الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصارف بؤرة الفساد الكبرى

علي محمد البهادلي

2010 / 1 / 10
الادارة و الاقتصاد


الفساد الإداري والمالي أبرز ما هو موجود من ظواهر سلبية طفحت على الساحة العراقية بعد احتلال العراق 2003 ، وتفاوتت مؤسسات الدولة في تفشي وانتشار هذه الآفة تبعاً للأسباب والمنافذ المؤدية إليها ، فبعض وزارات الدولة ومؤسساتها تحتوي على منافذ واسعة للفساد تمكِّن الموظف فيها من استغلال منصبه في ( لغف ) ما يمكنه من أموال ، فالمؤسسات الأمنية مثلاً ميزانياتها عالية جداً ونفقات هذه الميزانية متعددة ، وهذا ما يسهل للوزير أو وكلاء الوزير ومن لهم حق التعاقد مع الشركات الأجنبية استثمار مثل هذه الفرص للإثراء السريع من خلال تلقي الرشوة والتعاقد مع الشركات الرديئة الإنتاج ، والاختلاس والتلاعب في الوثائق والمستندات التي يمكنها ضبط عملية الإنفاق ، وقضية وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان ووزير الكهرباء أيهم السامرائي أشهر من أن تخفى ، وما قضية القبض على وكيل وزارة النقل متلبساً بالرشوة عنا ببعيد ، وهناك دوائر تكثر فيها الإجراءات الروتينية كمديرية الجوازات ودائرة الضريبة والعقاري ، لذا يُجبَر المواطن على اللجوء إلى دفع الرشوة للإسراع بإنجاز معاملته والتخلص من تلك الإجراءات .
إن مصارف الرافدين والرشيد التابعين لوزارة المالية من دوائر الدولة التي يكثر فيها الفساد بشكل مرعب ولافت للنظر ، والفساد فيها متنوع ولا يقتصر على جانب واحد ، فالرشوة قائمة على قدم وساق ابتداءً من عملية دخول المواطن للمصرف وانتهاءً باستلامه الراتب ، فعملية دخول المواطن للمصرف يتحكم فيها أشخاص كثير منهم بعيد عن الرحمة والإنسانية ولا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً ، فيلجأ بعض المسنين من المتقاعدين إلى النزول عند رغبة هؤلاء المرتشين فيعطونهم ما يمكنهم من الوصول إلى داخل المصرف لقبض حفنة من الدنانير لا تساوي ذرة في فضاء رواتب المسؤولين الكبار ، وكذلك موظفات وموظفو هذه المصارف لا يقلون قسوة وجشعاً منهم ، فالمتقاعد مثلاً إذا كان كبيراً في السن ولا يستطيع المجيء لقبض الراتب التقاعدي فعلى ذويه إما أن يحملوه ولو على أقتاب الإبل !! ويوصلوه إلى المصرف ؛ كي يراه الموظف المخول بصرف الراتب ، وإذا كان هناك من يرحم ، فيكتفي برؤية هذا المتقاعد مرة واحدة في رأس كل سنة ؛ ليتحقق من أنه حي ، فيصرف الراتب التقاعدي لمن يوكله ذلك المتقاعد لتسلمه ، بيد أن هناك من يضع إجراءات وحواجزتشبه الحواجز الكونكريتة ، ويسد الأبواب كافة في وجه هؤلاء المساكين ، ولا يفتحها إلا بعد أن يحرك يده لـ( التوريق ) هذا مثال واحد يكشف إحدى الأسباب التي تؤدي إلى الرشوة في المصارف ، أما التلاعب بـ( بودرات الرواتب ) واختلاس رواتب المتقاعدين الذين لا يتمكَّنون من الوصول إلى المصرف في يوم الاستلام فحدث ولا حرج ، فكم من المتقاعدين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المصرف لقبض رواتبهم في الموعد المحدد ، فتمضي أيام وهم لم يستلموا الراتب وهذا ما يمكِّن الموظفين من اختلاس هذه الرواتب ، والقيام بالتوقيع بدل المتقاعدين ، وعندما يأتي المتقاعد لقبض راتبه يُفاجأ بأنه قد تسلّمه ، وأن توقيعه موجود في البودرة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنهم يقومون باقتطاع جزء من رواتب المتقاعدين ووضعها في جيوبهم العفنة ؛ بسبب عدم معرفة الكثير من المتقاعدين القراءة والكتابة ، وعدم قدرتهم على حساب المبالغ التي يتقاضونها ، فكم مرة رأيت بأم عيني أُناساً كباراً في السن ، وهم يفاجئونني بسؤالهم إياي احتساب راتبهم أو التأكد من مطابقته لما هو موجود في "البودرة " والمسكين هو من لم يستطع السؤال أو من لم يجلب معه من يقرأ ويكتب ؛ لأن صفات الأمانة والنزاهة والصدق قد قلَّ المتصفون بها ، وحلَّت محلها أخلاق ( الشطارة والاحتيال والنصب ).
أما إذا مات المتقاعد ولم يبلغ ذووه الجهات المختصة كدائرة التقاعد العامة ، فإن بعض الموظفين يقوم بتسلم الراتب نيابة عن " المرحوم " ؛ لأن اسمه لم يُشطَب من قائمة الرواتب ، فلم يكتفِ مثل هؤلاء بأكلهم أموال الأحياء حتى سطوا على أموال الأموات وهم في عالم البرزخ !!
وفي الفترة الأخيرة قامت الحكومة بإعطاء سلفاً للمتقاعدين وغيرهم ، لكن موظفي المصارف يأبون إلا أن يستغلوا هذه الفرصة ، إما بالتعتيم على هذه السلف وحصرها في البداية بمعارفهم ، وأما إذا شاع خبرها وانتشر بين الناس فإنهم يسعون بكل ما أُتوا من قوة لاستغلال المواطن ، فالسلفة التي يتقاضاها المتقاعدون مقدارها مليونا دينار ، لذا يقومون بوضع عراقيل كثيرة ؛ لكي يسأم المواطن ويدفع الرشوة " وهوة الممنون" وقد وصل سعر السلفة "ربع مليون" أي ان من يريد أن يحصل على سلفة المليونين ، فعليه أن يدفع ثمن السلفة تقريباً .
وهناك جرائم الفساد الكبرى التي تهدد اقتصاد البلد لا أقدر تشخيصها بشكل دقيق ، وأتركها لأصحاب التخصص والخبراء في هذا المجال كالاقتصاديين والمشتغلين في ميدان مكافحة الفساد والهيئات الرقابية كديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكتب المفتش العام في كلٍّ من وزارة المالية والبنك المركزي العراقي ؛ لأن جرائم غسل الأموال وتبييضها وعمليات تهريب العملات تتسم بالتعقيد والدقة ، وتدخل في دائرة الجريمة الاقتصادية المنظمة، والجهات المذكورة آنفاً هي أقدر على تشخيصها وتوضيح حيثياتها وسبل مكافحتها وتبيان مخاطرها المدمرة .
ونحن نناشد هيئة النزاهة أن تكثف عمليات الاستبيان في المصارف الحكومية ؛ لأن أثر هذه الاستبيانات قد بدا واضحاً لكل من يراجع دائرة الأحوال المدنية والجنسية ودائرة الجوازات ودائرة الضريبة ، فقد كانت هذه الدوائر مرتعاً للفاسدين تدر عليهم الأموال الطائلة ، لكن عندما قامت هيئة النزاهة بتكثيف عليات الاستبيان فيها فقد تقلصت عمليات الرشوة بشكل لافت لكل من يراجع هذه الدواائر .
هذه بعض ظواهر الفساد المتفشية في المصارف ، نضعها بين أيدي المسؤولين ليجدوا السبل الكفيلة لمواجهتها وليخففوا عن كاهل المواطن بعض الأعباء والمشاكل التي تعترضه، فالمواطن يستحق من المسؤولين أن ينظروا إليه بعين الرحمة والشفقة ، ويوفروا له كل ما يحتاجه من خدمات ووسائل راحة أسوة بمواطني بقية الدول ، وهذا هو واجبهم ، فهو انتخبهم ليس ليصبحوا ملوكاً وأباطرة ، وإنما ليكونوا وسائل لقضاء حاجاته وليخدموه على أكمل وجه ، فإلى متى يبقى يكابد صعوبات العيش وعراقيل الدوائرالرسمية والمفخخات والعبوات الناسفة ، أما آن أوان الراحة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي