الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟

مهدي بندق

2010 / 1 / 7
القضية الفلسطينية


بتاريخ 16/12/2003 كتب أمير أرون المحلل الاستراتيجي ورئيس تحرير صحيفة ها آرتس الإسرائيلية مقالا ً يقول فيه ما خلاصته إن حل القضية الفلسطينية مفتاحه في يد مصر ، فلو أن مصر وافقت على منح الفلسطينيين جزء من سيناء – كامتداد طبيعي لغزة – لأمكن استيعاب كل اللاجئين الفلسطينيين ( بلغ عددهم الآن 6 ملايين ) وبذلك ينفتح الفضاء السياسي لحل الدولتين دون أية عقبات ديموجرافية ؛ وبالمقابل تسعى إسرائيل لدي أمريكا وأوربا لحثهما على الأخذ بيد الاقتصاد المصري ، ومنح الرئيس مبارك جائزة نوبل للسلام ، بجانب وعد من إسرائيل أن تعيد النظر في قرارها بعدم الانضمام لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي !
والحق أن أمير هذا لم يكن يعبر فيما كتب عن حلم طاف به في غفوة القيلولة اللذيذة ، وإنما كان شديد اليقظة ، واسع المعرفة بما آلت إليه الأمور منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 وحتى اليوم . فمن نافلة القول الاعتراف بأن إسرائيل غدت أقوي دولة في منطقة الشرق الأوسط عسكرياً وسياسيا ً واقتصاديا ً وعلميا ً . بينما جرى انقسام الفلسطينيين إلى معسكرين يحكمهما عداء سياسي وأيديولوجي متصاعد ، وبالتوازي مع هذا العداء العبثيّ الأحمق فقد تشرذمت الدول العربية ما بين مغرب نفض يده تماما ً من الخوض في هذه القضية ، ومشرق انقسم بدوره إلي خليجيين همهم الأول حماية أنفسهم من التنين الفارسي المتلمظ ، وإلى " شوام " يحاول السوريون منهم أن يحجزوا مقعدا ً في القطار الإيراني القادم على قضبان حزب الله الحديدية ، تلك القضبان التي ُتدك في لحم لبرالية لبنان الطري العاري.
وما من شك في أن مثل هذه القراءة للواقع الفلسطيني والعربي هي التي أغرت أمير أرون أن يلتفت إلى مصر بعين البومة ، ليراها في هذه الآونة المؤلمة تعاني وحيدة ً بلا رفيق أو شفيق ، تثقل كاهلها مشكلات اقتصادية غير منكورة ، وتلوب في مآقيها قطرات حيرة سياسية تحت سحابات خطر غامض ومتوقع في آن ، أقله أن أظافر الضر الآثمة قد قاربت بالفعل خدش إهاب طالما افتخر المصريون – مسلمين وأقباطا ً – بأنه مستعص على المساس .

وعد شارون المشئوم
من هنا جاء استدعاء أمير أرون للوعد الذي " تفضل " به آرئيل شارون على الفلسطينيين ذات يوم من أيام حكمه السديد بـ " أنه ينظر بعين العطف لإنشاء وطن قومي للفلسطينيين في سيناء " ! وليكن أنه لم يقل هذا بالحرف المطابق لوعد بلفور المشئوم ، لكنه قالها – على أية حال – بصيغ مختلفة ، ليكررها من بعده في صراحة المجرمين العتاة وزيرُ الخارجية الإسرائيلية الحالي إيجور لبرمان . إذن فليكرر المصريون قول عبد الناضر الشهير : لقد أعطى من لا يملك وعدا ً لمن لا يستحق ، عندها سوف يغضب الفلسطينيون من وصف أشقائهم المصريين لهم بأنهم " لا يستحقون " ! هكذا تنتقل المعركة من ساحة الجريمة الإسرائيلية إلى سراديب التنابذ بالألفاظ العربية " الجريرية / الفرزدقية " البلاغة والفصاحة وإلى أبواق " الجزيرة " ذات الصياح والنواح ، وإلى " أنفاق " مهربي السلاح وتجار المخدرات و الرقيق الأبيض ، إلى "منشورات " المؤمنين بالماضي ( الذهبي ) الكافرين بالأوطان الحالية بحدودها القائمة والمعترف بها دوليا ً ، الساخرين بكل خفة من استراتيجيات أمنها القومي ، ظنا ً منهم أنهم بهذا إنما يمهدون لخلافة إسلامية تمتد من اندونيسيا إلى موريتانيا ، ومن أفغانستان وإيران إلي السودان والصومال !
ليكن إذن للعرب وللمسلمين أن يفكروا على هذا النحو ، ولتبق لهم سراديبهم وأبواقهم وأنفاقهم وجزائرهم ومنشوراتهم وبلاغتهم وفصاحتهم ، ولتمض إسرائيل في وضع وعد شارون موضع التنفيذ ، وبهذا يسعد الجميع !

مصر ليست للبيع
بيد أن العقبة أمام كل هذه السيناريوهات إنما هي مصر ، فتلك هي الدولة العربية الوحيدة التي لم يصنعها إنجليز أو فرنسيون ، ومن قبل هؤلاء لم يصدر بإنشائها فرمان عثماني ّ ، فلقد كانت دولة بمعني الكلمة قبل أن يفتحها العرب ، وكانت دولة معترف لها بالوضع الخاص حتى وهي تحت حكم الرومان والإغريق والفرس . وبالطبع طلت دولة كاملة الأوصاف تامة السيادة قرابة 2700 عاما ً مستقلة تحت حكم أبنائها إلا بضع مئات من السنين حكمها فيها ملوك الهكسوس ، وبعض ملوك من أصول ليبية .
وعليه فإنه يغدو ضربا ً من الجنون أن يتخيل كائن من كان أن رئيسا ً لمصر يقبل بالتنازل عن جزء من أرض الوطن مقابل حل مشكلات اقتصادية ، ووعد من " العدو " التاريخي بنزع سلاحه النووي ، وفوق البيعة جائزة للسلام !
فإذا أعرضنا عن مخايلات الجنون تلك ، وعدنا إلي حديث العقل ؛ لأدركنا أن ما تفعله مصر عند حدودها من تأمين لتلك الحدود ببناء جدار يمنع مهربي السلاح والمخدرات وتجار الرقيق الأبيض وخلايا الإرهاب ؛ إنما هو عمل من صميم أعمال السيادة لابد من مباشرته تنفيذا ً لنص المادة 79 من الدستور التي تتضمن قسم رئيس الجمهورية بالحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه . ولأن هذا القسم هو المتمم لخطوات تنصيب الرئيس ، فلا يحق له – قبل أن يؤديه - أن يباشر سلطاته الدستورية ، فما من شك في أن الحنث به لا غرو يجرده من شرعيته بما يجعله معرضا ً للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي ( المادة 85 من الدستور )
هنا قد يقول قائل : إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لم تقم مصر هذا الجدار فورا ً بعد يوم 23/1/ 2008 وهو تاريخ اقتحام 700000 نسمة من سكان غزة للحدود المصرية بإيعاز من حماس صاحبة أيديولوجية " الدين وليس الوطن هو حدود دولة الإسلام " ؟
في تقديري أن فكرة بناء هذا الجدار لابد وضعت موضع الوجود بالإمكان Potential existence فور وقوع هذا الحدث الخطير غير المسبوق ، لكن منع نقلها من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالفعل سببان ، الأول : أن أجهزة الأمن المصرية استطاعت بكفاءة عالية أن تعيد المقتحمين إلى بلادهم في أقل من أسبوع ، عدا من تمكنوا من التسلل إلي داخل مصر ، لتبقى كخلايا نائمة في انتظار أوامر "المجاهدين" قادة حماس وحزب الله وطهران كي يبدءوا عمليتهم الشيطانية بتفجير مصر " الفرعونية الكافرة " ! وحتى هؤلاء سرعان ما قامت الأجهزة المصرية المسئولة عن أمن الدولة والوطن وشعبه بكشفهم واعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة . وأما السبب الثاني فقد كان متعلقا ً برغبة مصر المؤكدة في الوصول بالأخوة الأعداء الفلسطينيين : فتح وحماس وسائر الفصائل المتصارعة إلى مصالحة شاملة ، هي وحدها السبيل القويم والوحيد لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني بعامة ، وعن أهالي قطاع غزة بالأخص . بيد أن الرياح لم تأت بما اشتهته السفينة المصرية الصابرة على تلاطم الأمواج الحمساوية ، تلك التي سعت لقلب السفينة وإغراقها قبل أن تبلغ بالجميع شاطئ النجاة ! لماذا فعلت حماس ذلك ؟ لأنها – وكما بات ذلك واضحا ً جليا ً – لو قبلت بالمصالحة لأهدرت أيديولوجيتها كمنظمة لا تعترف بمبدأ المواطنة ، وفصل الدولة عن الدين على خلفية فلسفة الديمقراطية ( التي تتجاوز آلية الانتخابات إلى التسليم بأن مصدر السلطات هو الشعب وليس آيات الله ) وهكذا بدا أن حماس ترحب كل الترحيب بوعد شارون أن تكون سيناء امتدادا ً لغزة . ولو تم هذا لاقتربت الساعة ، ولصارت مصر أسيرة ، محاصرة من شرقها بدولة فلسطينية دينية ، ومن داخلها بحكومة ظل أخوانية دينية . والنتيجة بعد ذلك معروفة متوقعة ، أن تسقط مصر الدولة المدنية ذات التاريخ العريق سقوطا ً أبديا ً لا قيام بعده ولا نجاة منه مهما يتقدم الزمن .
فهل تبني مصر جدارها ؟ أم تغض الطرف عن وعد شارون وليبرمان وأمير أرون الذين " ينظرون بعين العطف لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء " ؟!

ملحق
لم تنقض ساعات على كتابة هذا المقال حتى وجدنا قناة الجزيرة تبشرنا بنبأ مقتل جندي مصري برصاصة قناص حمساوي "مجاهد " ، بجانب لقطات تصور انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال المصري الغاشم، والرابض على أرض وطنهم المقترح : سيناء ، مما أدى إلى جرح سبعة عشر من الشرطة المصرية ، ممن ترى الجزيرة أنهم تجاسروا على الوقوف بوجه محاولة جديدة " مشروعة " تستهدف فتح معبر رفح بالقوة .
وما زالت الأنباء تترى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا لم يطلق البوليس عليهم النار
محمد حسين يونس ( 2010 / 1 / 7 - 16:48 )
سؤال لابد أن يسأله أى عاقل بعد قراءه هذا المقال هل الجنود هناك بدون زخيره أم لأن الطاعون الأخواني دمر الأنتماء للوطن حتي بين قاده القوات المدافعه عن الحدود ..أليس رقم 700000 هذا مبالغ فيه


2 - هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين
أحمد خلف الله ( 2010 / 1 / 8 - 06:19 )
حماس تخطط كي تقيم دولة دينية في سيناء لصالح إسرائيل ، والأخوان في مصر يرحبون بذلك . كيف تترك هذه المخططات الواضحة أمام كل عين دون رد فعل حاسم ؟ أين حسني مبارك ؟ أين مثقفو مصر ؟


3 - هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين
ناجي أبادير ( 2010 / 1 / 8 - 10:41 )
ورد في ثنايا هذا المقال الهام إشارة إلى خطر الحرب الطائفية التي تدق على باب مصر . وهو خطر حقيقي في رأيي ولا يقل عن خطر المخطط الاسرائيلي الحمساوي الأخواني . فماذا ستفعل الدولة المصرية العريقة بحد تعريف الكاتب المحترم؟ في رأيي أن مالا تفعله الدولة وليس ما تفعله هو سبب الكوارث التي تنزل بشعب مصر كالمطارق لا يفيق من مطرقة حتى يتعرض لاخري هل تنتظر الدولة من الاقباط أن يموتوا لتحيا هي تحت حكم الجماعات الدينية ؟ شهداء نجع حمادي يسألون


4 - هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين
جلال عبد المحسن - مدرس فلسفة ( 2010 / 1 / 8 - 19:32 )
كما عودنا الكاتب والشاعر الكبير مهدي بندق تأتي هذه المقالة في وقتها تماما مروعة ومنذرة بالخطر ، فمن يجرؤ على تجاهل هذا الاحتمال الواقعي بكل أبعاده وملامحه الشيطانية ؟ انني أرتعد إشفاقا على وطني مصر من مجرد التفكير في احتمال سقوطه بين سندان حماس ومطرقة الاخوان . كل هذا والدولة في واد غير الوادي ، يلهو قادتها بلعبة الانتخابات البرلمانية القادمة ومعهم احزاب المعارضة ، وينقسم النخبة بين مؤيد للتوريث وحالم بالبرادعي منقذا ومخلصا ولا منقذ ولا مخلص الا الشعب . ولكن اين الشعب ؟ يصفق للأهلي أو يبكي على خسارة مباراة المنتخب . هل هو يوم القيامة قد أزف ؟


5 - تجنيس الفلسطنيين سيجعل سيناء وطن لهم
المصري ( 2011 / 9 / 19 - 20:35 )
المقال نشر في المصري اليوم في 2812010 الأمريكيون ينتظرون «خليفة مبارك» لإعلان الدولة الفلسطينية فى سيناء وهذا ما يقوم بة المجلس العسكري بتجنيس الفلسطنيين
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=241971&IssueID=1664#CommentFormAnchor

المجلس العسكري هو خليفة مبارك وقد اتخذ عدة خطوات منها اعطاء الجنسية للفلسطنيين من ام مصريه مما جعل اكثر من 30 الف فلسطيني يحصلون علي الجنسية المصرية في خلال ثالثة اشهر
ثم خطوة تمليك الارض في سيناء سيجعل هناك نزوح من غزة لمصر و اسرائيل تنفذ مخططها دون ان نشعر

اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا