الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتراحات - قصيدة

هدى حسين

2004 / 6 / 26
الادب والفن


اقتراحات
أقترح
أن نترك العالم
بمحض إرادتنا
أن نتخفف قليلا من أحمال الجسد
لم يعد قص الأظافر يكفي قرباناً
للآلهة..
نحن مساكين.
كيف واتتنا الجرأة أن نكون مساكين هكذا
نتوسل يا أيتها الآلهة الجميلة
خذي أظافرنا
واتركينا نرعى كالقطط المنزلية..
خذي شعورنا التي نبتت فينا
نبتت
من لحمنا
خذيها
خذي أسناننا عظامنا
لا تتركي شيئاً فينا
ودعينا
أحياء..

في الصباح سأقرأ فنجان القهوة
وأتفرج على خطوط يدي
وأخرج لدار العبادة
أي دار عبادة
حيث آلهة مسكينة تحتاج لمن يحتاجها
أذهب بلا مصلحة وكأنني أمر على بائع الجرائد صدفة فأقرؤه السلام
ما من أحد يذهب هذه الأيام للتعبد بلا سبب مغرض
أيتها الآلهة التي تأخذ أظافرنا
شعرنا
أسناننا وعظامنا
ألا تدركين ذلك حتى الآن؟

أقترح أن نعبد إلها لا يصلح لشيء بالمرة
إله لا يلتفت للدعوات
لا يقبل العطايا
إله يقترح علينا أن نموت سريعا
أن نحمل معنا للموت مخالبنا
هيكلنا العظمي
كبرياءنا الأجوف الذي يشبه جماجمنا
إله لا يقترح على الدود أن يعبث فينا هكذا
ونحن لا حول لنا ولا قوة..
أقترح أن نعبد إلهاً يطلق الدود علينا
أحياء..

بغض النظر
كنت أقترح أن نتخفف قليلا
أولا
سنتخفف من حمل القرابين للآلهة
ثم نتخفف من حمل الطعام للبيت
قد نفكر في تخفف من الإنصات المستمر
لتفاصيل حياة الآخرين..
ثم نقرر ألا نصغي لتفاصيلنا..
نحن آخرون أيضا.. أحيانا
جراب الذاكرة الثقيل يا إلهي
كيف لم أقترح حتى الآن
سكبه في أقرب صندوق قمامة
هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة
لكي يعيد التاريخ تدوير نفسه بنفسه
أي بدوننا
نتخفف من اعتماد التاريخ علينا
من اعتمادنا على الزمن
وقد لا نتمكن من الانتظار حتى نجد صندوق قمامة
أقترح أن نصنع محرقة جماعية للذاكرة
يساهم فيها كل بنصيبه من الحكايات
هكذا يمكننا بسرعة أن نمحو الحكايات
ونترك للأشباح التي سكنتها فسحة
من السماء..
أقترح
أن نتخفف من السماء أيضاً
ولا نعود نشارك القردة على الأشجار حلمها
بالطيران..
أقترح أن نغفو قليلا
ونرمي أجسادنا في أي حلم يقترحه السرير علينا
أقترح أن نصمت
أن نسد آذاننا وافواهنا وأنوفنا وعيوننا
أقترح أن نرحل
بإرادتنا
أي شيء نحتاج غيرها؟

في الظهيرة سأتفقد أصدقائي
كل في ركنه
نائم كما أراد ربه
يحدثني عن الحر في الصيف
عن البرد في الشتاء
أنا أيضا نائمة في ركني
أصطنع نكاتا تلهيهم عن مأساتهم
أقترح
أن نزرع مآسينا
ونرويها بكل الحزن
ونحصدها في ربيع الكآبة
ونظل نبكي كثيرا
حتى يخف الماء تماما من أجسامنا
أن ندخل المصحات
ننتظر بلهف طلة الممرضة النموذجية كما نتخيلها
ونشفق كثيرا على أنفسنا..
هكذا في النوم..
يا للوقاحة
نتوسل
أيتها الممرضة الجميلة
خذي أحلامنا
عينات دمائنا
وداوينا ببسمة
نحن ضحايا الكسل المزمن
خذينا
واتركينا أحياء..

أقترح أن ندهن أحذيتنا بالورنيش اللامع
أن نختار شامبو ضد القشرة
ونفتخر بأناقتنا
أن تثير الأخبار شفقتنا الحنونة على القتلى المساكين
حتى أننا نعطيهم بعضا من وقتنا في الحديث أثناء السمر
ثم نتحمس كثيرا لنتائج المباريات..
أقترح أن يقتلنا الملل من شدة الرفاهية
ثم نبعث من جديد أشباحا
مزخرفة.

في المساء سأتحرك ببطء
بطء قدسي
أوقد شمعة أرجوانية
وأغوص في مفارقة أزرق اللهب وأصفره.
أحدث نفسي عن المجرة
وعن تشريح الجسم البشري
عن طقوس عبادات السكان الأصليين لأمريكا
وأنتظر هجوما عسكرياً
يجعلني أحد السكان الأصليين
لمنطقة الشرق الأوسط
أتأمل سلحفاتي
على ضوء الشمعة الشاحب
أصلي
لروحي التي تسكن سلحفاة
وأستمر في البطء
أقترح
أن نرسم طيورا بعيون صفراء فاقعة
وأن نحنط بومة
وتمساحاً
وغراباً..
أقترح أن أتخفف كثيرا من الروح التي تسكن جسمي
لأجل الجسم الذي يسكن روحي
أقترح
أن أتخيل عالماً ضيقا جدا
يفور من رأس دبوس
وبعض تمارين اليوجا
وشيء
من القرف
والبسمة الماكرة المخادعة.

هدى حسين
القاهرة – يونيو 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07