الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حل منصف لا عدالة مطلقة

يعقوب ابراهامي

2010 / 1 / 8
القضية الفلسطينية


" هل تعرف اسم صاحب البيت الفلسطيني الذي تعيش فيه أنت وعائلتك؟" – سألني القارئ حيدر في الإسبوع الماضي.
وأنا لا أريد التهرب من الجواب (رغم علمي أن حب الإستطلاع وحده ليس هو الذي دفع القارئ حيدر إلى هذا السؤال).

أستطيع طبعاً أن أجيب القارئ حيدر أن البيت الذي أعيش فيه، مع عائلتي، لم أغتصبه من أحد. أقمته على أرضٍ جرداء، في أعالي جبل "الكرميل"، بمالي الخاص الذي حصلت عليه بعرق الجبين. لم أطرد أو أشرد أحداً.

أستطيع أن أجيب القارئ حيدر أن بيتي قائم داخل حدود دولة إسرائيل، لا في أراضٍ محتلة. الأراضي المحتلة لم تطأها قدماي، خلال نصف قرن، سوى مرتين (ولن أزورها إلا عندما تتحرر وإلا بموافقة وترحيب سكانها العرب) : المرة الأولى عندما وزعت، مع رفاق آخرين، غداة حرب "الأيام الستة" مباشرة، منشور الحزب الشيوعي الإسرائيلي الداعي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة وتسليمها إلى الشعب العربي الفلسطيني من أجل إقامة دولته المستقلة (أنا أذكر ذلك بصورة خاصة لأنني أنا الذي ترجم المنشور من اللغة العبرية إلى اللغة العربية).

المرة الثانية كانت ضمن قافلة نضمتها حركة "السلام الآن" طافت مدن وقرى الضفة الغربية، أثناء الإنتفاضة الأولى، لإظهار الوجه الآخر للشعب الإسرائيلي.

أستطيع طبعاً أن أقول كل ذلك "دفاعاً" عن نفسي ولكن "خط الدفاع" هذا قد لا يقنع القارئ حيدر.
هو، على ما يبدو، يعتقد إن كل بيت في إسرائيل هو بيت لعربي تم تهجيره ، وكل شبر من "الكيان الصهيوني" هو أرض مغتصبة سلبت من أصحابها الشرعيين ويجب ارجاعها إلى "سكانها الأصليين". (من هم؟ من هم "سكان فلسطين الأصليون"؟ هل هم الرومان الذين وجدهم عمر بن الخطاب عندما دخل القدس وفتح سائر أرجاء فلسطين؟ أم هم اليهود، سكان مملكة يهودا التي احتلها الرومان؟ أم هم الكنعانيون الذين يعتقد بعض الباحثين انهم "الأصل المشترك" ليهود وعرب فلسطين على السواء؟ وإذا أثبت البحث التاريخي وعلم الحفريات الأثرية إن اليهود هم "سكان فلسطين الأصليون" ، كما يزعم "القرضاويون اليهود" الذين ابتلينا بهم ، ماذا سيفعل القارئ حيدر؟ ماذا سيفعل "القرضاويون" العرب؟ هل سيوقعون على بطاقة طلب الإنتماء إلى الحركة الصهيونية؟).

ومع هذا فإن السؤال الذي يسأله القارئ حيدر، وإن كان قد أخطأ في "العنوان" ، هو ليس سؤالاً شخصياً بل سؤالاً يتعلق بصميم الصراع العربي-الإسرائيلي ولا يمكن التهرب منه.

جوابي هو كما يلي: أنا لا أعرف أسماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين شردوا من بيوتهم وأصبحوا لاجئين يسكنون الخيام. ولكنني أعرف من هم.

أنا أعرف أنهم ضحايا القيادة البائسة للحركة الوطنية الفلسطينية التي غررت بشعبها ورفضت كل حل وسط. أرادت كل فلسطين فخسرت فلسطين وأنزلت الدمار والخراب بشعبها. (وما أشبه اليوم بالبارحة).
أنا أعرف إنهم ضحايا الحرب التي أعلنتها الأنظمة الإقطاعية العربية الرجعية، الموالية للإستعمار، والتي أرسلت جيوشها، كما يقول عبد الله التل في مذكراته عن "كارثة فلسطين"، من أجل "القضاء على قرار التقسيم في مهده، وخنق الدولة اليهودية قبل أن تولد. . . ومن أجل إرواء غلتهم بالإنتقام لشرف العرب الذي دنسه اليهود". (وبالمناسبة فإن عبد الله التل هذا شديد الإعجاب بجنود الجيش العراقي الذين كانوا، وفقاً لشهادته، يهزجون: "مال يهودا ننهبها، ودم يهودا نشربها". طريقة عجيبة "للإنتقام لشرف العرب الذي دنسه اليهود").

هل في هذا تبرئة لإسرائيل من مسؤوليتها في نشوء وتفاقم قضية اللاجئين الفلسطينيين؟
كلا. غير أن اليسار الإسرائيلي ليس بحاجة لأن يذكرونه بذلك لا من جانب اليسار العربي ولا من جانب اليمين العربي.
اليسار العربي هو الذي بحاجة لأن نذكره بما يلي:
إن التطور التاريخي قد جعل من الأرض الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن (والتي تسمى باللغة العربية فلسطين وباللغة العبرية أرض إسرائيل "إيريتس يسرائيل") وطناً مشتركاً لشعبين: الشعب اليهودي والشعب العربي الفلسطيني. هناك بين الشعب اليهودي فئات رجعية شوفينية سوداء تقول إن كل فلسطين تعود لليهود ولا حق للعرب على أي شبر منها. وهناك بين الشعب العربي فئات شوفينية متعصبة (وإسلامية متطرفة) تقول إن كل فلسطين تعود للعرب ولا حق لليهود على أي شبر منها. هذه الفئات القومية المتعصبة، اليهودية منها والعربية، قد أنزلت بشعبينا مآسٍ وآلاماً لا تحصى. واليسار يخون رسالته إذا انجر وراءها.


السؤال "الشخصي" الذي يوجهه القارئ حيدر هو في الواقع السؤال التالي:
هل انطوى ظهور الحركة القومية اليهودية على مسرح فلسطين، في القرن العشرين، وإقامة الدولة اليهودية، على ظلم للعرب وسلب لحقوقهم؟
لا أحد يستطيع أن ينكر المأساة التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني (النكبة). ولكننا نريد أن نعتقد إن هذه المأساة لم يكن سببها وجود تناقض أساسي، لا يقبل التوفيق، بين مصالح اليهود وحقوقهم في فلسطين وبين مصالح العرب وحقوقهم فيها.
أو بعبارة أخرى: إن حركة الإحياء القومي للشعب اليهودي في فلسطين والحركة القومية العربية كان يمكن أن يتعايشا جنباً إلى جنب، وأن يسيرا معاً، وأن يساند كل منهما الآخر، لولا الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها قادة كلا الحركتين، ولولا أن الإستعمار قد استغل هذه الأخطاء لتحريض شعب بشعب واشعال نار الصراع الدموي بينهما.

التاريخ لم يسر في طريق التعايش والتعاون بين كلتا الحركتين القوميتين بل في طريق التصادم الدموي بينهما. ونشأت عقب ذلك "قصتان" متوازيتان للصراع.
لن يستطيع أحد الجانبين أن يحصل على "كل حقوقه كاملة غير منقوصة" دون النظر إلى حقوق الجانب الآخر ومطالبه ودون أخذها بنظر الإعتبار.
أو بعبارة أخرى : يجب البحث عن حلٍ منصف لكلا الجانبين لا عن عدالة مطلقة لهذا الجانب أو ذاك.
هذا طبعاً إذا لم يرد كلا الجانبين أن يموتا معاً في سبيل الله أو في سبيل "أرضٍ مقدسة". وفي كلا الجانبين عدد وافر من المجانين المستعدين لذلك.


من سخريات القدر:
عندما وزعت "الإتحاد"، جريدة الحزب الشيوعي الإسرائيلي باللغة العربية، بين الطلاب العرب في الجامعة العبرية في القدس الغربية، قبل أكثر من أربعين عاماً، لم أتصور أن يوماً سيأتي ويسألني فيه أحدهم عن اسم صاحب البيت الفلسطيني الذي أعيش فيه.
وإن شئتم، فإن هذا هو ملخص مأساة العلاقة بين شعبينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دولة علمانية ديمقراطية هو الحل
حامد شريف الحمداني ( 2010 / 1 / 8 - 17:09 )
السيد يعقوب إبراهامي المحترم
أود أن اسألكم لماذا يرفض حكام اسرائيل اقامة دولة علمانية ديمقراطية يعيش فيها العرب واليهود كشعب واحد دون اضطهاد أو تمييز؟
هل دولة اسرائيل دينية أم علمانية ، أم أن الدين قد اتخذه المتطرفون الأسرائيليون حكومة وشعباً ستاراً لاحتلال الضفة الغربية وتحويل قطاع غزة إلى سجن كبير؟
إن حكومة اسرائيل ما برحت تسعى لجعل إسرائيل دولة يهودية خالصة، وتسعى للتخلص من العرب داخل حدودها ، وأن هذا التوجه الديني يخلق رد فعل مباشر لدى الفلسطينيون العرب مسلمين ومسيحيين ، فكل فعل له رد فعل
ثم إذا كان حكام اسرائيل جادين في إقامة دولة فلسطينية مستقلة فلماذا تمارس سياسة الاستيطان في الضفة الغربية التي قطعت اوصالها المستعمرات؟
كيف ستقام هذه الدولة وهل ستكون مستقلة ؟ أم انها ستبقى تحت العباءة الإسرائيلية؟
انا اعتقد أن هذه الحلول الجزئية لن تجلب السلام في المنطقة ، وأن الحل الوحيد والصحيح في إقامة دولةعلمانية ديمقراطية في عموم فلسطين يعيش فيها الشعبين على قدم المساواة في ظل الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، مع اعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم


2 - الشيوعي يعقوب الإبراهامي
حيدر ( 2010 / 1 / 8 - 19:59 )
لأول رة يتبرأ الشيوعي يعقوب الإبراهامي من صهيونيته ويتبنى رؤية ستالين للمسألة الفلسطينية فمرحباً بالشيوعي الإبراهامي وشكراً له ولنا أن نذكره بأننا وقفنا بقوة ضد موقف اليمين القومي الإسلامي في الأربعينيات وطالبنا بدولة ثنائية القومية ثم من بعد أيدنا قرار التقسيم 47


3 - خداع...!
عبد المطلب ( 2010 / 1 / 8 - 20:36 )
الابراهامي الصهيوني كالعاده يمارس الخداع, فهل الارض الجرداء لا يوجد لها مالك ام ان يهوى نذرها له و لذريته عندما ولد في العراق وحتى ان الكرمل اصبح له اسم اخر,و لماذا العوده الى الرومان و الكنعانيين او العبريين,ان المقصود دائما بسكان فلسطين الشرعيين هم 9 مليون فلسطيني شردوا بعد المجزره الصهيونيه في اشتاء المعموره اما اراضيهم و ممتلكاتهم فيديرها و من ثم يبيعها بسعر خس حارس املاك الغائبين او تم مصادرتها باوامر الحكام العسكريين.وكم كان نسبه اليهود و ما امتلكوه من مساحه فلسطين قبل الانتداب البريطاني.و لا داعي دائما القاء اللوم على القياده العربيه و تسببها بالماساه فان رفضها لسلب ممتلكاتها امر طبيعي و ما عسى ان يكون رد فعل القاده الالمان او الانجليز لو فرض عليهم تقسيم دولتهم لاقامه كيان كولينيالي لتجميع شذاذ الافاق ولكي يكون قاعده متقدمه للامبرياليه؟اما بخصوص تسميه فلسطين فانه و حتى في الاعمال الصهيونيه المبكره تسمى هكذا و ليس ايرتس يسرائيل و هل التميز العرقي و المجازر و التهجير المبرمج يمكن تسميته تطور تاريخي؟و اخيرا ما المقصود بمصالح اليهود و حقوقهم في فلسطين؟اذا قصدت4بالمائه الاصليين مقبو


4 - السلام بالحل المنصف هو الذي ينتصرفي النهايه
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 1 / 8 - 21:01 )
الاخ يعقوب طرحك الهادئ الانساني النبيل لهذه المشكله العويصه
والتي اصبحت بزنسا يعتاش منه اهل الكروش - يجعل كل ذي عقل يطمئن
ان الخلاف الفلسطيني الاسرائيلي سحل بالتاءكيد حلا منصفا لجميع البشر
المقيمين على ارض فلسطين بالعربيه وارض اسرائيل بالعبريه
القضيه ليس خطاء او تطرف بعض الفلسطينيين الامر من البدايه اصبح مناسبه
لورثة نظام الاستبداد الشرقي العبودي الذي يسمونه رسميا بالنظام العربي
ان الحكام الطغاة العرب وجدوا بنشوء فلسطين مناسبه ذهبيه للتحجج بها لاعلان الاحكام العرفيه وتعليق المناضلين على اعواد المشانق كل ذالك واكثر بحجة قضية العرب المركزيه فلسطين
انا اتذكر انواعا من الاضطهادات والاهانات التي الحقها هؤلاء الحكام العرب بالفلسطينيين ولكني اخاف ان اذكرها ولكنها ليست سرا وقد يبادر احد الاخوه
لاستعراضها اما انا فعمري وصحتي وتشردي من وطني لاتسمح لي ان اقول كل مااعرف ان الفلسطينيين هم قبل كل شئ ضحايا هذا النظام العربي البربري
الذي لايريد لريح التغيير ان تدخل بلداننا لانها تعني الدمقراطيه اي فقدان هؤلاء الجهله الاميين الكسالى الذين لايجيدون من جميع ممارسات بني البشر غير

اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟