الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انهار العرب ؟

زياد محمد

2010 / 1 / 12
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



كنت طفلا غضاً ولم يكن عمري قد تجاوز العاشرة ، حين كنت أهرع ومعي أطفال في مثل عمري إلى استاد مدينتي حيث الاحتفالات في يوم 7 مارس ذكرى انسحاب القوات الغازية لقطاع غزة وبورسعيد اثر عدوان عام 1956 م ، حيث كان يحضر إلى هذا المكان كل القيادات الكبيرة في الثورة الفلسطينية وكبار قادة الجيش المصري ، وكان على رأس الحاضرين الزعيم الفلسطيني المرحوم / احمد الشقيرى ، الذي كان يصدح بصوته الجهوري القوى عبر الأرجاء فيثير في صغيرنا وكبيرنا روح الثورة وأجيجها ، وصور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تتطاير في السماء ، وسعيد الحظ من كان يظفر بإحدى هذه الصور ، الأمر الذي شجعني على مخاطبة الزعيم احمد الشقيرى بريديا ، وأنا بعد لم ابلغ سن الحادية عشرة من عمري ، وقد أرسل لي رحمه الله العديد من الكتب الثورية وصوراً له ، فكنت طفلا محظوظا وسعيدا ، ومحط إعجاب معلمي وأصدقائي من الطلاب ، ولم اقصد بسرد هذه المقدمة كيل المديح لنفسي لأنني لم أكن الطفل الوحيد بل كان كل أطفالنا يتسمون بهذه الروح ، ولكن ما اقصده واعنيه أن روح الثورة كانت قد ولدت لدينا منذ نعومة أظافرنا ، فهذه ثورة على الظلم في دمشق تارة ، وفى بغداد تارة أخرى ، وهذا زعيم عربي يقف في المؤتمرات الدولية والإذاعات المختلفة ليعلن أن أولويته هي فلسطين وان كل جيشه وإمكاناته بنيت من اجل فلسطين ، فلم يكن لفلسطين زعيم واحد ، بل كان لفلسطين زعماء كثيرون والجميع يتسابق من اجل الإعداد للمعركة الفاصلة من اجل فلسطين ، فهذا عبد الله السلال رئيس اليمن ، وذاك عبد السلام عارف الرئيس العراقي ، ونور الدين الاتاسي الرئيس السوري ، واحمد بن بيلا الرئيس الجزائري ، والملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية فكلهم كانت لهم مواقفهم العربية الأصيلة من فلسطين وأهلها ، وكانوا لا يحسبون لأمريكا أو للغرب حسابا ، بل ويجاهرون بعداوتهم لإسرائيل وأمريكا ، كنا نهرع إلى البقالة لشراء بطاريات للراديو حال سماعنا أن الرئيس جمال عبد الناصر سيلقى خطابا ، وقد كنا نفتقر إلى الكهرباء .
وخلاصة القول في هذا المضمار أن روح الثورة لم تكن تنطفئ يوما من نفوسنا وقلوبنا ، بل كانت لدينا نحن العرب جميعا الجاهزية للموت من اجل فلسطين ، واذكر ذات مرة أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يلقى خطابا بعد حرب عام 1967 حين هتفت الجماهير المصرية : سيناء ... سيناء ، فرد رحمه الله : القدس قبل سيناء .... يا لله كم ارتعشت أجسادنا وأرواحنا مع هذه العبارات الخالدة .
كان للعرب مواقفهم البطولية النادرة وكانوا يقفون سدا منيعا أمام أطماع الصهيونية والامبريالية الغربية ، رغم ضعف إمكاناتهم آنذاك .
ولعل أبناء الأمة اليوم يستغربون من هذه المواقف ويكاد البعض لا يصدقها ، فالأمة اليوم ليست هي أمة الأمس ، اليوم هي امة قبلت بالدنية وارتضت أن تكون طائعة للغرب ودون مجرد أن تناقش الأمر ، فالعدوان الإسرائيلي مزق لبنان وقتل من أهله الآلاف ، والعدوان الأمريكي على العراق دمر كل معالمه وثرواته وجعل من العراق فرقا متناحرة ، وفلسطين حدث ولا حرج ... جرائم إسرائيلية لا حصر لها ، حيث القتل اليومي والحصار والتجويع والموت من نصيب أهل فلسطين ، والمواقف العربية مشتتة إلى ابعد ما تكون ، فالصراعات العربية – العربية وصلت إلى أوجها ، وكان الروابط التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية قد زالت وبغير رجعة ، ولسان حال الإعلام العربي اليوم يقول للعالم :كما قال الشاعر :
أقول وقد شنوا إلى الحرب غارة ..... دعوني فأنى آكل الخبز بالجبن
فقد أصبح الإعلام العربي يجامل القادة الغربيين ويحرص على عدم استفزازهم أو إثارة غضبهم ، بل والأدهى من هذا أن بعض الفضائيات العربية تسعى جاهدة لاستضافة احد القادة الصهاينة المجرمين في نشراتها الإخبارية ، كي يفرغ سمومه إلى الجماهير العربية ، وكي يظهر كيانه المجرم وكأنه الحمل الوديع .
ولازال العرب وأنظمتهم الحاضرة تفاخر بعلاقاتها المتميزة مع الغرب وعلى راسها أمريكا ، ويتسابقون في إظهار تمسكهم بالمشاريع التصفوية التي تتزعمها أمريكا ، ويعلنون أن السلام خيارهم الاستراتيجي وهم يعلمون جيدا أن هذا السلام المزعوم يعنى ضياع فلسطين وارض العرب ... وقد يتساءل سائل : لماذا قبل الفلسطينيون بعملية السلام المزعومة ؟
والإجابة واضحة تماما ... فالفلسطيني اليوم فقد العمق العربي والإسلامي ، ولم يعد النظام العربي قادر على الدفاع عنهم ، ولو كان العمق العربي قويا وداعما ، لما وصل الأمر إلى هذا الحد من المفاوضات التي لم نجنى من ورائها سوى إهدار الوقت وضياع ما تبقى من فلسطين ، بل وإضافة أعداد أخرى من الشهداء والأسرى ، والأدهى ما وصل إليه حال فلسطين من الانقسام الذي هو مصلحة أمريكية صهيونية بالدرجة الأولى .
سألني ذات مرة زميل دراسة عراقي : هل يتم إجراء مقابلة للتلميذ في فلسطين عند دخوله المدرسة للتعرف على قدراته وميوله ؟ فأجبته بنعم ، فقال وما هي طبيعة الأسئلة التي توجه إليه ؟ فقلت : نطلب من التلميذ أن يعد الأرقام من الواحد وحتى العشرة ونسأله عن بلده وعاصمة فلسطين وهكذا أسئلة ، فرد قائلا : أتدرى انه يطلب من التلميذ في العراق قبل دخوله المدرسة أن يكون قادرا على رسم خريطة فلسطين ؟ كم كانت دهشتي كبيرة وكم كان اعتزازي بالعرب كبيراً ، فقد كانوا يربون أولادهم على حب فلسطين والتضحية من اجلها ، فكان عدد شهداء العرب فيها كبيراً وكان قدرهم في النفوس اكبر.
ترى ما هو حال التربية السياسية اليوم في العالم العربي ؟ هل لازالت فلسطين تحتل مكان الصدارة ، أم زالت بزوال النظام الثوري العربي ؟ سؤال ينتظر الإجابة عليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ممتاز اخ زياد محمد
عبد الله بوفيم ( 2010 / 1 / 12 - 20:05 )
موضوع ممتاز, وقراءة منطقية لواقع العرب والمسلمين, قبول الدنية والخنوع, والفرقة والطائفية, والسير في المسار الذي رسمه لنا الأعداء ومن غير أن نعلم

اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا