الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات الإعلامية الرسمية وصناعة الأزمة

دنيا الأمل إسماعيل

2010 / 1 / 9
الصحافة والاعلام


يستدعي الحديث عن المؤسسات الإعلامية الرسمية، الحديث عن وجود دولة مستقرة ذات نظام سياسي واجتماعي مستقرم يمتلك معاييره وأدواته في الهيمنة والسيطرةن التي تتجاوز المال – وإن كان أحد أهم أدواتها- إلى رسوخ عدد من القيم الأيدلوجية ذات الغطاء المهنينلكنها في كل الأحوال أحادية الصوت، لا ترى مجتمعها إلاّ من منظورها الخاص القائم على إقصاء الاّخر وتعظيم الذات وانجازاتها مهما صغرت، وعدم الاعتراف إلا فيما تلاقى مع رؤيتها- بوجود تعددية هنا أو هناك0
إن صفة الرسمية غالباً ما تطلق على المؤسسات الحكومية التي تتبنى وجهة نظر الحكومة في كل شيء ومنها الإعلام،وهي صفة ذات تقاليد عريقة في الدول المستقرة وذات الأنظمة السياسية الواضحة وهو ما لم يتحقق على الإطلاق في حالتنا الفلسطينية، وإن حظى ببعض المحاولات المحدودة في كما في إنشاء تلفاز فلسطين أو الإذاعة أو حتى في الصحافة المكتوبة ، ولكن هذه المحاولات افتقرت إلى منهجية عمل واضحة، انبت أساساً على غياب الرؤية الواضحة للسلطة الوطنية الفلسطينية خاصة في علاقتها بالمجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع، فيما كان الشعب خارج هذا الجغرافية المحدودة خارج نطاق التغطية الرسمية لهذه السلطة-
إن إطلاق صفة الرسمية من عدمها على جهاز إعلامي، لا ترتبط فقط بتبعيته المالية للدولة أو الحكومة، ولكن بدرجة أهم بدرجة الهيمنة الفكرية و الأيديولوجية التي يمكن أن تبسطها الحكومة على مضامين وتوجهات وأداء هذا الجهاز0 إن قراءة سريعة لآجهزتنا الإعلامية الرسمية وإن كان التعميم فيه كثير من التأنين سنجد الآتي:
1- أن غياب استراتيجية واضحة لإعلام السلطة كان سمة غالبة عكست نفسها على طريقة التناول الإعلامي لهذه المؤسسات، فكثيراً ما يخرجها عن صفة الرسمية إلى إعلام المقاومة مثلاً، أو إلى بروز أشكال من البرامج النقدية تتجاوز الرسمية الحادة،
2- أن افتقار هذه المؤسسات إلى الثراء المالي بما يكفي لتجويد أداءها وضمان ولاء كوادرها، جرها إلى ارتداء ثوباً لا يناسبها وهو ثوب إعلام المنظمات الأهليةن ما أضعف قدرتها على ترسيخ تقاليد صحافية واضحة،
3- أن هيمنة حركة فتح على وسائل الإعلام سابقاً لا يعد جريمة فتح وحده، وانما جريمة حزاب وقوى فكرية ومجتمعية أخرى، وهو الأمر فسه الذي تكرره حركة حماس في غزة،
4- أن نضال القوى السياسية الأخرى لثبيت أيديولوجيتها سياسياً ومجتمعياً لم يحظ باهتمام حقيقي منها وهم ما جعل الساحة خالية أمام فتح سابقاً وحماس حالياً للهيمنة مع فارق مهم في حماية الحريات العامة لصالح حركة فتح،
5- أن إعلام حركة فتح لم يكن إعلاماً رسمياً خالصاً بل حظيت التوجهات الأخرى بمساحات ضيقة، كان من الممكن توسيعها لو امتلكت الإرادة الحقيقية المبنية على العمل لا القول-


إن الإعلام كأحد مصادر المعرفة المهمة وربما تكادر تكون الوحيدة لدى غالبية الناس، يشكل عاملاً من عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي، بما يمتلكه من خطورة الانتشار الواسع وسهولة التعاطي معه يجعل من المهم التروي في كلمة تقال أو تذاع أو تكتب ، فبمجرد ولوجها ماكينة الإعلام لم تعد مجرد كلمة بل تحولت إلى سلسلة طويلة من السلوكيات والتوجهات والأفكار الأخرى-
إن مقارنة بسيطة بين إعلام ما قبل الانتخابات التشريعية الثانية وما بعدها تجعلنا نتأني كثيراً في الحكم على ديموقراطيتنا فيما يتأكد صراحة أن أية سلطة حاكمة مهما كان غطاءها لأيديولوجي، ستتبع منهجية الإقصاء ذاتها وتعظيم الذات وتبرير أفعالها عبر وسائل إعلامها وبهذا المعنى فإنّ كل إعلام مقرون بالقوة هو إعلام رسمي مهيمن يفرض معاييره الخاصة ورؤيته الخاصة وربما أيضاً أزمته الخاصة التي تنعكس في خطابه الإعلامي
إن إعلام الحكومة ليس وحده فقط الإعلام الرسمي، فإعلام الأحزاب هو رسمي لأعضائه، فإذا سيطر وهيمن امتلك الحسنيين: حزبه ومجتمعه، وهو ما ‘مى بصيرة البعض ليعتقدوا أن سيطرة الحزب تعني بالضرورة انضواء جميع أفراد الشعب فيه بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى0
جميع المجتمعات في العالم تمر بأزمات سياسية داخلية أو خارجية، وجميعها أيضاً يمر بفترات توتر اجتماعي قد يصل أحياناً إلى استخدام السلاح الإعلامي، فهو الأداة الأكثر نجاعة في التعذيب النفسي وإشاعة أجواء الخوف وعدم الثقة والشعور بالرغبة في الانتحار، ولأنه أداة فقد يستخدم بنيات مبيتة للقتل وإشاعة الفوضى والحصول على مكاسب والاستقواء بسيطرته لانتاج أشكال أخرى من السيطرة والهيمنة، خاصة في دول العالم الثالث والفقيرة، التي تتمتع بوتيرة انفعال أعلى تتعاطف ولا تفكر ، تتجزب ولا تتحرر، تنقاد ولا تشارك0
ولأن السلطة – أية سلطة- لا ترى في الإعلام إلاّ أداة ووسيلة، فهي لا تريده رقابياً أو محاسباً بل مؤّمناً
على توجهاتها ، معظمّاً انجازاتها ولو كانت على ضلال0 وحينما يكتفي الإعلام بصوته الأحادي تبدأ الأزمة تنضج على مهلٍ لا يبين حتى يقتنص فرصته في فرض الهيمنة على مجمل مناحي الحياة – إنّ الأزمة لا تكمن فقط بين طرفي نزاع يديران أزمتهما الداخلية علناً وبطريقة أقرب إلى الردح وبخطاب يخلو من أدبيات الحديث فما بالنا بأدبيات الحوار، بل يتعداه إلى صناعة أزمات متراكبة ومتشابكة تتجاوز الزمان والمكان والفئة الاجتماعية، إنها عابرة لكل القيم والمبادئ والأخلاق، لذلك فإنها ستحظى بخرابها الكائن لما يمكن أن يكون لدى أجيال صنعتها الكراهية والحقد والثأر 0 لكن أحداً لا يهتم
إن الأزمات لا يصنعها الإعلام ، لكنه يبرزها، يكشف عوراتها ومخبوء نفوسها وألسنتها فنحن لا نكتب لإلاذ نتاج حياتنا وأفكارنا ولا نروج إلاّ للجميل فينا أمّا سيئاتنا وعيوبنا فلا نعرف منها إلا ما يتراءى لنا في سيئات وعيوب الآخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو