الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع ابي الطيب المتنبي

هيثم جبار عباس
شاعر ، كاتب، صحفي

(Haitham Jabbar Abbas)

2010 / 1 / 10
الادب والفن



لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى تـُـعلق في جبينه وردة

حوار مع ابي الطيب المتنبي


هيثم جبار عباس

جاء صارخا مزمجرا , وغضب غضبا شديدا , وحذر انذر وصرخ باعلى صوته وقال : من انت وكيف يحق لك ان تتجاوز علي بهذا الشكل أي جبين هذا واي وردة هذي , ومن قال لك ان تغير او تحرف بيتا من اعظم ابيات شعري ؟ والله قد افسدت البيت برمته وانك قد هدمت ما بنيته انا !
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم
قبحك الله وقبح وردتك الذابلة وجبينك البائس .

فقلت له :
اني اعرفك جيدا لسانك ابشط من سيفك , ولكن هون عليك يا ابا الطيب , واسمح لي فقط ان اتكلم معك ولو لمدة خمس دقائق .

فقال : قل ما عندك (قالها بغضب )

قلت له : صبرا يا ابا الطيب والله انك لاعظم شاعر , ولكن يا صاحبي انني قرات دواوين العرب كلها من الاقدمين والمحدثين بل حتى دواوين الغرب والشرق , والهند والسند , فلم اجد اقبح واسخف من هذا البيت ؟ قل لي يا ابا الطيب كيف يسلم الشرف الرفيع من الاذى باراقة الدم على جوانبه ,ان اراقة الدم على الجوانب تعني القتل والموت والعدم , وليس السلم والحياة والوجود ؟ هل يسلم المرء بحياته ام يسلم بموته وكيف يسل........فقاطعني
وقال لي : من انت حتى تكلمني بهذه اللهجة ؟

فقلت له : بالله عليك كفاك غرورا واجب عن سؤالي .

فابتسم وقال : حسنا ايها الولد المشاكس , انا لم اقل لم يسلم المرء او الشخص العادي , بل انما قلت لا يسلم الشرف الرفيع , أي الشخصية الخارقة الرفيعة , ودعني اوجه لك سؤال ينطبق على هذا البيت العظيم لو كان الامام الحسين بن علي بايع يزيد ولم يقتل , ولم يجر على جوانبه الدم , فهل ينال من الشرف الرفيع ما هو نائل منه اليوم؟

فقلت له :

اولا ان الحسين (ع) قتل لاجل قضية انسانية عامة واسلامية خاصة , ثانيا ان الحسن اخو الحسين هو اشرف وارفع مرتبة من الحسين باجماع الفقهاء , والحسن صالح وسالم ولم يقاتل , بل جدهم الذي هو بلا ريب اشرف منهما وارفع مرتبة , لم يقتل ولم يسيل على جوانبه الدم , أي ان الشرف الرفيع غير مقرون بإسالة الدم , ثالثا نحن في صدد قضية ادبية شعرية بحتة وليس في نقاش عقائدي او جدل ديني , وكما اعرف جيدا انت رجل لا علاقة لك بالدين , ويا حبذا لو ارفتني بجواب نقدي ادبي ,كيف يسلم الشرف الرفيع بالقتل واراقة الدم ؟

نظر الرجل الي نظرة شزرا مليئة بالحقد والبغض
وقال لي : وهل ان مثلك ينقد مثلي ؟

قلت له : يا سيدي انا لا انقدك شخصيا وما زلت اقول انك اعظم شاعر .....فقاطعني صارخا وقال : اذن ماذا تريد مني ؟

قلت له : اريد ان اقص عليك قصة قصيرة فهل انت مستعد للاصغاء ومن ثم اغرب عن وجهك ؟

قال : تكلم

قلت : انني اعرف طفلين صغيرين اخوين , الاول دخل مدرسة ابي تمام والمتنبي والجواهري ومدرسة السيف والدم والخيل والليل واخذ يردد
السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
الخيل والليل والبيداء تعرفي والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ويردد قول عبد الحسين زلزلة
هذي دماك على فمي تتكلم ماذا يقول الشعر ان نطق الدم
اما الثاني دخل مدرسة رامبو وبودلير واودنيس والماغوط واخذ يردد قول
مانائيل سكورسكا ويقول
ما دام هنالك انسان يتألم
فان الرودة لا يمكن ان تكون رائعة
ما دام هنالك انسان جائع
فان حقل الحنطة لا يغفو تحت ضوء القمر
ما دام البائسون يبتلون تحت المطر
فان قلبي لن يبتسم
ايضا قاطعني ابو الطيب بضحكته واردفها بابتسامة وهزة رأس ويد اليمنى , ولكن ابتسامته هذه المرة جاءت بخبث
وقال لي : كفى كفى فهمت فهمت قصدك وقصيدتك, لم لا تقول لي من البداية انك شاعر نثري ؟

فكذبت عليه بابتسامة خبث ايضا وقلت له : لا شاعر ولا ناقد ,لا نثري ولا عمودي , بل انا قطرة في بحر ولكن يا سيدي اشعاركم هذه قد ارضعت اطفالنا جيلا بعد جيل حليب العنجهية , ولبن النعرة الجاهلية , ونحن ليس بحاجة الى تاجيج هذه الحميات والعروبيات , وبسبب اشعاركم حتى الحروب سئمت منا , وضاق صدرها بنا , والمشكلة اجيالنا في هذا العصر لا ترضى ان تترك اشعاركم بل يقتدوا بها وينسجوا على منوالها , حتى عندما كنا صغارا في مدارس الابتدائية لا نردد غير هذه الانشودة القبيحة ((انا جندي عربي بندقيتي في يدي )) , صدقني يا ابا الطيب انك شاعر عظيم ولكن زمانك ولى وانتهى واليوم نحن بحاجة الى مكتبة كبيرة وليس الى مشجب للاسلحة .
فلم ينطق ابو الطيب ببنت شفة وكأنه غير راض علي , قبلت رأسه واعتذرت منه وانحنيت له اكراما وتقديرا ورجعت الى الخلف وقلت له : استودعك الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل