الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فدرالية تحت الطلب

بودريس درهمان

2010 / 1 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و هي في عمق النظام العالمي الجديد. هي راعيته و صاحبة القرار فيه إلا أنها في لحظة من اللحظات انزاحت و انحازت و فضلت الالتفاف على قيمه و أسسه المبنية على العلم و التاريخ و احترام قيم مبادئ حقوق الإنسان. الولايات المتحدة الأمريكية هي من كانت وراء إحداث عصبة الأمم سنة 1936و هيأة الأمم المتحدة سنة 1945 وكل الهيئات المنضوية تحتها ولكن بدافع التجريب الجيوستراتيجي لمفهوم القرية الشمولية الذي ابتدأ مع عهد ريغن سنة 1981 أهملت كل شيء.
سنة 1945 و بإشراف من الولايات المتحدة الأمريكية حددت معاهدة بوستدام الجهات الألمانية المعروفة باللاندات؛ منذ ذلك اليوم وألمانيا ومعها كل الدول الأوروبية في عمق النظام العالمي الجديد.
هكذا هو التاريخ يكفي فقط الرمي بالخطاطة الجيوستراتيجية والبقية تأتي في ما بعد، لكن التاريخ لا يعيد نفسه، نفس الخطاطة الجيوستراتيجية أراد الأسبان الرمي بها بداخل المناطق التاريخية للمملكة المغربية، لكن بدون أن يستطيعوا النجاح في ذلك...
اسبانيا هي ملكية فدرالية تحت الطلب هذا ما يؤكده تاريخ نشأتها الحديث. قبل الانتقال إلى الديمقراطية كانت تتوفر على خيارين لتنظيم تراب جهاتها التاريخية:
الخيار الأول كان يتمحور حول نظام إقليمي بنواة مركزية كبيرة و منطقتان أو ثلاث مناطق ذات حكم ذاتي مستقل و لها حكوماتها و برلماناتها و سلطاتها القانونية و القضائية الخاصة بها. أما الخيار الثاني فكان يخص نظاما فدراليا حيث كل المجتمعات المحلية تتمتع بنفس السلطات.
الخياران لم يتم الأخذ بهما لان الخيار الأول أي خيار النظام الإقليمي اعتبره الأسبان شبيه بخيار التنظيم الترابي للجمهورية الاسبانية الثانية. أما الخيار الثاني أي خيار النظام الفدرالي فهو حسب المؤسسين الأولين لن يستطيع الاستجابة لكل المشاعر الاسبانية المختلفة. لهذه الأسباب بحث الأسبان على شيء أخر يستجيب لرهاناتهم التاريخية. الشيء الأخر الذي صاغوه لتدبير ترابهم هو نظام فدرالي غير متماثل و هو نظام مختلف عن النظام الفدرالي الألماني المتماثل أو النظام الفدرالي السويسري المتماثل كذلك. الأسبان يسمون نظامهم الفدرالي غير المتماثل بـ"فدرالية تحت الطلب". هذه الفدرالية الغير متماثلة التي توجد تحت تصرف المطالب الاسبانية لم يتم التنصيص عليها حتى في دستور 1978الذي لازال ساري المفعول. لم يتم التنصيص عليها بداخل الدستور ولكن بالمقابل تم التنصيص على حق الحكم الذاتي في المادة الثانية من الدستور التي تقول:"يقوم الدستور على مبدأ وحدة الأمة الاسبانية غير القابلة للانفصال...ويضمن حق مناطقها في الحكم الذاتي و يعترف به"
النظام السياسي الذي يجعل مقومات كيانه قائمة على حدة المطالب المحلية و الجهوية يستحيل تصدير نموذجه لان هذا النموذج يصعب التكهن بمصيره. حتى مبدأ الحكم الذاتي الذي يستند إليه ( 1978)هو سابق على تشكل نظام الحكم الذاتي المحلي autonomie locale بداخل قوانين الاتحاد الأوروبي.
في توصية المجلس الاقتصادي الأوروبي ليوم 16اكتوبر1981دعت الدول الأعضاء آنذاك إلى " الدفع في اتجاه خلق تناغم ممكن ما بين الجهات الثقافية والبنيات الجغرافية للسلطات المحلية". هذه التوصية ساهمت في ما بعد بالضبط يوم 15 أكتوبر1985في صياغة وثيقة الحكم الذاتي المحلي.
اسبانيا صاغت نموذجها للحكم الذاتي سنة 1978و الأوروبيون صاغو نموذجهم المعتمد سنة 1985
فرنسا صادقت على هذا النوع من الحكم الذاتي المحلي الذي صاغه الأوروبيون في نفس اليوم الذي صدر فيه أي 15 أكتوبر1985 لكن هذه المصادقة لم تعف الدولة الفرنسية في ما بعد من إصدار أحكام سلبية وقاسية في حقه. مجلس الدولة الفرنسي المنعقد يوم 15 دجنبر1991 أصدر في حقه حكما سلبيا. تعليل الحكم السلبي ارتكز على الغموض الذي يلف بعض الإجراءات المتعلقة بالميثاق والذي من الممكن أن تتحول إلى مصدر المطالب السياسية والنزاعات. تتعلق هذه الإجراءات بـ:
• البند الرابع المتعلق باختصاصات الحكم الذاتي المحلي،
• البند السابع المتعلق بشروط ممارسة المسؤولية على المستوى المحلي،
• البند التاسع المتعلق بتدبير الموارد المالية الخاصة بالجماعات المحلية
• البند العاشر الذي يخص حق الجماعات المحلية في خلق تجمع جهوي
• عدم تناغم متطلبات البند 3 الفقرة2 مع مبادئ تنظيم الجماعات الترابية لفرنسا
هذا الحكم السلبي في حق وثيقة الحكم الذاتي المحلي جعل هذه الأخيرة تخضع لتكييفات على المستويات الترابية المحلية للمناطق الجهوية الأوروبية، رغم أن البند الثاني من هذا الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي ينص على أن مبدأ الاستقلال الذاتي المحلي يجب الاعتراف به بداخل التشريعات المحلية وكل ما أمكن الأمر الاعتراف به بداخل الدساتير. البند الثاني يلح على هذا أما البند الثالث فيحدد مفهوم الاستقلال الذاتي المحلي في مستويين:
• المستوى الأول يتجلى في قدرة الجماعات المحلية، و في إطار القانون الجاري به العمل وتحت مسؤوليتهم، القيام بتدبير جزء مهم من القضايا العمومية.
• هذا الحق المخول للجماعات المحلية تمارسه مجالس وتجمعات مشكلة من أعضاء مصوت عليهم في إطار اقتراع حر، سري ومباشر ويمكن أن يخول لهم التوفر على أجهزة تنفيذية مسئولة
لماذا المصادقة على الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي(15 أكتوبر1985) لم تستدع إعادة النظر في الدساتير الأوروبية المعمول بها؟ لم يتم ذلك للسبب الرئيسي التالي و هو أن هذا الميثاق لم يقم على أنقاض اللغات والأقليات الأوروبية، بل قام على أساس اقتراحات المؤتمر الدائم للسلطات المحلية و الجهوية الأوروبية . ممثلي هذا المؤتمر الدائم مشكلين من منتخبي الجماعات المحلية.
التعددية اللغوية واحترام حقوق الأقليات الاثنية و اللغوية بما فيها حتى لغات المهاجرين المنحدرين من جهات عدة من العالم هي خاصية أوروبية بامتياز، و هي معترف بها رسميا و محمية من طرف الاتحاد الأوروبي بواسطة قوانين و تشريعات كما ينص على ذلك صراحة البند 22 من الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية
في الاتحاد الأوروبي حاليا يتم اعتماد ثلاثة وعشرون لغة كلغة رسمية وأكثر من ستون لغة محلية. التعددية اللغوية هي مدونة في كل القوانين العضوية للاتحاد الأوروبي نظرا لدورها في عملية التلاحم الاجتماعي و مساهمتها في عملية التواصل و في عملية تنمية الكفايات المهنية للمواطنين الأوروبيين. سنة 2002 اقر المجلس الأوروبي سياسة لغوية معتمدة على مبدأ استعمال ثلاث لغات من طرف كل مواطن أوروبي. كل مواطن أوروبي هو ملزم باستعمال ثلاث لغات. اللغة إلام بالإضافة إلى لغتين إضافيتين. بداخل دول الاتحاد الأوروبي يستطيع المواطنون الامازيغ تعلم اللغة الامازيعية طوال حياتهم في الوقت الذي لن يستطيع فيه اقرباؤهم الذين بقوا في أوطانهم التمتع بهذا الحق الأساسي
المؤشر الأوروبي للكفايات اللغوية يحدد القاعدة المشتركة لتقييم الكفايات سواء داخل المدارس الابتدائية أو داخل الحياة العامة
بناء حكم ذاتي محلي على أنقاض احد النظامين اللغويين الاتنيين المتداولين بالمناطق الجنوبية للمملكة المغربية قد يشكل عنصر عدم استقرار في المنطقة و بدل "فدرالية تحت الطلب" التي تريد المملكة الاسبانية تصديرها للمغرب ستبقى المملكة المغربية رهينة تاريخها الخاص الذي هو "ديموقراطية تحت الطلب" الذي تتفاعل معه بعض القوى السياسية تحت شعار "النضال الوطني الديمقراطي"
رغم كل التعديلات التي طرأت على كيفية تدبير الجهات الأوروبية، ورغم كل المستجدات الحقوقية و القانونية فان تطبيق نظام الجهات و معه تطبيق نظام الحكم الذاتي المحلي لم يثبت أخطاء الدساتير السارية المفعول نموذج الدستور الاسباني لسنة 1978و نموذج الدستور الفرنسي المتقادم و الذي يعود إلى سنة 1958. في ظل هذه الدساتير المعدلة بدون استفتاءات صادقت هذه الدول على الميثاق الأوروبي للاستقلال المحلي.
المملكة المغربية إذا ما أرادت التكيف مع خيار الاستقلال المحلي عليها إعادة النظر في "تصدير" دستورها...و بدون استفتاء.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو لجنود الاحتياط على الحدود مع لبنان: نقدر خدمتكم ونعم


.. مؤسس موقع ويكيلكس يقر بالتهم الموجهة إليه بعد اتفاق مع الحكو




.. مسيرة حاشدة في كوريا الشمالية لإحياء الذكرى الرابعة والسبعين


.. الشرطة البريطانية توقف 4 أشخاص لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الو




.. أخبار الصباح | زوجة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة الانقلاب عليه