الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-g8-ال

سلامة كيلة

2004 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ال " "G8
و مشروع إصلاح " الشرق الأوسط الكبير"

سلامة كيلة
فرضت الدولة الأميركية إيقاعها على العالم، و منه على المنطقة العربية، عبر إحتلال العراق، و التحضير الجدّي ل " التوسّع" بدءاً ب " قانون محاسبة سوريا"، ثم التحضير لإقرار " قانون تحرير سوريا". كما أعلنت عن " مشروعها" ل " إصلاح و دمقرطة" ما باتت تطلق عليه " الشرق الأوسط الكبير". و من ثمّ تقدمت به لكي يكون أساس رؤية رأسمالية تقرّها مجموعة الثماني الأغنى في العالم "G8".
لقد بدا بعد أحداث 11 أيلول أن الدولة الأميركية تفرض سياساتها دون حاجة إلى الرأسماليات الأخرى، لكنها عادت في قمة مجموعة الثماني (G8) تطلب موافقة تلك الرأسماليات، التي سارعت إلى إبراز توافقها مع الرأسمالية الأميركية. و إذا كانت الدولة الأميركية تعمل على أن يتحقق التوافق في إطار مجموعة الثماني، التي تعتبر الإطار السياسي المحدّد للسياسات الرأسمالية على الصعيد العالمي، رغم أنها تفرض الحقائق في الواقع أولاً، فإن المسألة المثيرة هنا هي أن تلك الرأسماليات وافقت، مع تحويرات محدودة و تحفظات أقل، على التصوّر الأميركي المتعلق بالشرق الأوسط الكبير. الأمر الذي أوضح أن الإختلاف الذي بات ينشأ بين الحين و الآخر، و كلما تقدمت الدولة الأميركية بخطوة " توسّعية"، يمكن أن يطوى بهدوء ( و ربما مع بعض التذمّر) إنطلاقاً من الرؤية الأميركية و على أساسها.
ما يهمنا هنا هو أن " إصلاح و دمقرطة الشرق الأوسط الكبير" أصبحا مشروعاً إمبريالياً بإمتياز. و سنلحظ بأن الدولة الأميركية إستطاعت أن تفرض مشروعها، و إن مع بعض " التنازلات" و التعديلات، مثل تخفيف الميل لإظهار " الدور الفارض" الذي كان يسم الحطاب الأميركي، لكن دون التخلّي عنه، حيث أن مشروع أل "G8" يقرّر حتمية " الإصلاح و الدمقرطة"، و يؤكد على أن المجموعة معنية تماماً بتحقيقها، لأن وضع " بلدان الشرق الأوسط الواسع" يشكّل تحدياً لدول تلك المجموعة. لكن الأهم هنا هو أن هذا المشروع الأميركي إستطاع أن يلغي مشاريع الرأسماليات الأخرى عن طريق إعتبار هذا المشروع الجديد هو الموحِّد لها ( هو الجامع لها)، و أن تلك المشاريع القائمة على أساس التعاون الثنائي أصبحت موحََّدة في مشروع يحظى بالتزام موحَّد من قِِبل المجموعة. و ترد هنا مشاريع " الشراكة الأوروبية المتوسطية" و " المبادرة الأميركية للشراكة مع الشرق الأوسط" و " الحوار العربي الياباني".
إننا إذن إزاء هيمنة أميركية على مجمل المشاريع الخاصة التي تقدّمها الرأسماليتين الأوروبية و اليابانية، و بالتالي التحكُّم في مساراتها، أو حتى تهميشها، تأسيساً على مصلحة الرأسمالية الأميركية تحديداً. و هذا يناقض الأساس الذي قامت على أساسه تلك المشاريع، و الهادف إلى منافسة المشروع الهيمني الأميركي، عبر تأسيس إرتباطات إقتصادية و سياسية مع " الشرق الأوسط" تعزِّز من نشاط تلك الرأسماليات على حساب الرأسمالية الأميركية، أو كمكافئ لها على الأقل. لكنها الآن تتوافق على مشروع مشترك خاضع لأولوية المصالح الأميركية، و محقّق لها، لأنه يُفرض عن طريق العنف الأميركي، و عبر الإحتلال و السيطرة و التحكّم.
هذا الوضع ربما يشير إلى التكوين الرأسمالي الراهن، و يوضّح طبيعة الرأسمالية و طبيعة بنيتها و التشابك الذي بات جوهرياً فيها، حيث الوحدة مع التناقض، و حيث أن حلّ التناقض يقوم على أرضية المصالح ( و بالتالي الرؤية) الأميركية، رغم أن مصالح الرأسمالية الأميركية تهدّد بإبتلاع مصالح الرأسماليات الأخرى، لأن تجاوز الرأسمالية الأميركية لأزمتها العميقة – المتمثلة بالركود و من ثمّ الإفلاس- يفترض أن يحلّ التناقض لمصلحتها، و أن يقوم على أساس ذلك.
و لاشك في أن تحوُّل الرؤية الأميركية رؤية لكل الدول الرأسمالية – الدول الإمبريالية- يعني تعزيز " التوسّعية" الأميركية، و التحضير لخطوة جديدة تستهدف " إصلاح" دولة أخرى بعد العراق، لأن الدولة الأميركية قد جنت ثمار الخطوة الأولى التي هي إحتلال العراق، و باتت سياساتها " الإصلاحية" مدعومة من قبل الرأسماليات الأخرى ، بغضّ النظر عن الإعتراضات التي يمكن أن تبديها تجاه أية خطوة أميركية جديدة.
إذن، سيبدو تحويل الرؤية الأميركية إلى رؤية رأسمالية عامة، و تقديم الغطاء لحرب أميركية جديدة، هما جوهر مشروع قمة مجموعة الثماني " G8". و لن يكون مفيداً النظر إلى الدعوة إلى " الإصلاح و الدمقرطة" كأهداف حقيقية، لأنهما ليس في وارد الرأسمالية و لا تحققان مصالحها، و التحديد هنا يتناول الرأسماليات الأوروبية/اليابانية كما يتناول الرأسمالية الأميركية. و إذا كانت الدولة الأميركية قد فرضت مشروعها على وقع حروبها و إحتلالها العراق، و كيَّفت الرأسماليات الأخرى مع هذه الحقيقة الجديدة، فإنها تهدف الإفادة من هذا و ذاك لكي تفرض أجندتها على " الشرق الأوسط الكبير- أو الأوسع، أو الأعظم-". إن محتوى مشروع الشرق الأوسط الكبير يتمثّل في فرض إقتصاد السوق و كفّ يد الدولة عن الإقتصاد، لكن بإصدارها القوانين التي تعزّز من نشاط الرأسمال العالمي ( أي الإمبريالي) و من نشاط الشركات الإحتكارية متعدية القومية. و بالتالي تكبير سلطة ذلك الرأسمال و تلك الشركات، و تحويله إلى دور مهيمن و محمي قانونياً. و بهذا يتراجع دور الدولة " الوطنية" و يتحول إلى دور الشرطي المنفّذ لسياسات الرأسمال الإحتكاري الإمبريالي.
إن إضعاف دور الدولة " الوطنية" و تحويلها إلى " أداة قمع" لمصلحة قوة خارجية هي الرأسمال الإحتكاري، هو ما يسمّى " الإصلاح و الدمقرطة"، لأن الهدف الجوهري هنا هو تسييد الحرية الإقتصادية بالتحديد. بمعنى أن " الإصلاح و الدمقرطة" يعنيان تهزيل دور الدولة و ليس دمقرطتها و تقويتها كدولة حق و قانون و مؤسسات. و تعزيز دورها اللاديمقراطي كونها ستدافع عن النهب الذي سيفرضه تحكُّم الشركات الإحتكارية الإمبريالية. و خضوعها لإملاءات الدولة الإمبريالية المهيمنة، أي الدولة الأميركية. وبالتالي فإن الدعوة إلى الإصلاح و الدمقرطة هنا هي غطاء لتحقيق تغيير جدّي في الأنظمة القائمة لا يحقق مصلحة الشعوب بل يعزز من نهب الشركات الإمبريالية، لأنه ينطلق من فرض أجندة الليبرالية الجديدة المولعة بالحرية الإقتصادية و بتهميش دور الدولة الإقتصادي، رغم أنها تحقق أجندتها عن طريق الدولة بالتحديد، و هنا الدولة الإمبريالية، و بالقوة الغاشمة. و لاشك في أن تبرير ذلك يفترض التأكيد على تخلف الشرق الأوسط الكبير و أخطار هذا التخلف على " الحضارة الرأسمالية" نتيجة كونه يغذّي الإرهاب الذي بات الخطر المحدق ب" المدنية الحديثة"، و يؤسس لنشوء أنظمة دكتاتورية تسحق شعوبها و تغذّي النزعات العدوانية. الأمر الذي يفرض تدخل " رسل المدنية الحديثة" من أجل إنقاذ البشرية و " القيم النبيلة"، من أجل فرض ما يؤسس لتطوّر المنطقة الذي يقوم أساساً على سيادة الإقتصاد الحرّ و المبادرات الفردية، و التملك الخاص.
المسألة هنا ليست مصلحة الشعوب بل مصلحة الإحتكارات، هذه المصلحة المناقضة لمصلحة الشعوب و القائمة على نهبها و إفقارها و تهميشها، و أيضاً تدميرها. حيث لن يقود إعتناق الليبرالية الجديدة سوى إلى النهب الإفقار و التهميش، الأمر الذي يستلزم " أنظمة قوية" تلجم " فوضوية الرعاع"، هؤلاء الذين يدافعون عن وجودهم. النهب يفرض التمرّد و التمرّد يفرض لكي يستمرّ النهب، نشوء أنظمة إستبدادية. و لما كان النهب هو الأولوية عند الرأسمال الإمبريالي، فإن " كبح الرعاع" يستلزم الإستبداد، مما يجعل الدعوة للإصلاح و الدمقرطة خارج الصورة، و ليست من " الأولويات" و " تحتاج إلى " تحضير" المجتمعات عن طريق " الدولة القوية" ( كما في دكتاتوريات أميركا اللاتينية و إندونيسيا ).
إن أولوية إقتصاد السوق ( و بالتالي النهب) تجعل كل الإشارات إلى الديمقراطية و الإصلاح، لا معنى لها سوى التمويه ( و بالتالي التضليل)، لأنها تتعارض مع الأولوية الجوهرية للرأسمال. ولهذا يجب أن ننطلق من أن النهب هو الهدف الإمبريالي و ليس الدمقرطة، و أن الدمقرطة التي تدعو إليها الرأسماليات الإمبريالية ليست سوى الغطاء ( الحلو) لسياسات إمبريالية تقوم على النهب و الإستغلال و الإضطهاد و العنف، و هو غطاء لفظي لأنة غير مطروح للتحقيق نتيجة تناقضه مع المصالح الإمبريالية بالذات. حيث أن النهب لا يتحقق سوى عبر العنف، و أزمات الإمبريالية تفرض عليها ممارسة العنف السافر، المتمثل الآن - كما كان دائما- في الحروب و نشر الفوضى و الإستبداد. و كما في كل مرّة، تستخدم الدعاية الإمبريالية النغمة ذاتها، تلك التي تتعلق بتمدين الشعوب و دمقرطتها و إصلاحها، و ينكشف تالياً أن الهدف هو النهب و الإفقار و تكريس التخلّف و إعادة إنتاج البنى التقليدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء