الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيكون الأول من تموز ميلاد جديد للعراقيين؟

هادي الخزاعي

2004 / 6 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تموز أسم متداول في التاريخ العراقي مذ عرف العراقيون الآلهة، فكان تموز واحد من تلك الآلهة البابلية القديمة التي منحتهم العطاء والخير وديمومة النسل، فعلموا البشر كيف تكتب الحروف والملاحم، وكيف تصاغ المسلات لتحمي حقوق الرعية. فكان تموز، منذ تلك الآلاف من السنين اسم لشهر من أشهر السنة التقومية، الذي يلتهب فيه الحر حد الأختناق، لكنهم، أي العراقيون، رضوا بذلك الزمهرير، لأنه مطبخ للتمر الذي تنتظر نضجه بيوت الفقراء والأغنياء على حد سواء.
وتموز هوية العراق الحديث، ففي اليوم الرابع عشر منه ، أنتفض العراقيون على الملكية فقبروها الى الأبد، أذ بزغت في أفقه بذاك اليوم، جمهوريتهم الخالدة، التي أزاح الستار عنها، الزعيم طيب الذكر عبد الكريم قاسم، الذي التف حوله وحول الجمهورية الوليدة، كل فقراء العراق وكادحيه، وكأنهم كانوا على موعد معه، كموعدهم مع التمر في كل تموز.
لم يكن اي من العراقيين الفقراء، الذين كان ينحرهم الكد اليومي سواءا في حقول الأقطاعيين ومشاغل المالكين،أو أولئك الذين يسعون وراء كدهم اليومي في شوارع المدن واسواقها، يفكرون بسجلات نفوسهم، واغلبهم أن لم يكونوا جميعهم، بلا دفاتر نفوس( جناسي ) وانا واحد منهم.
كانت عوائلنا تمتاز بكبر حجمها، فقلما يكون للعائلة الواحدة أقل من خمسة أطفال، وهذه هي الميزة الوحيدة التي كانت تتقاسمها عوائل الأغنياء على قلتهم، والفقراء على كثرتهم في العراق. لم يكن لهؤلاء الخمسة أو حتى العشرة أطفال في العائلة الفقيرة، غير دفقر نفوس واحد ويكون للبكرعادتا، أما البنت فلا أحد يسأل عنها.
وحين كان يفكر رب العائلة الفقيرة بتسجيل أطفاله بالمدرسة، فأنه لا يجد حرجا في أن يسجل أطفاله كلهم عبر جنسية أبنه البكر. لم يكن ذلك تزويرا، ولكنها كذبة الفقراء البيضاء التي كانت تقبلها المدارس على مضض، وألا فان رحلاتها ستبقى فارغة حتى نهاية العام الدراسي ألا من القلة الذين لديهم دفاتر النفوس.
لما قامت الجمهورية، وفرشت جناحها ليتفيء الجميع تحت ظله المبتهج للحياة، شرَعت التعليم الألزامي، و للبنين والبنات على حد سواء. أما دفاتر النفوس(الجناسي) فقد حلت مشكلتها، فقبل أشهر معدودة من قيام الجمهورية، أجري أحصاء عاما للنفوس عام 1957 مما سهل عملية حصول الأطفال على تلك الوثاثق( الجنسية) لغرض تسجيلهم في المدارس.
المشكلة التي رافقت عملية التعداد، هي عدم معرفة الغالبية العظمى من الناس ـ وهم من الفقراء طبعا ـ بأي يوم ولدوا، وفي أحيان كثيرة، تكون سنة الولادة تقديرية أعتمادا على المناسبات التي تفطَنهم بالسنوات التي ولدوا فيها. ولما كان يجب أن تمتليء كل الحقول التي يضمها دفتر النفوس، فكان حقل يوم الولادة يتطلب أن يدون فية اليوم الغائب عن أذهان الفقراء، فما كان من أصحاب الأمر ألا أن يدونوا يوم الأول من تموز، ميلادا لكل عراقي لا يعرف يوم تولده. أطفالي الذين يحتفلون بيوم ميلادي في كل أول تموز من كل عام ، يعجبون كيف توافق أن يكون ذلك اليوم، يوم لميلاد الكثير من العراقيين، وهذه الصدفة الغرائبية يستغربها أيضا موظفوا الشؤون الأجتماعية في بلدان اللجوء التي تزدحم بالعراقيين، هم يتعجبون ونحن المولودين في الأول من تموز نبتسم بخبث، أشارة الى الآباء الذين كانوا يوقتوا ولادات ابنائهم في ذلك اليوم، الذي يكون فيه التمر في انضج اوقاته. عذرا أذ اسوق هذا التفصيل الممل عن قصة يوم الميلاد العراقي، ولكنه تعريف بالقصة لأجيال العراقيين الذين لم تحتوي دفاتر نفوسهم 1 تموز. والمفيد من هذا التذكر، أن للعراقيين علاقة لا تنفصم عراها بالأول من تموز.
بعد أيام، وتحديدا في الأول من تموز، ستنتهي مرحلة الأحتلال، وستعود للعراقيين سيادتهم على وطنهم، وسيكون لذال اليوم رنين في أجندة العراقيين، يكمل ما خطا به الأله تموز مشواره الذي بداه في العراق منذ عشرات القرون. وحتى تقر عيون عشتار ويهجع كلكامش من عناء رحلة بحثه عن خلود العراق، ويكف أنليل من ترديد ترانيمه الحزينة في وهاد الناصرية، ويسقي الحسين عطشاه من الأطفال والنساء، وتصخب البصرة بأناشيد رابعه وهي تتجلى بحب السماء، وتزول الملوحة عن سباخ القرامطة في السماوة، ويصنع كاوه الحداد على سندانه سيف عدله، ويطل علينا من جديد عبد الكريم قاسم من القمرالذي تخيله فيه سكنة الثورة والشاكرية وبقية المدن الفقيرة...علينا أن نصرخ بكل ما تأت به الحنجرة من شدة، العراق أولا.. العراق أولا ...فيكفي العراق ما راق من دم على ثراه...يكفي العراق ما ترملت من نساه... يكفي العراق ما اطفيء من سناه... فهل تتركنا شرذمة الألوان المعتمة نبصر يوم العراق الجديد، الأول من تموز، خاليا من تناثر الأشلاء، وتطمأن فيه الأم لعودة طفلها من المدرسة يحمل على ظهره الحقيبة وعلى وجهه الأبتسامة، وتتطامن الأخت والحبيبة وهي تدفع بشموع خضر الياس في عرض دجلة.
في الأول من تموز سيفتح العراق الصفحة الأولى من تأريخه الجديد، بعد عقود من الصفحات السوداء التي مرت وشهورالأحتلال البائسة التي ستنتهي.
أن كل ما مر بالعراق من ضيم وظلم على ايدي القتلة، يستدعي من الحكومة الأنتقالية أن تنظر الى ذلك الماضي بعين ثاقبة، لتتوخى أن لا تقع في تلك الحبائل التي أفسدت من حكموا في العهود السابقة، فاستحالوا الى ثآليل ودمل على جسد العراق.
ولكي يكون الأول من تموزتسجيلا لعراق جديد، على بنيه ان يخرجوه من المستنقع الذي أسقطه فيه النظام المقبور والأحتلال المكروه، وذلك بالتعاون والتكاتف وأحترام الآخر، والأبتعاد عن وهم الحقائق المطلقة، فكما قيل " السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة " ، وهذا المنطق، هو وحده الذي يؤمن عراق المستقبل الذي يتسع للجميع.العراق الجديد الذي لا يؤول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ