذات متعة مبهجة ومضمون روائي مختصر. لذا كان مصراً على الحضور بكم نوعي، كفنان متميز له أدواته الإحترافية الخاصة به في سبر عوالم شخوص بشرية حية ينتقيها بدقة وعناية المتمرس، وهي تمارس تناقضاتها داخل مساحة النص نحو كشف مستوراتها وإحباطاتها المختلفة المذاقات.
وقد تحرك أبطال القصص بسمات عراقية واضحة التكوين، من خلال سلوكها اليومي وخطى ردات الفعل في حياتها العامة والخاصة، التي تركها الكاتب تنساب، وهو يلتقط انفعالات شخوص مشاهد حكاياته المتنوعة، التي انسابت فيضاً من ظلال إنكسارات بشرية، يعج في دواخلهم صراخ الذات المتلونة بألحان الحزن العراقي. فها هو فهر بطل قصته الأولى "نار لائذة بالخزف" يملي على نفسه( بين أوان وآخر رسالة أو أكثر لمن بقي من معارفه وأصدقائه الموزعين على أرجاء المعمورة، لكنه كثيراً ما كان يتعرقل في أمر إطلاق سراح تلك الرسائل لأسباب مختلفة) إنه الإرتباك نفسه الذي نراه لدى بطل قصة "كآبة بيضاء" ( لا أقدر...، أعني لا أرغب في ممارسة الحب ونحن عراة نهائياً أو على الأقل وأنا في حالة من العري التام). إنه إرتباك في زمن المنفى، المشدوهه نحو بلاد ينهض فيها مارد الخراب.
ومن قصص المجموعة " الدور الأخير" التي تحكي عن عراقيّ، قد إنصاع بخنوع ورغبة وشغف إعتاده، ليكون أداة مبدعة في شبكات القمع المتعددة الأشكال، متفانياً في ذلك الى حد نسيان انسانينيته التي بحث عنها متأخرا بعد ان تفانى نسيان ذكورته البشرية طاعة لعمله. كم كان القاص في هذه القصة ممسكاً للحكاية بروي محايد من دون اي اقحام للمباشرة في الموقف السياسي، الذي يمتلكه بثبات منذ عقود من الزمن. لقد كان بطل القصة يتحرك ضمن آلية عمله اليومي المتفاني به على خارطة التنكيل والجرم في قمع الذات الإنسانية، هذا التفاني الذي إنتهى به كي يكون واحدا من المقموعين حين يخصى تلبية لمتطلبات عمله البوليسي. وقد نجح الكاتب محي الإشيقر الى حد كبير ورائع في أن يكون بعيداً، في حياد تام، حين لم يكن له صوت داخل القصة ، وقد برع الكاتب في أن يوازن ما بين صور بشاعة أجهزة الرعب، وصور تجلياتها من خلال شخصية الجلاد اللاجئ في السويد وتلك المترجمة العراقية، الكردية الفيلية، أصابها ما أصابها من أدوات هذا النظام، االذي سحق الجميع بما فيهم مخالب بطشه الدموية. لقد كان الأشيقر فناناً سينمائياً حين صور لنا بشاعة نظام البعث من خلال إحدى أدوات البطش له، وهي تصل الى أرض السويد، وكأنه يقول لقد أفسدوا حتى منافينا البعيدة.
أما قصة "فاكهة الغرباء" التي استفاد فيها الكاتب من خواص مسرح الفرجة حيث يمتعنا بشخصية خالية من الرؤية والثقافة لكنها ممتلئة بالحياة كما هو يمارسها عبر الإهتمام بالطعام والمال والبعد عن نمط السلوك اليومي لشعوب البلدان التي لجئ إليها، لكنها قصة مفعمة بحيوية الناس البسطاء الذين دفعت بهم ظروف بلادنا الى مواطن الكآبة البيضاء.
لكن تبقى المفارقة الجميلة في بعض قصص هذه المجموعة هو صمت الشخوص المثقفة، والتي تتحرك بهدوء منزوي على حافة الوجع، وهي تتفحص قبلنا مشاهد القص، رغم إنها ركن منها.

• سوسن أبيض.
• قصص.
• محي الأشيقر.
• الطبعة الأولى 2008.
• دار شرقيات للنشر والتوزيع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواية جديدة حول مكان السنوار


.. عوام في بحر الكلام -ليه نظلم شفيقة.. الشاعر جمال بخيت يحكي ق




.. عوام في بحر الكلام - صاحب أشهر سيرة شعبية في القرن العشرين..


.. عوام في بحر الكلام - الصعايدة هما أساس الجناس.. الشاعر جمال




.. قبل الامتحانات.. خلاصة مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية