الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حب .. و بطاقة تعريف- للقاص عبد السميع بنصابر جواز مرور نحو مستقبل قصصي واعد

مصطفى لغتيري

2010 / 1 / 8
الادب والفن


نظرا للمكانة الاعتبارية التي أضحت تتمتع بها القصة القصيرة في المغرب ، بفضل المجهودات المتواصلة لكتابها المتحمسين و الجادين ، و على رأس هؤلاء الكاتب المتميز أحمد بوزفور ، أصبح هذا الجنس الأدبي قبلة مفضلة ، تجتذب إليها- تباعا -عددا من الأقلام الشابة ، التي تفاجئ المتتبعين بجودة نصوصها القصصية ، و لعل ذلك مما يبرر الاطمئنان على مستقبل هذا الجنس في بلادنا.


ومن الأقلام الشابة التي التي تثير انتباه المتتبع بنصوصها القصصية ، المتميزة بقدر كبير من النضج ، من الصعب أن يتحقق لأديب شاب ، أذكر القاص عبد السميع بنصابر ، الذي أصدر- في المدة الأخير- مجموعته القصصية الأولى ، والتي اختار لها كعنوان" حب.. و بطاقة تعريف" ، والمطلع على هذه المجموعة سيشعر- لا محالة- أنها تؤشر على ولادة قاص واعد ، يمتلك من المؤهلات ، ما يبوئه مكانة محترمة ضمن الجيل القصصي الجديد ،الذي أطلت علينا نصوصه الأولى مع بداية القرن الواحد و العشرين ، و الذي من المنتظر أن يفرض نفسه بقوة في ما سيأتي من أيام ، و من هؤلاء أذكر كل من محمد أيت حنا و حنان كوتاري و مصطفى الدقاري و عبد الغفور خوى و غيرهم كثير.



و لعل أول ملاحظة تفرض نفسها على قارئ هذه المجموعة القصصية تتعلق بأسلوب الكتابة القصصية ، الذي ارتضاه القاص لنفسه ، و الذي يتميز بكثير من الرصانة و الدقة و التلقائية ، فالنصوص تنبني عند الكاتب بشكل هادئ ،مستفيدا -في ذلك- من تقنيات القصة القصيرة، كما تقدم نفسها لدى رواد هذا الفن القصصي الجميل ، محاولا بذلك الاقتضاء بالنصوص الكلاسيكية ، التي تراهن على تقديم الأحداث بشكل متنام ، يراعي التسلسل المنطقي و الكرونولوجي ، مع الاهتمام برسم الشخصيات بملامحها النفسية و الفزيولوجية ،حتى توهم المتلقي بواقعيتها ، و قد وظفت قصص بنصابر لبلوغ غايتها هاته لغة قصصية ، تحترم إلى حد كبير النسق الفصيح و علامات الترقيم ، وهي لغة تعظ بالنواجد على سلاستها و فصاحتها، مانحة بذلك النصوص جمالية خاصة ، تميز بشكل عام النثر الفني ، بإيقاعه الداخلي ، الذي يشعربه كل من أصاخ السمح للنصوص بكثير من التروي و العشق.



و تنتقي قصص المجموعة تيماتها من المحيط الذي يحيا بين أحضانه القاص ، مسجلا بذلك حضور الحي و المقهى و الشارع و المدرسة ، هذه الأخيرة التي يطغى حضورها على كثير من النصوص ، و ليس ذلك مستغربا ، إذا عرفنا أن القاص عبدالسميع بنصابر يمارس مهنة التدريس . يقول السارد في قصة " فوق السرير" :
" خيل إلي أنني حطمت إثرها ، جسد المدير.. لا بد أن الحقير يقف كالعادة ، بجسمه القصير الممتلئ أمام باب المركزية ، وعيناه تطلان على عقارب ساعة الكوارتز التي تخنق يده ، من وراء نظارته الطبية ، وهي تكاد تبتلع نصف وجهه ، الذي - بالمناسبة- أراه أقبح وجه آدمي على البسيطة".

و كما هو الشأن بالنسبة لكل كاتب شاب ، فالعلاقات العاطفية حاضرة بمقدار ،حيث نجد المرأة محور بعض القصص ، بل وتعد عاملا محفزا على الاستمرار في الحكي، رغم أن هذا الحضور يتميز في نصوص المجموعة بكثير من المرارة و الخيبة ، و قد عبر عن ذلك الكاتب في أكثر من قصة بأشكال مختلفة ، يقول السارد في قصة " لقاء خيالي" :



" و في اليوم الموالي ، عند الغروب ، كنت أجلس وحيدا مفترشا رمال الشاطئ الفسيحة..


كانت يدي تمسك وردة ، بدأت تذبل بطول الانتظار.."



و بعد هذه الوقفة العجلى عند المجموعة القصصية "حب .. و بطاقة تعريف "، و التي هي أبعد من أن توفيها حقها ، يطيب لي أن أختم بخلاصة مفادها: إن الخصائص المميزة لأسلوب القاص عبدالسميع بنصابر ، و التي أشرت إلى بعضها في هذا المقال، وخاصة تعاطيه مع مكونات جنس القصة القصيرة بشكلها الكلاسيكي ، لهي -في رأيي - المؤشر الأكثر دلالة و قوة على أن مستقبل هذا القاص سيكون ماطرا و غنيا ، لأن الكاتب الذي ينطلق من تمكنه من أسس الجنس ، من خلال تمرسه على ممارستها ، كما تجلت عند الرواد من أمثال تشيخوف و موباسان ومنذور و يوسف إدريس ، لهو- في اعتقادي- القاص الذي يمكنه أن يتجاوز في يوم من الأيام هذه الطريقة في الكتابة، لينتقل إلى أسلوب أكثر حداثة من خلال تعميق الرؤيا ، و الحفر عميقا و عموديا في كل مكون على حدة، بعد أن يكون قد أسس مشروعه الكتابي على أسس صلبة و متينة ، تخول له التوغل عميقا في مفاوز القص و دهاليزه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح خطأ
مصطفى لغتيري ( 2010 / 1 / 9 - 07:29 )
تسربت بعض الأخطاء إلى المقال أرجو تصحيحه
يعض بالنواجذ
بدل
يعظ بالنواجد
و مندور
بدل منذور
وشكرا


2 - شكر
عبد السميع بنصابر ( 2010 / 1 / 9 - 19:49 )
أشكرك أستاذي الغالي سي مصطفى على مقالك البهي لذي خصصت به المجموعة
أدامك الله في أعالي الأدب مرفرفا
محبتي


3 - قراءة عاشقة
الدكتور علي القاسمي ( 2010 / 1 / 9 - 20:01 )
أهنئ الناقد المتميز مصطفى لغتيري بهذه القراءة العاشقة للمجموعة القصصية - حب وبطاقة تعريف- للقاص الصاعد عبد السميع بنصابر، فقد أستطاع الناقد أن يحدد أهم خصائص المجموعة الأسلوبية، وأبرز تقنياتها السردية.ولا شك في أن النقد الجاد يساعد الكاتب على تطوير عمله، من ناحية، ويساعد القارئ على تتبع النتاج الأدبي ويكثف تذوقه له من ناحية أخرى، آمل أن نرى أعمالاً جديدة للقاص عبد السميع والناقد لغتيري.


4 - شكرا
مصطفى لغتيري ( 2010 / 1 / 9 - 20:23 )

العزيز عبدالسميع بنصابر،
لقد أعجبتني مجموعتك الجميلة ، و أتمنى أن تكون فاتحة خير عليك ، تتبعها نصوص أخرى أكثر تميزا.
العزيزالدكتور علي القاسمي.
أتتبع مسيرتك الإبداعية بكثير من الإعجاب، و على الأدباء المغاربة -الذين يكنون لك كل الاحترام- أن يفخروا بوجود مبدع و دارس و ناقد ومترجم من طينتك بين ظهرانيهم.
محبتي الدائمة لكما معا.


5 - ولادة جديدة في سماء ألإبداع القصصي
لبنى عبد اللوي ( 2011 / 2 / 7 - 15:40 )
وأنا أتفحص المجموعة القصصية حب وبطاقة تعريف للقاص المبدع عبد السميع بنصابر أجدني أنغمس فيها حد التماهي إذ استهوتني فهي ذات أسلوب ينم عن حنكة مبدعها وعن بزوغ نجم واعد في سماء الإبداع,فهنيئا لك هذه المجموعة على أمل أن نشتم رائحة عطر قصصي آخر تبدعه آناملك.دمت ذهنية صدامية ثاقبة
مع خالص محبتي

اخر الافلام

.. اللوحة الأخيرة لأشهر فنانة برازيلية تظهر فجأة .. والتحقيق سي


.. إلغاء حفل -هولوغرام- للفنانة الراحلة ذكرى في تونس.. ما السبب




.. موجة من ردود الفعل على رسالة حكومية مُسربة تؤيد ترشيح وزير ا


.. محمد الأخرس: الرواية التي قدمتها المقاومة الفلسطينية حول عمل




.. مدير مكتب العربية بفرنسا: التمثيل داخل البرلمان الأوروبي مرت