الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير وإشكال الهوية

خالد ديمال

2010 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تبدو الهوية في الإستعمال السوسيولوجي بمثابة تحقق للوجود، لأنها عبارة عن عملية ماهوية للكل الإجتماعي الظاهر، في البيئة، والثقافة، بمعنى المجالين الطبيعي والبشري، وفي شكلها الباطن، كدليل عقلي (نوع الثقافة السائدة)، وروحي (كمخيال جمعي)، ناشئ عن اللحمة كعنصر لصهر الوجود الإجتماعي بحد ذاته، من خلال تفاعل المكونات الثقافية، في اختلافها، مما يعطيها طابعا خصوصيا محضا.

لكن هل الهوية معطى ثابت أم متغير؟ !

إن أهم التمثلات النقدية لا تستقيم من دون دراسات سوسيولوجية، وأخرى أنثروبولوجية، في حقل التمايز الرمزي، بين الثابت والمتغير في شكله المتراوح بين التدخل التقليدي (الروحي)، ومخالفه الحداثي (العقلاني)، ثم في شكله المفارق، الذي يدعو إلى حتمية الفكاك من وسائط الحركة الإجتماعية، والسياسية، بمفهومها الساكن، كمصدر وحيد للشرعية. فالتوازن المؤسس للنموذج الأكثر تطورا يحمل أهمية خاصة بالنظر إلى التعدد الثقافي ذي الطبيعة المتراكبة، ولكن أهميته تتشكل بالنظر إلى قابليته للتحول كثقافة عالمة، لا عامية (شعبوية).
من هنا، فالوظيفة التحولية كإشكالية، خاصة عندما تكون مشدودة لنمط تطوري/ نسبي، يعني أن التغيير أمر حتمي. لأن الثقافة التي تمتح من العقل، والعلم، وبمقاييس تحديثية، وبالضبط في العلاقة بين السلطة والمعرفة، تفترض خلق مساحات لمقاومة التقليد، كمرجع وحيد، ديني في غالب الأحيان، يلعب الدور المركزي في الهيمنة الرمزية كمصدر للشرعية.
إذن، اعتبار الهوية كمقوم متغير، وإضاءة معاصرة متلاقحة، يفيد أن مفاهيما جديدة قد تتحول من داخل الثابت فيها كمصدر قناعة، كمفهوم الكونية مثلا، وهو مؤشر يوحي بوجود ترافد ذهني يحاصر السائد، ويرفض الثابت فيه كإرث مفروض.
لذلك، فالثوابت في الهوية فخاخ لابد من الفكاك منها. لكن، هل التمزق الذي نشهده، هو نتيجة الثابت في الهوية، أم في الإبتعاد عنها؟ !...
إن نمط التنظيم السياسي، وآليات الضبط الإجتماعي، ضمن البنيات التقليدية، يقوم على احتكار السلطة، وبتأسيس سياسي /ديني فقط، يتمثل حقيقة منسوجة بخيوط اجتماعية تلعب فيها الدولة الطرف الأكثر قوة بدرجة مشرع وحيد، في مقابل عزل المثقف، برمزية وحيدة موازية، متحكمة في اللاوعي الجمعي، تتقوى في التناقض، وبه تنهض.

الهوية بين الثابت ومنطق التجديد

إن المسألة الموضوعية لمضمون التراث تبدأ بتأسيس اجتهاد عقلي/ نقدي للثقافة في سياق الإحتكاك المتواتر، وإبراز بنيات الدلالة المفارقة في عملية البناء المعرفي، بين التقليد (كمطلق)، والحداثة (كنظر نسبي)، بخاصة في تفكيك الأنظمة الرمزية، رغم وجودها في حقل شديد الحساسية.
فالإيقاع اللافت للنظر، كحركة تحولية، يبعث على التفكير الجاد في مشروع الإنطلاق باعتباره مرتكزا منسوجا بمظاهر جديدة، ولأنه مشروع مجتمعي عام، استراتيجي/ عقلاني، وببعد سياسي، فإنه لا يتحقق إلا بممارسة فعلية للنهضة، فلا تنوير، ولا نهضة دون ممارسة ضمن سيرورة تجديد القيم والمبادئ. فبهذه الكيفية يسهل نقلها إلى حيز الممارسة، وإلا بقيت قيما ميتة.
إذن، تحقيق درجة كافية من العقلنة يقتضي ترسيخا قويا لدور الثقافة، كاستتباع مؤسسي، يروم التطوير بأسس حداثية، برؤية عينية للتاريخ، في الجانب المتعلق بالتراكم كإنجاز يستحصل لنفسه عمليات للبناء بتلازم وحركية المثقف كفاعل دينامي في النظام الإجتماعي، خاصة في احتكاكه بعناصر التحول ذات السياق العالمي. فليس من المنصف أن نقول بأن هذه التحولات قد فرضت علينا فرضا، بل كانت استجابة لحاجة ماسة للإصلاح والتغيير حتى لا تندثر الدولة من جميع النواحي. فقد حصلت لدينا جملة من التطورات، وإذا نظرنا إليها كديناميات موضوعية، نجد أن تمثلنا لها(كأمور مستوردة)، كالقانون مثلا، وما يتفرع عنه من قوانين مدنية، كان نتاج الحاجة الملحة، لدرجة أصبحت معها جزءا من تراثنا الحي/ المعاصر.
من هنا تتحدد الهوية الحداثية، باعتبارها هوية جماعية، وهي يمكن أن تتجسد تمثلا داخلا في التراث، في الجانب المتعلق بتطويره عبر تطويعه، بتحديد سوسيولوجي، من حيث تتشكل فيه جماعة وطنية من ثقافة واحدة، وأيضا في النظرة للكون، وهو ما يفيد أهمية النظرية في علاقتها بالممارسة، كحصيلة للدينامية الإجتماعية، والتي تعني في مجملها جملة التحولات الموضوعية الظاهرة، وهي نسق مترابط متعدد الملامح، يستنبط تتسلسل الديناميات، كالدينامية الثقافية، والدينامية السياسية، والدينامية الإجتماعية، وغيرها...وهي ديناميات غير طوعية، لأن التغيير ليس هندسة اجتماعية، ولكنه ناظم مركزي للتحول.

التغيير استشراف مستقبلي، وإجابة عن السؤال القديم/ الجديد: "لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ ! "

التغيير إذن ليس تحصيل حاصل، بل فعلا ديناميا داخلا في التعاطي المفهومي مع صيغ التجديد، في شمولها، لذلك، فمشروع تجديد الهوية يدخل الإحتكارات الموجودة تحت المجهر، من خلال كسر طوق الجمود، وإعطاء الأولوية لآليات الإنطلاق- الإجتهادية- المتمثلة في النهوض، كاستشراف مستقبلي، محتاج إلى قدرات كافية لاستيعاب تراكماته المنظمة للمجتمع في سياقاته الحديثة، وهو ربما الجواب الجدي عن السؤال القديم/ الجديد،" لماذا تأخرنا، وتقدم غيرنا؟ ! ".. ولكن هذه الإجابة الإفتراضية تبقى ناقصة إذا ما تجاهلت أسسها المعرفية، من خلال الوقوف على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تاريخية الإنحسار والتقوقع، وسكونية التراث، وبمحاولات جدية لقراءة الفجوة الكبرى التي عرفتها النظرية، في عجزها كمخطط على التحول الجدلي في مستوى التطبيق.
هو وحده منطق الكفاءة الواجب تبنيه كاتجاه حافز على البحث عن شروط الإنطلاق، وهذا لن يتحقق إلا بالقيام بمغامرة إيجابية تنقلنا من حالة التوقف، إلى حالة الحركة، بما يساير روح العصر.
وإذا كان الغرب قد سبقنا في هذا، فالملح الآن، أن نأخذ عنه الكثير، من علوم وصناعات، وأساليب أخرى، كتلك المتعلقة بإدارة المجتمع في شكلها الموسع، لأن فكرة التمثيل ليست مقتصرة على القنوات الإشتراعية المؤسسية-كالتمثيل النيابي مثلا-، بل قد نجدها في قنوات وسائطية أخرى، كالجمعية، والحزب، والمقاولة، إلخ.. فنحن محتاجين، أكثر من أي وقت مضى إلى نقل معارف الغرب في هذا المجال، نستوعبه، ولا نتأثر به، وعدم التأثر هو الذي يفيد الثابت في الهوية، نتفادى فيه تحويل الذات إلى ساحة للمعارك.
إن التنمية الحقيقية، كمشروع حداثي/ بديل، لن تتحقق إلا بهذه المبادرة، فهي الكفيلة بإيجاد موقع قدم في نسق التطور، من خلال البحث عن الجدارة والتمكن، فهما خير من اعتراف الغرب بنا، وبتصوراتنا الثقافية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا