الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 24 سمك الحب في بحر الحرية

حامد مرساوي

2010 / 1 / 10
الادب والفن



لا يوجد رجل سوي لم يدع نفسه عند قلب امرأة تتكفل بها. أنا أعتذر للأصدقاء والصديقات المثليين وأستثنيهم من هذا الحكم المجحف.
وعندما تتكفل امرأة بنفس رجل قلبها، فالتوازنات الأخرى تأتي من ذاتها. شرط أن يتوفر الرجل أصلاً على بنية داخلية نفسية متوازنة. فالاستيلاب مؤذٍ في جميع الأحوال. لكن التوازن المتحدث عنه هنا ذاك المتكامل، بين العنصر الداخلي والعنصر الخارجي.
كتب ولهلم ليبكنخت عن ماركس "كان ينبغي للمرء أن يرى ماركس وسط أطفاله لكي يكوّن فكرة تامة عن الإخلاص وصفاء النية وسلامة الطوية الطفولية لدى بطل العلم هذا". وكتب يقول "كانت السيدة ماركس المرأة الأولى التي عرفتُ أنا بفضلها قوة التأثير النسائي في رفع قدر الإنسان" وهنا نتذكر قول غوته في "توركفاتو تاسو" الفصل الرابع: "إذا أردت أن تعرف كيف تسلك فاسأل امرأة نبيلة عن ذلك" (خليل اندراوس/ الحوار المتمدن/ ماركس المغربي)
الحرية بحر ينمو في مياهها سمك الحب. لكن البحر بحران: بحر جواني داخلي، ينبعث مع أنفاس الروح. كلما عاشت كريمة عزيزة، كلما اتسعت مساحة الحرية الداخلية. فهي متحررة من قيود الحرج الخارجي. وهي صدفة سميكة تنبث وسطها لحمة المودة والحنان والعطف على الناس، ولها مغناطيس التلقائية والانجداب الحار نحو من يستحق الدعم والسند. هذا الانجذاب تمرين يومي على الارتباط وتحوله من العفوي إلى العضوي. وبذلك تتحول الحرية الداخلية من عزة نفس مكتفية بذاتها إلى سمك غير مستغن ٍ عن مياه المحيط الاجتماعي. والمياه في المحيط الاجتماعي هي تلك التيارات الدافئة من النظرة والابتسامة واليد التي تمتد للسلام والشيق الذي ينسل فجأة بلا تصنع خوفا وطمعا في إنقاذ الغير الهالك أو من هو في حكم ذلك.
هكذا نجد بنية الديالكتيك في ما بين الحرية والحب. من فصل ووصل متكاملين. الحر حر في المبتدأ والمصير. وهو بذلك منفصل عن محيطه بفضل عزة نفسه وتعففه واكتفائه بذاته. ورغم ذلك، بل بسبب الضيق الذي يعايشه في معيشته، فهو أبدا شاعر بما يصيب الناس من الضيق نفسه. كرامة أو مهانة أو هما معا. لذلك يصبح الحر مرتبط المشاعر بمصير الآخرين ارتباطا وجدانيا. وبعد التمرن على التضامن، تمتد مشاعره لتفتل في خضم الحياة كالحبال التي بدونها لا يستقر استقرار للأشرعة الاجتماعية في بحر الحياة المتلاطم الأمواج. ويصبح الحر بالتالي مرتبطا بالمحيط الاجتماعي ارتباطا وجوديا حيويا.

والحر في سياق العيش المشترك، يتحول إلى عنصر كيميائي مؤسس لحيوات متجددة أخرى. قد تكون مجرد أغصان ضمن شجرة أصلية. وقد تنمو في شكل جديد لم يعهده الناس، منبئا عن قيمة أصلية متحولة، جديدة لكنها أصيلة.
ليس الحب غير نواة تلك الحياة الجديدة المنبثقة من مياه الحرية. وليراجع كل فرد نفسه. ثم ليفصل النزوات المؤقتة (ولو قلت) عن حالات الحب الأصيلة في حياته (ولو تكررت)، فلسوف ينقلب فرحا مرحا، بفضل الارتباط العضوي بين نفسه الكريمة المحبة حتى الموت، وبين العطاء الذي امتد منه نحو الناس. فالعطاء بلا حب مجرد شغل متعب يقتحم به المملول دروب الحياة للتقليل من ثقل الرتابة وللتخفيف من خنق الكآبة. كأن الجسد من خلاله، بلا روح، كسيح.
أما العطاء بأمر الحب (على صيغة عبد الحليم حافظ)، فالشغل فيه صهر للجسد والروح في بوثقة الحياة وكأنه ينتجها وليدة نقية صافية الذهن حاضرة البديهة بعمر الشباب وبنفسية البراءة وبانطلاق الأمل في أفق المستقبل الفسيح.
لم تفعل سعاد في هذا النص المكتوب أقل مما فعله الحب كل مرة في انبعاث الروح في وعاء ملموس ما. فجسد الروح المتجددة بفضل انبعاثها من قمقم الزمن، هو هذا النص الذي يتسع للسراء وللضراء بديالكتيك الزهد في الأولى والمقاومة في الثانية. والزهد في السراء والمقاومة في الضراء عما عين البصيرة التي تملأ النفس كلما ابتعد الاستيلاب عن الكينونة. "الله يعمر قلبنا بالله". صيغة مغربية بليغة للامتلاء من الداخل ولتوفير الطاقة المتجددة للمناعة لمواجهة الاستيلاب.
وكما الحرية متوازنة، بين الذات والآخر. فلا حب حب إذا لم يرضع من صدر أمه الحرية حليب التوازن. التوازن بين الأنا والآخر. هل ينج سمك الحب في مقاومة شرنقة التملك السلبي؟؟ تلك قصة أخرى.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي